د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
ماذا وراء السكوت الغربي عن تورط النظام الإيراني في أحداث غزة؟
كانت أحداث غزة المؤلمة صادمة للجميع؛ إذ كشفت النقاب عن الحقائق، وأوضحت الرؤية وفضحت جرائم الخداع والإدعاء التي قام عليها الغرب لعقود بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، ويبدو أن ما طرحه الغرب من قيم كانت لمفكريين غربيين صادقين كان وسيلة لضمان سير حكوماتهم بنجاح وليست للتعامل مع مستعمراتهم والشعوب الأخرى؛ لكنهم رفعوا شعارات تلك القوانين والإدعاءات كقيم عالمية، وتبدو الحقيقة اليوم أكثر جلاءاً بأنهم وضعوها للإختفاء خلفها وتحسين صورة وجوههم الإستعمارية القبيحة، وقد فضحتهم أحداث غزة كما فضحت كثيرين ومنهم نظام الملالي الحاكم في إيران.. وخلق ذلك عدة تساؤلات عَلناَ نوفق في الإجابة عنها هنا قدر الإمكان.
القصة وما فيها هي أن الأحداث الجارية في قطاع غزة تشهد تصاعداً في العنف والتوتر بين الإحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، وتتزايد المخاوف من تصعيد الصراع إلى مستوى إقليمي أو حتى دولي، وشهدت هذه الأحداث تورطًا واضحاً للنظام الإيراني في الأحداث الجارية على الرغم من تبرأة أمريكا لهذا النظام، ومعروف أن نظام الملالي في إيران قدَّم ويقدم دعماً مالياً ومعنوياً وعسكرياً لحركتي حماس والجهاد وحزب الله وغيرهم، ورغم أن هذا التورط الإيراني كان واضحا للعيان إلا أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ظلت صامتة حيال ذلك، ولم تتخذ أي إجراءات رادعة ضد ملالي إيران.
وفي ظل هذه الأحداث يُثار السؤال عن سبب السكوت الغربي حول تورط النظام الإيراني في هذه الأحداث، ونستعرض فيما يلي بعض الأسباب المتعلقة بهذا الشأن:
- يرى البعض أن السكوت الغربي حول تورط النظام الإيراني في أحداث غزة يعود إلى الرغبة في الحفاظ على الاتفاق النووي المبرم مع إيران، والذي يعد إنجازاً دبلوماسياً كبيراً للغرب؛ إذ يرون أن الاتفاق النووي يحظى بأولوية أكبر من الصراع الدائر في غزة، وأن الحفاظ على الاتفاق يمثل مصلحة للغرب.
- ومن جهة أخرى يرى البعض أن السكوت الغربي حول تورط النظام الإيراني في أحداث غزة يعود إلى الرغبة في تجنب التصعيد مع إيران، والذي يمكن أن يسفر عن اندلاع حرب إقليمية أو حتى دولية، ولذلك يلتزمون الصمت.
- الخلافات الداخلية بين الدول الغربية في نظرتها إلى إيران، حيث تقول بعض الدول مثل الولايات المتحدة أن إيران تمثل تهديداً لأمن المنطقة، بينما تقول دول أخرى مثل فرنسا أن الحوار مع إيران هو السبيل الوحيد لحل الخلافات معها.
وعلى الرغم من هذا السكوت الغربي إلا أن هناك بعض الدول قد أعربت عن قلقها من تورط إيران في الأحداث الجارية، وحذرت هذه الدول من أن هذا التورط قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، ويقول بعض الخبراء أن استمرار السكوت الغربي عن تورط إيران في أحداث غزة قد يشجعها على المزيد من التدخل في المنطقة، ويزيد من مخاطر اندلاع صراع واسع النطاق.
الاستنتاج:
يبدو أن السكوت الغربي عن تورط النظام الإيراني في أحداث غزة هو سياسة مؤقتة، حيث تسعى الدول الغربية إلى تجنب إثارة التوتر مع إيران، وتجنب اندلاع صراع واسع النطاق بالمنطقة، وفي حال استمر هذا التورط الإيراني فلربما تضطر الدول الغربية إلى اتخاذ إجراءات رادعة ضد إيران لتجنب المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
أسباب تغاضى الغرب والأمريكان عن جرائم القتل والابادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وقتل عناصر المقاومة الإيرانية في العراق
تتلخص أسباب غياب الاستجابة الغربية والأمريكية لجرائم القتل والابادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وقتل عناصر المقاومة الإيرانية في العراق على الرغم من أنهم محميين بموجب ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة على النحو الآتي:
- العلاقات الدبلوماسية: يرى البعض أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول والمنظمات الدولية والنظام الإيراني هي السبب وراء عدم الاستجابة لمطالب مراجعة ومحاسبة النظام الإيراني على جرائمه، وهناك رغبة في الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية بين الدول وهذا النظام، وعدم الرغبة في التصعيد الدبلوماسي.
- الاهتمامات الاقتصادية: يقول البعض إن الاهتمامات السياسية والاقتصادية هي السبب وراء عدم إدانة وملاحقة جرائم النظام الإيراني، وهناك رغبة في الحفاظ على العلاقات السياسية والتجارية بين الدول ونظام الملالي في إيران، وعدم الرغبة في التصعيد التصعيد السياسي والاقتصادي.
- الضغوط الداخلية: إن الضغوط الداخلية في تلك الدول هي السبب وراء عدم الاستجابة لضرورة ملاحقة جرائم النظام الإيراني في ظل وجود رغبة لتجنب الانتقادات والتوتر الداخليين.
- عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية: إن السبب وراء ذلك هو عدم التزام الأطراف المعنية بالاتفاقيات الدولية، وعدم وجود ضغوط دولية كافية لفرض الالتزام بالاتفاقيات على الرغم من أن عناصر المقاومة الإيرانية في العراق كانوا جميعا محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
هل يؤمن الغرب حقاً بالعدل واحترام حقوق الإنسان والقيم والمعايير الإنسانية؟
يفيد مسار الأحداث بالعالم وبالشرق الأوسط خاصة بأن الغرب لا يؤمن حقاً بالعدل واحترام حقوق الإنسان والقيم والمعايير الإنسانية، وأن التزامه بها هو مجرد شعارات فارغة، ونستدل على ذلك بما يلي:
- الانتهاكات التي ارتكبتها الدول الغربية لحقوق الإنسان في الماضي والحاضر، مثل الحربين العالميتين والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان.
- التمييز الذي يمارسه الغرب ضد بعض الفئات من السكان مثل الأقليات العرقية والدينية.
- التدخلات العسكرية التي تقوم الدول الغربية في بعض الدول والتي تؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.
هل سيدعم الغرب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية في إسقاط نظام الملالي وإقامة إيران ديمقراطية حرة؟
يحظى الشعب الإيراني وثورته ومقاومته بدعم أوروبي وأمريكي وكندي واسترالي وعربي على المستوى الشعبي والنيابي والسياسي، وتشارك المئات من الشخصيات البرلمانية ورؤساء الجمهوريات ورؤساء الوزراء والوزراء السابقين بشكل سنوي في مؤتمرات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ويوقعون على بيانات تأييد ومؤازرة لها وقد أيدوا جميعا برنامج المواد العشر للسيدة مريم رجوي، وقد صادقت أغلبية من البرلمان الأوروبي على وضع حرس نظام الملالي على قائمة الإرهاب الأوروبية، ومع هذا كله لا تزال قوى المهادنة والاسترضاء تساند نظام الملالي وتسعى لبقائه على سدة السلطة لما في ذلك من مصالح لهم.
وهذا هو حال قوى المهادنة والاسترضاء مع نظام الملالي منذ استيلائه على ثورة الشعب والتسلط على مقاليد الحكم في إيران، وكانت هذه القوى ولازالت تدعو للحوار مع النظام وإجراء إصلاحات داخلية حتى قطع الشعب الإيراني دابر هذه الدعوات وتلك الشعارات من خلال رفضه للعملية السياسية كلها ومقاطعة الانتخابات وترديد شعارات مفادها لا لأساطير المحافظين ولا لأساطير وخداع الإصلاحيين، وفي الحقيقة وجود الملالي على رأس السلطة في إيران يدعم مصالح الغرب بسياساته الرأسمالية الاستعمارية؛ إذ بخلق الملالي وحرسهم لحالة التوتر في الشرق الأوسط يبقي دول المنطقة ضعيفة هزيلة لا إرادة لها ولا رؤية كاملة وهذا ما يجعلهم مصدر رفاه للغرب.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي