شيماء مطر تكتب:
حضرموت الجنوبية.. ميدان جديد للصراع والتوازن بين قوى داخلية وخارجية
في صيف ١٩٩٤ كانت ملامح تحالف جديد بين علي عبدالله صالح،رئيس السابق لليمن ،و الإخوان المسلمين قد بدأت تتشكل للانقلاب على شركاء الوحدة في الحزب الاشتراكي اليمني.
وكان حزب الإصلاح الإخواني أداة “صالح” لغزو محافظة حضرموت عسكريا،وارتكاب مجازر بشعة ترتقي لجرائم حرب .فكافئهم” صالح” من خلال تمكينهم من تركة الحزب الاشتراكي ، وتوزيع على ميليشات “الإصلاح” رتب عسكرية بعد أن تم تسريح قيادات جنوبية من الجيش.
وظهرت حينها أولى خطوات لتعزيز جناح عسكري بوادى حضرموت يمثل حزب الإخوان ويسمى بالمنطقة العسكرية الأولى ،ولا يزال هذا القوى حتى هذه اللحظة متمركزة في الوادي ولم يسبق لها خوض أي معارك ضد الحوثيين وحولها الإخوان إلى قوة عسكرية للضغط بها لتحقيق مكاسب سياسة في أي مفاوضات قادمة.
وفي يوم ١٢ديسمبر ٢٠٢١،كشفت إحدى النقاط التابعة للهبّة الشعبية الحضرمية مناجم ذهب يتم نهبها من وادي ذو محمد الواقع جنوب مدينة المكلا ونقلها إلى محافظة عمران شمال اليمن عبر الشاحنات التي تنقل خام النفط إلى مصفاة مأرب، هذا فقط عن طريق البر، أما عن طريق البحر فحدث ولا حرج.
بين هذين التاريخيين عانى شعب حضرموت، وتولد لدية قناعة بأن أرضه قد غُدِرت بقوى يصفونها بـ” الاحتلال” التي تستولى وتنهب ثرواته وتقمع حريته.
المنطقة العسكرية الاولى.. بؤرة الإرهاب
واليوم، وبعد اكثر من ٢٩عاما، في ساحة الحشد الجماهيري بسيئون، وقد اجتاحتها الجموع، جموع حزينة وغاضبة، لإحياء ذكرى يوم الأرض، ذكرى إعلان قوات الرئيس الراحل على عبد الله صالح الحرب على جنوب اليمن.
وأمام عجز أجهزة قوات المنطقة العسكرية الأولى، على ترويض هذا الشعب، لجأت لنفس سيناريو القمع بقسوة أشد وأبشع؛ استخدمت البلطجة والعنف والترويع، استدعته من دهاليز وسراديب النظام السابق، حيث فوجىء المشاركون في المسيرات السلمية ببلطجية، قاموا باعتداء وحشي سافر، على المحتشدين السلميين في مهرجان يوم الأرض في مدينة سيئون.
فقد اقتحمت “البلطجية” بالتعاون مع عناصر من قوات المنطقة العسكرية الأولى تلك المجاميع في ساحة الحشد الجماهيري بأسلحتهم، مرتكبين جريمة وحشية بحق المواطنين العزل المتجمهرين سلميا، وإطلاقهم للرصاص الحي بكثافة، وبشكل عشوائي.
وقد تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر قيام شخص يدعى” ثامر الكثيري” ، بالاعتداء على رجل مسن مشارك في المسيرة السلمية بسبب هتافه ضد الإخوان فقام بركله حتى اسقطه من فوق المنصة .ذلك وسط محاولات تفريق المسيرات بالعنف والرصاص الحي.
سياسة استخدام” البلطجة” في محاولة إسكات الأصوات، بالإضافة إلى الإختطاف والتعذيب، بل وحتى التصفية الجسدية، هو نهج كان يتبعه النظام السابق، وتم استخدامه في مواجهة الحراك والتظاهر الشعبي المشروع منذ عام ٢٠٠٧حتى اليوم.
ولا يكاد يمر يومٌ من دون أن يشهد وادي حضرموت من حوادث إرهابية تندرج ضمن الجرائم الإخوانية، حيث حولتها لمسرحا مفتوحا لعمليات القتل، ومحطة لمشاريع اخوانية بتمويل دولي تستهدف أبناء وادي حضرموت.
لماذا انتقل الصراع إلى حضرموت ؟
تشكل محافظة حضرموت ميدانا جديدا من ميادين الصراع والتوازن بين قوى داخلية وخارجية.
و إذا أردت أن تعرف لماذا حضرموت مُهمّ لدول أخرى، ما عليك سوى أن تلقي نظرة على الخريطة وما تملكه هذه المحافظة من ثروات هائلة .
إذ تتعلق السيطرة على وادي حضرموت بالسيطرة على الشبكات الاقتصادية، سواء من حيث حقول النفط بشكل أساسي، أو طرق التهريب.
و ظهرت ملامح الصراع بعد تاريخ ٨مايو الماضى، وبالتحديد بعد ولادة ميثاق شرف وطنى جنوبي ،يحدد المبادىء الحاكمة لدولة مستقبلية و الذي ينص في إحدى مواده على أن أبناء حضرموت هم الممثل الوحيد للإرادة الحضرمية، ولهم السيادة على أرضهم، وتوحد حوله النخبة الحضرمية ومشايخ وقبائل حضرموت وكافة المحافظات الجنوبية المحررة .
وعشية ليلة انعقاد الجمعية الوطنية في مدينة المكلا وسط ترحيب شعبي وتأييد للميثاق الجنوبي ،تحركت السعودية في استدعاء شخصيات من حضرموت ، لمناقشة مستقبل المحافظة ذات الأهمية الإستراتيجية،وتجري تلك المحادثات في أجواء محاطة بالغموض، .
و في يوم ٢٠يونيو أسفرت المحادثات ، عن كيان جديد قادم من الرياض بإعلان ما يسمى بمجلس “حضرموت الوطنى “، وصياغة مسار بديل للميثاق الجنوبي .
فهل أربك توحد الشعب حول ميثاق وطنى جنوبي ،دول فى الجوار حتى تسرع في صياغة ميثاق آخر موازى له؟!!.
ليس غريبا، أن تسعى السعودية للتأثير على مجريات الأحداث في حضرموت، الواقعة على الحدود الجنوبية الشرقية للمملكة، فقد اضطلع السعوديون بدور استباقي في اليمن، بهدف السيطرة على المناطق والممرات الإستراتيجية بدعم من تشكيلات عسكرية جديدة، مثل قوات درع الوطن.
انتزاع الحق في الأرض
يكفي المراقب أن يلقي نظرة على حسابات الحضارم بمواقع التواصل الاجتماعي، ليحدد الموقف الشعبي من إنشاء كيانات جديدة في جنوب اليمن .
يعبر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في حضرموت عن رأيهم بهشتاج#حضرموت _ترفض _مكونات _الإخوان، في إشارة لما وصفوه ببقايا النظام السابق بالسعي لإثارة حرب أهلية في البلاد، بينما استقبل آخرين، إنشاء كيان سياسي بديل ، بكثير من الريبة محذرين من تقسيم الصفوف و محاولات تحطيم إرادة الشعب في التخلص من وجوه الإرهاب.
كما أتفقت تغريدات قيادات سياسية بحضرموت على أن “الكيان الموازي لا يمثلنا” ،ومحذرين من مخاوف من نشوب صراع طويل الأمد تغذيه مصالح خارجية .
على الحُلْم أن يرشد الحالمين كما الوَحْيُ
أرسلت حضر موت إلى العالم صرخة ، ما يجعل هذه المحافظة تصنع الأخبار على الدوام دون أن تكون فيها حرب بالضرورة لتفعل ذلك. خرج عشرات الآلاف رافضا أى تدخل خارجى في إدارة شئون المحافظة.رافضا كل التسويات والصفقاتِ التي تعيد إنتاج كيانات جديدة من نفس قوى المنظومة السابقة التي أوصلَت البلاد إلى صراع دموي .
وقد أبدى شعب حضرموت رباطة جأش عالية، في مواجهة هذه الإستفزازات، واستمروا في التظاهر السلمي،رافضين المكون السياسي برعاية سعودية تتحدث باسم حضرموت .
ومعلنين أن من له الحق في حسم مستقبل حضرموت هو الشارع الحضرمي .. إرادة هذا الشارع هو تجسيد حى
للمشهد الذي رسمه يوسف شاهين لتجمع الشرفاء وعليهم الحفاظ على الشارع من أعداءه مرددين كلمات صلاح جاهين :” الشارع لنا، إحنا لوحدنا الناس التانيين دول مش مننا دول ناس أنانيين”..كأن “جاهين” كان يرى الشعب الحضرمي وهو يملأ شوارع وميادين حضرموت ،حالما بشارع سلمي خالى من رصاص الإخوان، مؤكدا أن الشارع لأصحاب الأرض وأصحاب القرار .
وتتمثل إرادة شعب حضرموت الحر في كلمات “جاهين” :”أنا مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه أنا حُر في إللي يقول ضمييري عليه وإن كنت تُحكم جوا ملكوتك الشارع الواسع فاتح لي إيديه”.
الإخوان ..تجار الفتنة
وأمام حجم الاحتشاد الشعبي الذي خرج الأيام الماضية للمطالبة بتحرير أراضيهم من قوى الإرهاب المتمثلة بالمنطقة العسكرية الأولى ،وأمام رفض شعبي لإنشاء هذا المكون الحضرمى البديل ، فوجئنا منذ يومين بتوقيع محمد أحمد بن زياد رئيس المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح-الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- بحضرموت ،على ميثاق الشرف الموازي بالعاصمة السعودية بالرياض .
فكيف بعد أن أطلق حزب الاصلاح الرصاص الحى على الحضارم العزل في سيئون أن يوقع على ميثاق يتحدث باسم حضرموت ؟..من يصدق أن حزب الإصلاح يكترث باستقرار حضرموت؟ ؛فلو أتيحت لهذا الحزب فرصةُ لقتل ما تبقى من شعب حضرموت المسالم سيفعلها.
وعن أى شرف يتحدثون عنه في الميثاق ،وهم فاقدون للشرف ؟..وكيف يدعون أن هذا الكيان يمثل حضرموت؟ وإن كان يمثل حضرموت لماذا لم يوقع هذا الميثاق في المكلا ؟!.فعن أى كيان جديد يتحدثون عنه بمباركة إخوان اليمن وتتوقعون فيه خير لأبناء حضرموت ؟.
وهل يؤتمن لحزب الاصلاح بالتوقيع على ميثاق باسم حضرموت ، وهو أول من أعلن التنصل من اتفاق الرياض الذي نص على إخراج القوات العسكرية إلى الجبهات مع مليشيات الحوثي وذلك بعد تنظيمها تحت قيادة وزارة الدفاع اليمنية.
هل تناسوا تهديد رئيس أركان المنطقة العسكرية الأولي ،في إحدى قنوات الإخوان التي تبث من الخارج قائلا: “المنطقة العسكرية الأولى التى يقودها لن تسمح لأحد بالعبث بالممتلكات العامة والخاصة في وادي حضرموت”، واصفا الدعوات الشعبية لخروج القوات بـ”التصعيد وأنه لها بالمرصاد”.
يتضح اليوم أن مماطلة إخوان اليمن لتنفيذ «اتفاق الرياض» كانت سوى ورقة ضغط ،بعد أن خسروا مواقعهم في شبوة وأبين ،فراهنوا على وادى حضرموت بكل الأساليب الغير مشروعة لاستمرار بقاءهم،حيث أن منطقة الوادى ومدينة وسيئون بوابة عسكرية واقتصادية من وإلى مأرب.
وأياً كان ما يجري في ساحة حضرموت، عسكريا أو سياسيا، ليست سوى أحداثا لتمرير صفقات غامضة مع الحوثيين،لكن العائق أمام تنفيذ هذه الصفقات هى صرخة شعب ب” لا ” و لاء غير مشروط لبند التنازل عن 80% من إيرادات الجنوب للحوثي.