د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
ماذا بعد توفير أسباب الخراب والدمار في فلسطين هل هناك اختبار أكبر من محو غزة؟
قد يدفعنا الوعي وصدق الانتماء إلى تمني تحقيق أهدافنا ونحن منتصرين مرفوعي الرأس بعيداً عن الحروب، ولكن إن تطلبت الكرامة حرباً فما أحلاه من مطلب وما أقدسه، وإن تطلب حسن الجوار حواراً فلا جرم إن قبلناه على أن يكون الجار جاراً صادقاً في نواياه سليماً مُنزهاً في طرحه وليس لعوباً ومحتالاً يصافحنا بيد ويطعننا باليد الأخرى ويتربص بنا ويحيك لنا المؤامرات كما هو حالنا مع جار السوء نظام الملالي الذي يرى بعض الخبراء في الشأن الإيراني أن التفاوض والتطبيع معه ليس إلا تضميد بضماد قاصر ومسموم لجرح ملوث وملتهب فما عساها تكون النتيجة؛ النتيجة كما رأينا وكما نرى لا نتائج بل بات الحال أكثر سوءا، وكان نظام الملالي جار السوء بحاجة إلى الوقت الذي ستوفره له مناورة التطبيع مع العرب؛ وماذا عساه أن يوفر هذا التطبيع للعرب لم يوفر شيئا ولن يوفر شيئا للعرب فلا الحوثيين انضبطوا ولا الميليشيات انضبطت ولا توقف تدفق سيول المخدرات ولا توقفت تدخلات الملالي في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولا انضبط النظام السوري حليف الملالي، وعلى الرغم من حاجة كلا النظامين في طهران ودمشق إلى هذا الحوار إلا إنهما لم يلتزما بما تعهدا به ولن يلتزما ولن يبدر أي التزام عن هذين النظام لطالما تحكمهما عصابات المخدرات وتجار الدين والشعارات والميليشيات والمخادعين.
بعد توفير أسباب الخراب والدمار في فلسطين؛ فإن الاختبار الأكبر من محو غزة هو الاعتراف بالظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، والالتزام بحل عادل وشامل للصراع، ويعني الاعتراف بالظلم أن تتحمل سلطات الاحتلال المسؤولية عن الانتهاكات التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني صاحب الحق والأرض، وأن تتعهد بجبر الضرر، ويعني الحل العادل والشامل أن يشمل حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود عام 1967على حد قول الشرعية الدولية إن كانت هناك شرعية دولية، أما إذا فشلت سلطات الاحتلال في الاعتراف بالظلم والالتزام بحل عادل وشامل، فإن ذلك سيؤدي إلى استمرار الصراع، وإلى مزيد من الخراب والدمار.
ويرى البعض بأن محاولة فرض إسرائيل السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة سيؤدي إلى انتفاضة فلسطينية جديدة ستكون الأشد والأعنف بسبب تراكمات العنف والإرهاب الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وهنا علينا أن نُدرك أن محو غزة لن يحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والألم.
على صعيد آخر لن يؤدي التطبيع بين العرب والنظام الإيراني إلى حل الأزمة الإيرانية بل سيؤدي إلى تفاقمها، فالتطبيع هو عملية سياسية تؤدي إلى إقامة علاقات رسمية طبيعية بين دولتين أو أكثر بعد حالة من العداء أو النزاع، ويرى أصحاب هذا الرأي أن التطبيع لن يؤدي إلى تغيير سلوك النظام الإيراني بل سيمنحه الشرعية الدولية ويمنحه مزيدا من الموارد لتمويل مشاريعه التوسعية كذلك سيمنحه مزيدا من الوقت والفرص بما يخدم مخططاته، وقد يسعى نظام الملالي فوق هذا كله إلى فرض رؤيته الخاصة على دائرة التطبيع وهو ما سيعيدنا إلى المربع الأول متضررين خاسرين، ويشبه أصحاب هذا الرأي التطبيع بضماد قاصر ومسموم يُوضع على جرح ملوث وملتهب؛ فالضماد قد يساعد على وقف النزيف مؤقتًا، لكنه لا يعالج حالة العدوى والتسمم الذي تكون في الجرح والنجاة منه إما بالبتر أو الهلاك.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى مجموعة من الحجج منها:
- أن النظام الإيراني نظام استبدادي يمارس انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
- أن النظام الإيراني يدعم الإرهاب ويسعى إلى نشر نفوذه في المنطقة.
- أن التطبيع سيؤدي إلى تعزيز نفوذ النظام الإيراني في المنطقة.
- أن التطبيع سيؤدي إلى تقويض وإضعاف المواقف والمطالب العربية العادلة المتعلقة بالنظام الإيراني.
هذا فضلاً عن أن عملية التطبيع مع النظام الإيراني ذات مسار معقد وعقيم النتائج وفيما يلي بعض التوقعات في هذا المسار:
- لن يؤدي التطبيع بين العرب والنظام الإيراني إلى إنهاء برنامجه النووي، بل سيمنحه إيران مزيداً من الموارد لتمويل برنامجه النووي.
- لن يؤدي التطبيع بين العرب والنظام الإيراني إلى وقف دعمه للإرهاب، بل سيمنحه إيران مزيدا من النفوذ في المنطقة لدعم الإرهاب.
- لن يؤدي التطبيع بين العرب والنظام الإيراني إلى تعزيز حقوق الإنسان في إيران، بل سيمنح النظام الإيراني مزيدا من الشرعية لممارسة القمع ضد شعبه.
وبناءا على هذه الأمثلة يمكن القول إن التفاوض والتطبيع بين العرب والنظام الإيراني ليس إلا تضميد بضماد قاصر ومسموم لجرح ملوث وملتهب ونتيجته الانتقال من سوء الحال إلى ما هو أسوأ.
وخلاصة يمكن القول إن قرار التطبيع مع النظام الإيراني قرار في غير محله ويهدد مصالح وأوضاع ومستقبل الدول العربية ولن يلبي التطبيع سوى مصالح ومخططات النظام الإيراني.
ما زاد الطين بِلةً ليست أحداث فلسطين وأكثر منها مشروع محو غزة الذي لم يكن حسب اعتقادنا سوى مخطط لإعادة رسم الشرق الأوسط من جديد كما قالها نِتِن ياهو، وكما قالتها الإدارة الأمريكية؛ أنه تم استخدام حماس أداة لهذه الغاية، وبالطبع فإنه وفقاً لهذا المخطط لن تقوم سلطات الاحتلال الغاصب لأرض فلسطين ولا الأمريكان بإدانة الملالي على فعل متفقٌ عليه والضحية هي الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على المديين القريب والبعيد، ولا شك في أن يكون للملالي تضحيات ومكاسب ضمن هذا المخطط كما للطرفين الآخرين ونستدل على توافق الأطراف الثلاثة فيما يتعلق بهذا المخطط بالتصريحات الموحدة لهم إذ قال نظام الملالي ( إننا ندعم المقاومة لكننا نملي على الفصائل الفلسطينية ما تفعله - وقالت سيما شاين رئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب "إن ما يربط كل هذه الجماعات بإيران هو سياساتها المناهضة لإسرائيل" مشيرة إلى أنه رغم تمتع إيران بمستويات متفاوتة من التأثير على مجموعاتها فهي لا تملي عليها كل تصرفاتها – كما قالت الإدارة الأمريكية عدة مرات ولا زالت تقول أنه لا توجد دلائل على تورط إيران في هذه الأحداث)، كما نلاحظ أن نظام الملالي بدأ في إصلاح خطابه الدبلوماسي والسياسي بما يتماشى مع سياسة النأي بالنفس بعد سياسة التهديد والوعيد التي كانت لا تفارق الملالي، وبالنتيجة تم محو غزة وجر الأوروبيين والأمريكان بقدراتهم التسليحية والمالية نحو استعدادات لحرب عالمية ثالثة تكون فلسطين محورها وهو ما يمكن توقع تغيير الشرق الأوسط من خلالها.
كواليس ما وراء حركة حماس
تدعي حركة حماس أنها حركة مقاومة فلسطينية تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومع ذلك نجد أن أمريكا وسلطات الاحتلال في فلسطين والنظام الإيراني يستفيدون جميعاً من حركة حماس كأداة لتحقيق أهداف أوسع من بينها حسب قولهم إعادة رسم الشرق الأوسط من جديد، والشاهد على ذلك هو مجموعة من العوامل التي توفر الأسباب والذرائع التي يحتاجها الاحتلال والإدارة الأمريكية ومن بين هذه الأسباب والذرائع ما يلي:
- الخطاب السياسي لحركة حماس: تعلن حركة حماس باستمرار عن تطلعاتها لإقامة دولة إسلامية في الشرق الأوسط.
- العلاقات الدولية لحركة حماس: ترتبط حركة حماس بالعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة في جميع أنحاء العالم.
- العمليات العسكرية لحركة حماس: تخدم حركة حماس سلطات الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر بشقها للصف الفلسطيني بدعم من ملالي إيران، وقد أدي هذا الدور إلى بقاء حركة حماس وإيجاد صراع أوسع في المنطقة في غير صالح القضية الفلسطينية على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال، سيطرت حركة حماس في عام 2006 على قطاع غزة في عملية عسكرية غير متوقعة بل وغير مفهومة إذ آلت الأمور إلى فرض سيطرة الحركة منذ ذلك الحين على قطاع غزة كسلطة كاملة في القطاع على نحو يضرب بالشرعية الفلسطينية عرض الحائط أمام العالم ويعطل مسار السعي إلى بلوغ مرحلة قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويرى البعض أنه من الممكن أن الصراع المستمر بين سلطات الاحتلال وحماس أمرٌ متفق عليه استنادا لقراءة وتحليل النتائج القائمة على أرض الواقع.
بالإضافة إلى ذلك يوفر ارتباط حركة حماس بالعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن العديد من الأسباب والمبررات التي ستخدم في خدمة أية توجهات أمريكية وغربية في المنطقة، وستؤدي هذه المخاوف المُعلنة من أن حركة حماس قد تسعى إلى توسيع نطاق صراعها إلى دول أخرى في المنطقة وبحجة الحرص على أمن واستقرار المنطقة يتم محو غزة وجذب قوات تدميرية هائلة إلى المنطقة وإعادة رسمها وفقاً لهذه الذرائع.
والجدير بالذكر أن الخطاب السياسي والعلاقات الدولية والعمليات العسكرية لحركة حماس تشير إلى أن الحركة تؤدي دوراً أوسع من أن يوصف في إطار الصراع مع الاحتلال، وأوسع من أن يكون مجرد العمل على مخطط إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
هنا نعود لنقول لأنفسنا نحن العرب لا أحد معنيٌ بنا سوى أنفسنا؛ لا الملالي ولا الذين نعتبرهم أصدقاء وحلفاء صادقون معنا وعليه فإنهم غير معنيون بقضايانا، وقد أثبت اختبار دمار ومحو غزة ذلك؛ فهل هناك اختبارٌ أكبر من ذلك، وماذا ننتظر من حوارنا وتطبيعنا مع ملالي طهران؟ أليس الأجدر بنا أن نقف إلى جانب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لنتخلص من الملالي وشرورهم ومؤامراتهم ونعيد للمنطقة استقرارها، ونعيد القضية الفلسطينية لتسير على مسارها الصحيح.