د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

المحتلين في طهران وفلسطين وجهانِ لعملة واحدة

 لم تعان غزة إحدى جواهر فلسطين العربية الأبية منذ يومين أو شهر أو سنة بل منذ أكثر من مئة عام بعد وعد بلفور المشؤوم وحكومة اللصوص التي قبلت بجرمه عندما وهبوا دولة عربية كنعانية اسمها فلسطين...!!! فلسطين التي سرقوها ثم وهبوها.. وقد وهب الأمير ما لا يملك؛ سرقوها من أهلها ووهبوها لمجموعة برابرة ليسوا أهلا للإنسانية ولا لأي عقيدة ويتمسحون بإسرائيل وموسى عليهما السلام وهم منهم براء، وقد عاش أهل فلسطين الأصليين على تنوعهم الاجتماعي والفكري جنبا إلى جنب بسلام واستقرار حتى غزتها عصابات الصهاينة بتواطؤ خسيس من الاستعمار البريطاني كعادته بعد انكسار وزوال الدولة العثمانية، وامتدت محنة فلسطين إلى اليوم.. اليوم الذي يريدون فيه إغلاق ملف عودة اللاجئين الفلسطينيين للأبد وإقامة دولة فلسطينية شكلية محدودة في الضفة الغربية بدون قطاع غزة بعد العمل على توفير الأسباب التي تهيئ لهم وتبرر إبادة غزة الحرة من الوجود وفرض سكانها على الدول العربية، وفرض الفلسطينيين على الدول العربية أمر قديم يرفضه العرب منذ بداية النكبة واستسلام العرب للأمر الواقع، وقد أُعيد ملف فرض ملايين الفلسطينيين على الرئيس العراقي صدام حسين عندما كان العراق محاصراً ومقيدا سياسيا واقتصاديا قبل احتلاله واسقاط وحل دولته، وقد رفضه الرئيس العراقي على الرغم من المغريات الكبيرة في العرض والمكاسب السياسية والاقتصادية التي كانت ستعيد العراق ليس إلى سابق مجده بل إلى دولة لها دورها الأول إقليميا وعظيمة المكانة عالمياً، وبسبب رفض الرئيس العراقي تم تشديد الحصار على الشعب العراقي وتبنت أولبرايت سياسة ولغة عدوانية بربرية ضد العراق وشعبه حتى باتت بعض المنظمات تستبدل دماء العراقيين بالغذاء قبل التوقيع على مذكرة التفاهم مذكرة (النفط مقابل الغذاء) ليس من أجل الشعب العراقي وإنما لمآرب أخرى، ثم أكتشف الأمريكان اكتشافا حصرياً بهم بعد ذلك وهو وجود يأجوج ومأجوج في العراق وعليه أعدوا العدة لغزو العراق والقضاء على يأجوج ومأجوج ووافقهم البريطانيين على قتل يأجوج ومأجوج فهم مثقفون أيضاً مثل الأمريكان، وبصراحة كان معهم كل الحق في قتل يأجوج ومأجوج وقد قضوا عليهم جميعا الساعة الـ 25 والنصف الصبح مساءا الظهر، ولكي يبقى الأمر طي الكتمان لم يُعلن عن أن بعض العالم ذاهبٌ لمواجهة يأجوج ومأجوج وقد أُعلِن أن أمريكا تقود العالم للقضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق بعد أن أعلن الخبازين الدوليين عن وجود أسلحة دما شامل في العراق (مئات آلاف الأطنان من التمور والدبس والخل وكميات كبيرة جدا من الحنطة والباذنجان وبعض كميات المنظفات ومعطرات الجو) وخبز الخبازين الدوليين العراق، ولأن فرنسا خافت من قتال يأجوج ومأجوج لم تصب شيئا من غنائم الحرب، لكن ملالي طهران والبريطانيين أصابوا السهم الأكبر من الغنائم مقارنة بباقي المشاركين الشركاء الذين لم ينالوا سوى بعض عقود صغيرة أو بعض المنح والهدايا، وكانت أكثر الغنائم لملالي طهران وجنودهم، أما ما حدث مع يأجوج ومأجوج في العراق فالأمريكان الذين غزوا العراق تحت عنوان القضاء على يأجوج ومأجوج أعلم به، وفرنسا على علم بهذه القصة.. لكن المهم في الموضوع هو القضاء على يأجوج ومأجوج وتأديبهم حتى لا يتجرأوا على تهديد أحدٍ بعد ذلك.. مساكين هذه الشعوب الحرة تحكمها مجموعة من (...)؛ لم يوافق العراق على استقبال الفلسطينيين ودفع ثمن رفضه.. واليوم يُعاد ملف إعادة توطين الفلسطينيين خارج أرضهم مرة أخرى وبذريعة أقوى يتفق عليها الغرب مع الأمريكان حتى أن فرنسا التي رفضت قتال يأجوج ومأجوج موافقة على ذلك بعد الإستفادة من درس يأجوج ومأجوج عام 2003.

   شارك الملالي في غزو العراق ومقاتلة يأجوج ومأجوج إلى جانب القوات الغازية مقابل تنفيذ شرطين الأول نزع سلاح جيش التحرير الوطني الإيراني ونزع قدرات منظمة مجاهدي خلق وقد تم ذلك، والثاني هي حكم الملالي للعراق وغض البصر عن هيمنتهم في المنطقة وقد كان للملالي ذلك، وكما شارك ملالي إيران في غزو العراق وتمكين الأمريكان من المنطقة عملوا على توفير الأسباب لمحو غزة وإعادة تفعيل ملف إعادة توطين الفلسطينيين خارج أرضهم بعد تطبيق نتن ياهو لنبوءة اشعياء التي ستبدأ بغزة وتشمل غيرها ثم يتجه بعد ذلك هو أو من سيخلفه باتجاه بابل لتأديبها عما فعلته في السبي البابلي لتقوم بعدها الدولة التاريخية المرتقبة بحسب خيالهم التلمودي، خاصة وأن يأجوج ومأجوج قد تم القضاء عليهم في كوكب زحل، وأصبح دخول بابل آمناً الآن ولا مانع لدى جنود الولي الفقيه من ذلك بعد تصويرهم وهم يطلقون بعض العيارات النارية والصواريخ الأخوية ويلتقطون صورا تذكارية لأنفسهم كصور أبطال للدعاية والإعلام وليسطرهم التاريخ كنمو من ورق (الشيء لزوم الشيء) كما يقول البعض..، ومن الغم ما قتل أيها السادة، وأحياناً يكون الجهل ببعض الأمور رحمة للروح والعقل لكن لكلٍ منا قدره في هذه الدنيا. 

   المُحتل هو من حل بشكل غير شرعي وبالباطل في مكان لا حق له فيه، والمحتل الذي حل بفلسطين بالباطل بدعم بريطاني هو كيان غير شرعي ويبقى مُحتل ولن يستطيع أن يصبغ على نفسه غير صبغة، وتبقى الشرعية لأصحاب الأرض الحقيقيين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولهم الحق في استردادها مهما كلفهم ذلك.

المُحتل المتحكم في طهران حل بشكل غير شرعي وبالباطل أيضاً وبدعم غربي؛ عندما يقوم جميع أبناء إيران بكافة تياراتهم الفكرية والسياسية وكافة مكوناتهم الاجتماعية بالثورة الوطنية ضد دكتاتورية الشاه ويأتي طرفٌ آخر ليحل محلهم ويلغي وجودهم جميعاً بدعم غربي ليكمل ما أخفق الشاه في تحقيقه بمسيرته الطغيانية فذلك احتلالٌ أيضاً ويجب مقاومته..

  في قراءة معمقة متأنية في بروتوكولات بعض أبناء نوح ومقارنتها بسلوكية وممارسات ملالي طهران نجد أن كلاهما يستخدم نفس البروتوكولات وكلاهما مطابقاً للآخر تماماً وكأنهما شقي حبة أو وجهين لعملة واحدة، ومهما أظهرا من الاختلاف فإنهما شقي حبة، وأن كلاهما يدعي باسم الدين ويريد تطبيق الأساطير والرؤى الشخصية للدين مُصرين على أنه لا شرعية لأحد غيرهم، وكلاهما يسيران وفق منهج الغاية تبرر الوسيلة وحماية السلطة والوجود يتطلب القتل.. قتل النساء والأطفال والرجال وكل من يهدد الوجود، وهذا هو الحال القائم في إيران وفلسطين، وما يجري من محو وإبادة في غزة اليوم الملالي وأترابهم شركاء في صنعه والتمهيد له، وملالي طهران الذين صرعونا وملأوا الآفاق بالشعارات الكاذبة بشأن فلسطين والقدس لم يصدر عنهم سوى ضجيج شعارات إضافية منزوعة الصدق والحياء لا تنطلي على صبي جاهل.

وفي الوقت الذي يركز فيه العالم منذ شهر على قطاع غزة منشغلا بعيداً عن الملالي وبرنامجهم النووي والصاروخي وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان يتمادى نظام الملالي في خطاه التوسعية بالمنطقة وفي انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان ومن بينها القمع والقتل وعمليات القتل الحكومي تحت مسمى الإعدام، وقد تصاعد نهج النظام الإجرامي بحق الشعب الإيراني وكذلك صعد من دعمه للتيارات المتطرفة الموالية له بعد حزمة مليارات من الدولارات التي كانت قد أفرجت عنها الإدارة الأمريكية لصالح نظام الملالي، وبالتالي فإن الدعم المالي والسياسي الغربي لنظام الملالي لا زال قائما ليتمكن هذا النظام من البقاء وأداء المهام المناطة إليه في إيران والمنطقة ومنها ما يقوم به من دور سلبي بشأن القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته يقوم الغرب بدعم المحتل الصهيوني وتعزيز قدراته المالية والعسكرية حتى وإن طُلِب منه استخدام قنابل إبادية صغيرة فهو يؤيد الاستمرار في الحرب وبخسائر بشرية قليلة؛ ففي النهاية وإن طال الأمر سيؤدي استمرار حملات الموت والإبادة الجماعية إلى لا غزة ولا شعب ولا قضية فلسطينية، وفي أسوأ الأحوال وفق المخطط فرار الناس ليس إلى جنوب غزة فحسب بل إلى مصر أيضاً وهنا تبدأ سياسة الأمر الواقع المجانية مع العرب.

  يبدو أن العرب يعشقون الأزمات كوسائل يفرغون فيها طاقاتهم ويُشغِلون من خلالها فراغهم، وقد كان هناك حلا قديما بيد العرب متمثلا في دعم مشروع القضاء على نظام ولاية الفقيه في إيران وهو أسهل عليهم وأهون من كل تلك الكوارث تلو الكوارث.. لكنهم لم يقدموا عليه احتراماً للجوار على افتراض إن الملالي جارٌ مؤدب عاقل جدير بالاحترام..، وها هي القضية الفلسطينية تكاد تصل إلى نهاية مأساوية وتحمل العرب أعباء لم يكونوا يتوقعونها وكل ذلك بسبب إهمال ذاك الحل القديم، وقد يتفاجأ العرب غدا بهيمنةٍ كلية للملالي على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وإن ابتلع نظام الملالي الأردن استتب له الأمر وستكون له الجزيرة العربية كلها من بعد ذلك.، وهذا ليس محض وهم أو خيال وإنما هو حقيقة ونتاج لما يجري على الأرض ونحن في حالة ترقب وقلق لتبعاته الخطيرة في ظل ما لديه من عصابات مسلحة منتشرة بالمنطقة وقدرات تسليحية كبيرة، وقدرات مالية أكبر ساهمت المخدرات في تعزيزها.

كان علينا أن ندرك مبكرا أننا أمام احتلالين أحدهما يحتل دولةً وجزءا من دولة، والآخر يحتل باعترافه أربعة دول ويمضي نحو احتلال باقي الدول.

أفضل حلولنا تلك التي نصنعها بأيدينا.. لكني لا أعتقد أن بإمكان العرب الذين يخشون حتى نشر مقال قادرون على القيام بتعبئة سليمة لصناعة الحلول.

 كاتب عراقي