د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

العرب بين فكي كماشة رجس ضارية

عندما انظر إلى حال العرب والمسلمين وما اتوقعه لهم من مستقبل أرى غيمة سوداء وأفقاً عميقاً من الضباب المحمل بالطين؛ وأتساءل ماذا صنعوا بأنفسهم، وماذا هم صانعون لخلاصهم، ويحضرني قول الله عز وجل.. يا قوم أليس فيكم رجل رشيد.. كل تلك البينات والمقدرات وهذا حالكم.

لو نُزِعت إرادة أمة غيركم أيها العرب بعد الإسلام لما ألقيت عليها باللوم، أما أمة العرب فقد يكون استحقاقها أكثر من إلقاء اللوم عليها.

ماذا أكثر من أن يبيدكم الآخرين ويسحقونكم وترضخون لهم؛ ماذا أكثر من استخفاف ملالي إيران بكم وتنكيلهم بكم وأنتم خانعون، ماذا أكثر من إهانة الصهاينة لكم وقتلهم أطفالكم ونسائكم وتوعدهم إياكم بالقتل والفناء وأنتم مربكون، ماذا بعد قول كبار قادة الغرب لو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعناها ولا زلتم خاضعون.. ألم تقرأوا التاريخ وسيرة الأولين وسيرة من سبقكم وما عام ١٩٧٣ ببعيد..، وأما العزة والكرامة فمعجونة في البشر بالفطرة تكريما من الله ونحن مشوهون نرفض التكريم، ونقبل بأن تسوقنا وتُخضعنا قطعان البرابرة الهمج ذوي الثياب الأنيقة والنفس الحيوانية الوحشية الشريرة، وفي الوقت ذاته نعدِم شاعراً من بني جلدتنا على قصيدة نطق بها بدافع من صدق انتمائه ووجعه على أهله وحالهم.

العرب بين فكي كماشة ضارية كماشة الملالي والصهاينة.. وكلا الفكين كهنوتيين مختبأين وراء الدين ويدعون الإيمان بالله وأنهم خلفاء وتسمح لهما بروتوكولاتهما باتباع الرذيلة من أجل الفضيلة ولا أعلم أي فضيلة هذه التي تقوم على القبح والرذيلة.. والعيب ليس بهذين الفكين الدمويين العنصريين وإنما بمن يقبل بهما ويخضع ويسوق نفسه للموت والهوان بينهما.

من يريد السلام وعلاقات طبيعية مع جيرانه فليصبح جاراً مهذباً مؤدباً أولا ثم يطلب ذلك بشرعية وأدب وكلاهما لا شرعية لديه ولا يتحلى بأدب ولو كانت لديهما أدنى شرعية أو قيم ما طلبوا سلاما ولا تطبيعا، ومن هنا مع تطبعون يا عرب.. أتطبعون مع من لا يعترف بكم ولا يحترمكم؛ أتطبعون مع من يحتل أراضيكم وينال من عقيدتكم ويستبيح دمائكم، وفي الغد بعد التطبيع سيُنكِر عليكم وجودكم وشرعيتكم.

المُحتل الأول فتك بشعبه وأساء لجاره وقبل الجار إساءته ممتنا شاكراً قابلاً بمساعي ترويضه..، واليوم أربعة عواصم عربية محتلة من قبل الملالي المدعين بالإسلام وهل سيكتفي الملالي بذلك؟ لا لن يكتفوا ولن يتراجعو عما احتلوه، والأردن هو الخطوة التالية المستهدفة، ولولا القواعد الأمريكية في الخليج لكانت البحرين والأمارات والكويت وعُمان وقطر في عداد ذكريات من الماضي، وتُقدم السعودية كهدية على طبق من ذهب؛ فهكذا اعتاد الملالي استلام هداياهم دولاً بمن فيها بشعبها بإرادتها بتاريخها بمقدراتها على طبق من ذهب وباحترام جزاء خداماتهم للغرب.. وهكذا قدموا العراق للملالي وسيقدمون السعودية أيضاً عاجلاً أم آجلا لطالما للملالي وجود، ويحتل الصهاينة فلسطين ويبيدون غزة ليحولوها إلى ملعب كرة قدم على حد قولٍ غير مسؤول لمراهقة لديهم، وتستمر جرائم الصهاينة في سائر المناطق الفلسطينية لإرهاب أهلها وتشريدهم من جديد ليستولوا عليها، أما المراهق كبير الصهاينة فيريد تنفيذ نبوءة توراتية على حد قوله بأساليب حضارية كما يقول للغرب بأنه يمثل الجانب المتحضر من المنازلة وواضح جدا حجم حضارتهم.. ومن يريد أن يراها فليذهب إلى غزة ويراها أو يذهب إلى مستوطناتهم ويتحرى ليعلم كم قتل طيرانهم من مواطنيهم أثناء تدريب الطيارين وباعترافاتهم أنفسهم، وبخصوص تنفيذ النبوءة التوراتية لن يقتصر الأمر على غزة بل إنه يشمل مصر والأردن  أيضاً، وهل سيكتفي الصهاينة بذلك أم أنهم لا يزالون يريدون دولة من غرب نيل مصر إلى فرات العراق ولا نعلم يريدونها دولة بالمفهوم المطلق أم دولة بالولاء.. وسواء كانت دولتهم بهذا المفهوم أو ذاك فإن حُلمهم استعباد الآخرين كم يعلمون أبنائهم أن أبناء الشعوب الأخرى هم عبيد لهم، ونعلم علم اليقين بأنهم لا علاقة لهم لا بالتوراة ولا بسيدنا موسى عليه السلام ونحن أولى به منهم كما نحن أولى بسيدنا إبراهيم عليه السلام منهم، وشأنهم في ذلك شأن المحتل الأخر "ملالي طهران" لا علاقة لهم لا بالإسلام ولا بنبي الإسلام ولا بآل بيته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ ذلك لأن كلا المُحتلين المتغطرسين الملالي والصهاينة كيانين غير شرعيين قاما على الدم والغدر والخداع ووسيلتهما في الوجود هي قوة السلاح وسفك الدماء وظلم ونهب وتشريد العباد طينة واحدة ونهج واحد ومسار واحد وشركاء في مصيبة واحدة ولا عجب إن كانا ينسقان الخُطى فيما بينهما حول ابتلاع الشرق الأوسط.

مؤامرة ما قبل نكبة غزة  

 يبدو للعيان أن كلا الفكين الكهنوتيين المُطبقين على الشرق الأوسط كانا على تنسيق مسبق لما جرى في غزة بدليل استمرار ملالي طهران في شعاراتهم النارية التي فُضِحت على الملأ العام فيما بعد ودفاع الغرب المستميت عن الملالي مرارا وتكراراً حتى أن أحد المعاهد الأمنية والاستراتيجية في تل الربيع قامت بتبرأة الملالي أيضاً، واختبىء الملالي أيضاً وراء هذا الدفاع وقالوا هم وحزب الله لا شأن لنا بذلك وبما معناه أنها ليست معركتهم، ووفقاً لهذا التنسيق المسبق تم توفير أسباب إبادة غزة وصناعة نكبة مرعبة جديدة بحق الشعب الفلسطيني وها هم أهل غزة في العراء ينال منهم البرد والجوع والعطش والمرض حتى موتاهم لم يجدوا قبوراً تأويهم، وقد تفوق أعداد الشهداء ضعف ما هو معلن ولابد أن هناك المزيد منهم تحت الأنقاض والمزيد منهم لم يتم إحصائه إذ لا يمكن لأي جهاز إداري في العالم أن يعمل في ظل هذه الظروف بطاقة كاملة نظرا للمعوقات، وبالنهاية غزة منكوبة ويخرج نظام الملالي من جديد ليغطي سوءته بعد فضيحة غدره وخذلانه مع أهل غزة بعد أن دفع بهم إلى الجحيم وتبريره ذلك بقوله دفاعاً عن نفسه "إنهم يعرفون حجم الجحيم الذي ينتظرهم ومستعدون له وقد تعودوا على الموت والدمار" بمعنى لا بأس إن زدناهم دماراً وخراباً وبؤساً أكثر مما هم فيه؛ يخرج ويعترف متفاخراً وبسفاهة عالية بأنه كان وراء كل ما حدث في غزة ليتاجر أيضاً بصمودهم وكفاحهم، وقد كان كل ذلك من أجل الخروج من عنق الزجاجة والهرب من جحيم السقوط على يد المنتفضين في إيران ليعود ويناور من جديد ويستعرض كما استعراضه في قمة الرياض واستعراض عناصر النظام في اعترافاتهم حول بطولاتهم في غزة..........؟ ولن تتوقف سفاهاتهم وإعترافاتهم واستعراض بطولاتهم إلا بزوالهم.. وكل باطل زائل بإذن الله.

كانت مواقف الشعوب الحرة مواقف جميلة نقية تعبر عن طبيعة الإنسان الجميلة كما خلقها الله عز وجل طاهرة نقية ما لم يلوثها إعلام أو تلوثها سياسة.    

العبد عبد الطباع والسلوك فلا تشتروا العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاسٌ مناكيد، والتطبيع مع عبيد الطباع مُكلف ويستوجب أن تكون قادراً على جلد العبد قبل التطبيع معه إن كان لابد من التطبيع، وقد فضحت أحداث العدوان الإرهابي على غزة طبيعة التركيبة النفسية المريضة للمُحتلين لأرض فلسطين وكشفت المستور في فلسطين وأوروبا وأمريكا والعالم.. وهو ما يتطلب إعادة صياغة الرؤية وإعادة تنظيم المسارات. 

لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاسٌ مناكيد.

/ كاتب عراقي