د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
لمن الحكم في إيران ومَن يَحمي مَن فيها خامنئي أم الحرس؟
تُعد فئة المُنتفعين من السلطة في كل مكان بهذا العالم الصف الأول الداعم لها، وإن لم يكن هذا الدعم إيماناً بهذه السلطة فحفاظاً على مصالحها وبقاء هذه السلطة أو تلك هو وسيلة لبقاء المصالح، وأكبر فئات المنتفعين بشكل مباشر من النظام الإيراني هم مجتمع قوات حرس نظام الملالي بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى باقي حاشية السلطة في إيران، ويقدِّر رئيس مجلس الملالي إجمالي هؤلاء المنتفعين وواجهاتهم وذويهم من نسبة المؤيدين لوجود سلطة حكم الملالي بـ 4% من إجمالي المجتمع.
في إيران؛ يحكم النظام الديني الذي يتزعمه الولي الفقيه علي خامنئي، وتعتبر قوات حرس نظام الملالي جزءا من هذا النظام الديني الحاكم، وتتولى مسؤولية حفظ الثورة التي نسبوها لأنفسهم وأسموها ب الإسلامية وكما يزعمون الدفاع عن إيران واستقلالها وسلامتها الإقليمية، يضطلع ممثلو خامنئي في قوات حرس نظام الملالي بمهام شبيهة بدور كدور المفوضين السياسيين في الاتحاد السوفياتي آنذاك؛ إذ يتولون مسؤولية التلقين السياسي لعناصر هذه القوات والموافقة على مؤهلاتهم الإيديولوجية والسياسية في مرحلتَي التجنيد والترقية.
وتعتبر قوات حرس نظام الملالي قوة عسكرية بحد ذاتها، وتتمتع بشبكة واسعة من النفوذ في الحكومة والاقتصاد والمجتمع، وعليه يمكن القول إن هذه القوات تحمي النظام الديني الحاكم في إيران بالمنظور المادي وليس العكس.
الحكم في إيران
السلطة الأعلى في إيران هي بالأساس للولي الفقيه الذي يتمتع بسلطات واسعة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويُعتبر الولي الفقيه القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، وهو المسؤول عن تعيين رئيس الجمهورية ورئيس القضاء وأعضاء مجلس صيانة الدستور.
أما قوات حرس نظام الملالي فهي قوة عسكرية ميليشياتيه تابعة للولي الفقيه وتتمتع هذه القوة بسلطات واسعة في المجال الأمني، وهي المسؤولة عن حماية النظام الإيراني من التهديدات الداخلية والخارجية، وبشكل عام يمكن القول إن الحكم في إيران بالأساس هو الولي الفقيه وأن قوات حرس نظام الملالي التي تتمترس خلف صورة وشعارات وفتاوى علي خامنئي هي القوة التي تحمي النظام الإيراني من الداخل والخارج.
وفيما يلي بعض الأمثلة على كيفية ممارسة الولي الفقيه وقوات حرس نظام الملالي سلطتهما في إيران كإثباتٍ للوجود وسيلة من وسائل حفظ النظام:
في عام 2013 أصدر الولي الفقيه فتوى تقضي بقتل أي شخص يسب النبي محمد (ص)، وقد استخدمت هذه الفتوى لإصدار أحكام بالإعدام على أشخاص أدينوا بجرائم ازدراء الدين.
في عام 2019 استخدمت قوات حرس نظام الملالي القوة لقمع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في إيران، وقد أسفر قمع الاحتجاجات عن مقتل مئات الأشخاص.
في عام 2022 تدخلت قوات حرس نظام الملالي لقمع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في إيران عقب وفاة مهسا أميني وهي فتاة كردية قتلت على يد قوات الأمن الإيرانية، وقد أسفر قمع هذه الاحتجاجات عن مقتل ما لا يقل عن 750 شخصاً من بينهم 51 قاصراً وإصابة واعتقال الآلاف من أبناء إيران المنتفضين.
وعلى الرغم من أن السلطة في إيران تُمارس بشكل أساسي من قبل الولي الفقيه وقوات حرس نظام الملالي إلا أن هناك أيضاً مؤسسات سياسية أخرى في البلاد مثل مجلس شورى الملالي، ومجلس صيانة الدستور إلا أن هذه المؤسسات تخضع لسيطرة الولي الفقيه وقوات حرس الملالي.
الحرس يحكم إيران
- بذل الولي الفقيه علي خامنئي وقادة الحرس جهوداً جبارة في تنقية وتصفية السلطة وأجوائها في نظام حكمه كي يستتب الأمر في النهاية للحرس الذي هو عماد وركيزة وجود نظام ولاية الفقيه، ولولا وجود الحرس ونهجه الإجرامي لأصبح الولي الفقيه ونظامه ذكرى من الماضي الغابر، ولولا الولي الفقيه لأصبح الحرس أيضا من ذكريات الماضي السوداء، وقد جعل علي خامنئي من الحرس قوة فوق القانون ودولة فوق الدولة وسلطة منزهة لها كامل الحصانة مهما فعلت ولا تُحاكم إلا في حالة الخيانة ولا يحاكمها إلا الحرس وأجهزته، وبلغ سعي خامنئي اليوم إلى أن جعل سلطات الدولة الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) من المخلصين له والحريصين على الحرس، بمعنى أن الدولة اليوم هي دولة الحرس والسلطة، أما مشاريع الحرس الاقتصادية فلا سيادة عليها إلا للحرس نفسه، ويستحوذ الحرس على كبريات المشاريع الاستراتيجية في إيران كما أنه يمتلك مشاريع كبرى خارج إيران في أفريقيا والقوقاز ومناطق أخرى من العالم، ولا علاقة للحرس بالاقتصاد الوطني الإيراني إلا في حالة نهوض هذا الاقتصاد ليعود وينتفع منه، وهنا يجدر القول إن خامنئي أوجد حكومتين في إيران إحداهن شكلية تتعامل في إدارة شؤون المجتمع والعلاقات الخارجية الشكلية ويقودها مخلصون لخامنئي أيضاً ولكنهم ليسوا بمنزلة الحرس، والحكومة الأخرى فعلية حقيقية تعمل في الباطن يقودها الحرس، ويراقب الحرس أيضا مسار الحكومة الأخرى ويعمل على ترويضها.. واليوم يقود الحرس ويوجه كلا الحكومتين بدعم وتمهيد من خامنئي، فالمحافظين من الحرس وزراء ووكلاء وزراء ورئيس الجمهورية تابع للحرس، ورئيس السلطة القضائية تابع للحرس، ورئيس السلطة التشريعية من الحرس، ووزير الخارجية ومعظم السفراء من الحرس، وعليه فإن من يحكم إيران اليوم هو الحرس.
خلاصة القول:
- يمكن القول إن قوات حرس نظام الملالي هي التي تحكم إيران إلى حد كبير، وذلك لأنها تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وفيما يلي بعض الأدلة على سيطرة قوات حرس نظام الملالي على إيران:
- قوات حرس نظام الملالي هي القوة العسكرية الرئيسية في إيران حيث تسيطر على الجيش الإيراني والقوات البحرية والجوية الإيرانية.
- قوات حرس نظام الولي الفقيه هي المسؤولة عن الأمن الداخلي في إيران حيث تتمتع بسلطات واسعة في المجال الأمني، والمراقبة والسيطرة.
- تسيطر قوات حرس نظام الملالي على العديد من القطاعات الاقتصادية في إيران بما في ذلك النفط والغاز والتعدين والصناعة والنقل.
- تلعب قوات حرس نظام الملالي دورا مهما في السياسة الخارجية الإيرانية، وهي المسؤولة عما يسمونه بتصدير الثورة الإسلامية إلى الدول الأخرى.
وعلى الرغم من أن الولي الفقيه هو الزعيم الأعلى لإيران إلا أن قوات حرس نظام الملالي تتمتع بمكانة كبيرة لدى الولي الفقيه وصلاحيات واسعة تكاد تكون مطلقة، ويرجع ذلك أيضاً إلى أن خميني مؤسس نظام ولاية الفقيه هو من أسَّس هذه القوات.
وبالنتيجة فإن قوات حرس نظام ولاية الفقيه هي القوة الأكثر تأثيرا في إيران وتلعب دوراً رئيسياً في تحديد مستقبل البلاد.
عواقب سيطرة قوات حرس نظام الملالي على الحكم في إيران
لسيطرة قوات حرس نظام الملالي على الحكم في إيران عواقب عديدة منها:
- استمرار القمع السياسي والأمني: إذ تتمتع قوات حرس نظام الملالي بسلطات واسعة في مجال الأمن الداخلي، وتستخدم هذه السلطات لقمع أي معارضة للنظام الإيراني، وقد أدى ذلك إلى تقييد الحريات السياسية والإعلامية في إيران، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين من قمع الاحتجاجات الشعبية.
- استمرار التوترات الإقليمية: تلعب قوات حرس نظام الملالي دورا مهما في السياسة الخارجية الإيرانية ودعم الإرهاب وقوى التطرف في دول المنطقة وهو ما أدى ذلك إلى تصاعد التوترات الإقليمية، وإلى زيادة احتمالية اندلاع صراعات مسلحة واسعة.
- تفاقم الأزمة الاقتصادية: تسيطر قوات حرس الملالي على العديد من القطاعات الاقتصادية في إيران، بما في ذلك النفط والغاز والصناعة والنقل، وقد أدت هذه السيطرة إلى فساد واسع النطاق وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وعلى الرغم من هذه العواقب إلا أن حرس الملالي تتمتع بدعم قوي من قبل الولي الفقيه، ومن قبل العديد من العناصر المحافظة في السلطة الإيرانية ونتيجة لذلك فإنه من المرجح أن تستمر سيطرة حرس نظام الملالي على الحكم في إيران في المستقبل المنظور، بمعنى أنه إذا بقي هذا النظام في السلطة إلى وفاة علي خامنئي فإن الحرس هو من سيتولى مقاليد الدولة برمتها وقد يعين بنفسه ولياً فقيها جديدا خليفة لخامنئي يكون صورة وواجهة لحكم عسكري ميليشياوي يُزيد من محنة الشعب الإيراني والخراب والدمار وعدم الاستقرار في دول المنطقة، وإن لم يوحد أبناء المنطقة وجهات نظرهم وصفوفهم لمواجهة نظام الملالي من خلال دعم مساعي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومشروع المواد العشر للسيدة مريم رجوي وثورة الشعب الإيراني، ستصبح دول المنطقة ذات صباح على حكم عسكر الحرس ونهج أكثر استهتار وبربرية في إيران والمنطقة.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي.