وضاح الهنبلي يكتب لـ(اليوم الثامن):

سردية تأريخية.. اليمن والجنوب العربي.. النشأة والحروب وظهورهما السياسي الحديث

نيويورك

قبل 30 نوفمبر 1967 كان الجنوب العربي يتكون من إمارات وسلطنات ومشيخات جنوبية مستقلة بذاتها وحكمها، بدأت هذه الإمارات والسلطنات بالتشكل عند الدخول العثماني الأول للجغرافيا اليمنية من عدن في 1539 م، وإسقاط الدولة الطاهرية آخر الممالك الكبيرة في جنوب الجزيرة العربية، وعند وصول العثمانيين إلى صنعاء انشغلت الحملة بالحروب مع الإمام المنصور بن القاسم والقبائل الزيدية الموالية له، مما أدى لاستقلال الجنوب بإمارات وسلطنات ومشيخات مستقلة مع الاعتراف الإسمي للخلافة العثمانية في منابر المساجد، وبعد خمسة وتسعين عاما من دخول العثمانيين الأول لليمن خرجوا منها في 1634 م، لتقوم الدولة القاسمية الزيدية باليمن بقيادة الأمام المؤيد بن محمد القاسم، وكان من أولى مهام هذه الدولة الزيدية هو التوسع وغزو سلطنات وإمارات الجنوب
أستطاع الأمام الثاني للدولة القاسمية المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم وقائد جيشه الصفي أحمد ابن الحسن الذي كان لاجىء في الجنوب عند الأمير حسين بن عبدالقادر اليافعي حاكم عدن وأبين ولحج، من هزيمة الأمير حسين بعد مقاومة عظيمة، وأحتل عدن ولحج وابين في 1645 م.
بعد ذلك حدث خلاف على الحكم في السلطنة الكثيرية بحضرموت بين السلطان بدر بن عمر وأبن أخوه بدر بن عبدالله، ليستعين بدر بن عمر بالإمام الزيدي المتوكل على الله، فأرسل الإمام قائد جيشه الصفي أحمد لنصرة السلطان بدر بن عمر في حضرموت، وكان على الصفي أحمد تجاوز سلطنات ومشيخات الجنوب للوصول إلى لحضرموت، والذين رفضوا عبوره لأنهم كانوا يدركون أطماع الإمام ببلادهم...

قسّم الأمام جيشه إلى فرقتين الأولى بقيادة أبن أخيه الصفي أحمد والتي أرسلها إلى بلاد الرصاص وحلفائه من السلاطين الجنوبيين ، والثانية تمركزت في قعطبة بقيادة يحى بن محمد بن الحسن مع مشائخ وأعيان إب وتعز ومنهم الشيخ محمد بن ناصر المحبشي و القاضي صالح بن محمد بن ابي الرجال والشيخ أحمد بن عامر الجماعي والشيخ داوود بن شمسان ومشائخ بني الحيقي ، فتجمع نحو ألفي مقاتل مهمتهم صد أي هجوم قد يقوم به الأمير ابن شعفل أمير خرفة في حالمين ، والذي كان رافض ومقاوم تمدد الدولة الزيدية في الجنوب ، وبعد إخضاع بلاد الشعيب لحكم الأمام .
دارت المواجهة الكبرى في 1655 م بذي كرش بعد أن تقدم إليها السلطان حسين الرصاص وباقي السلاطين الذين قدموا لمناصرته ، فانتصر الصفي أحمد وقُتل السلطان حسين الرصاص وخضعت سلطنة الرصاص لحكم الأمام ، وطلب السلطان منصر بن صالح العولقي الأمان وتبعه السلطان الفضلي ثم تبعتهم باقي السلطنات الجنوبية الأخرى ، أما قبائل يافع فقد تحصّنت بجبالها الحصينة ، ودارت بين الطرفين عدة معارك أنتصرت فيها قوات الأمام حتى سلمّت .
لم يقبل شعب وحكاّم السلطنات والإمارات الجنوبية بحكم الدولة الزيدية إطلاقاً ، وقاموا بتشكيل تحالفات لقيادة معارك ضد الدولة القاسمية الزيدية ، وأنطلقت المقاومة في 1665 م حتى آخر معركة في 1704 هزم تحالف السلطنات والإمارات والمشيخات الجنوبية الامام المؤيد بالله أحمد بن إسماعيل بن القاسم " صاحب المواهب " في معركة حالمين الشهيرة وتم مطاردة فلول الزيود حتى مناطق العود وإب في اليمن .


منذ ذلك التاريخ 1704 م كان حكم الجنوب سلطنات وأمارات ومشيخات جنوبية مستقلة ، وحكمت اليمن الدولة القاسمية الزيدية حتى أسقطها الدخول العثماني الثاني لليمن في 1847 م ، واستمر الحكم العثماني الثاني على اليمن فقط دون الجنوب حتى هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى في 1918 م ، وتسليمهم اليمن للأمام الزيدي يحى حميد الدين ليُنشأ المملكة المتوكلية اليمنية في 1918 م ، ليكون أول حاكم في تاريخ الجغرافيا اليمنية يضيف مسمى اليمن لاسم الدولة السياسي ، ثم انضمت المملكة المتوكلية للأمم المتحدة في 21 / 8 / 1947 م بناء على قرار مجلس الأمن رقم 29 وفي 26 سبتمبر 1962 م ، قامت ثورة ضد الإمام البدر قاد انقلابها السلال والبيضاني وعبدالمغني وحسن العمري ، وبدعم كامل من جمال عبدالناصر ، ليسقط النظام الملكي الإمامي ويعلنوا النظام الجمهوري ، ليتم تغيير اسم الدولة لتصبح الجمهورية العربية اليمنية ، بعد حرب دامت لثمان سنوات عُرفت باسم الحرب الملكية الجمهورية راح ضحيتها ما يقارب نصف مليون شخص .

 

أما في الجنوب فمنذ المعركة الأخيرة مع الإمامة الزيدية في 1704 م تعاظمت مكانة الإمارات والسلطنات والمشيخات الجنوبية وثبتّت أركان دعائم حكمها ، وفي 19 يناير 1839 أستطاع الكابتن هنز قائد الحملة البريطانية أحتلال مدينة عدن الأستراتيجية بعد حرب كبيرة مع تحالف السلطنات والإمارات والمشيخات الجنوبية تصدرها السلطان محسن العبدلي سلطان لحج وعدن وابنه حامد والسلطان الفضلي ، وفي 1872 م بدأ العثمانيون بشن هجمات وأحتلال مناطق حدودية من السلطنات والإمارات الجنوبية في إمارة الضالع والعوذلي والعبدلي ، مما دفعها في 1880 م إلى عقد أتفاقيات حماية مع الإنجليز في عدن ، وسُميت حينها معاهدات النواحي التسع وهي السلطانات والإمارات التي كانت تحيط بعدن " الأميري الضالع، العقربي، اليافعي، العلوي، الحوشبي، الصبيحي، الفضلي، العوذلي، العولقي " .


وفي 1902 شُكلت لجنة عدن بقيادة العقيد حيدرة من الجانب البريطاني والعقيد رمزي من الجانب العثماني، وذلك لترسيم الحدود بين اليمن الخاضع للحكم العثماني والجنوب الواقع تحت الأنتداب البريطاني ، وتم الأنتهاء من الترسيم في ابريل 1904 م حيث انطلق الخط الحدودي من الضالع حتى الصحراء بالربع الخالي شرقاً ومن الضالع حتى جبل الشيخ سعيد في باب المندب غرباً ، ليصبح ذلك الخط والذي سُمي بالخط البنفسجي خطاً دولياً أمتد بعد ذلك ليرسّم الحدود مع كل دول الجزيرة العربية ، وفي 1915 وقع الإنجليز والعثمانيين اتفاقية الإنجوعثمانية تأكيداً على الحدود الدولية المرسمّة .

 

عند إعلان الأمام يحى حميد الدين مملكته المتوكلية في 1918 م بعد خروج العثمانيين أضاف مُسمى اليمن لمملكته التي كانت تسمى المملكة المتوكلية ، لأهداف توسعية شمالاً بأتجاه السعودية وجنوباً بأتجاه سلطنات وإمارات الجنوب .
بدأ الإمام في 1920 م بالهجوم على إمارة الضالع وسلطنة العبدلي وسلطنة العوذلي وسلطنة العولقي وإمارة بيحان ، وبعد حرب طويلة خرجت آخر قوة للأمام من شمال الضالع وبعض قرى سلطنة العوذلي بمكيراس ، وفي 11 فبراير 1934 م وقعت بريطانيا والمملكة المتوكلية معاهدة صداقة وتعاون ، أعترفت فيها بريطانيا بحكم الأمام يحى حميد الدين ملكاً لليمن ، وأقر الإمام بالخط البنفسجي للحدود مع عدن ومحمياتها الشرقية والغربية والأتفاقية الإنجوعثمانية .

 

في بداية القرن الماضي بدأت هجرات يمنية لمدينة عدن وخاصةً من الحجرية بتعز والبيضاء وإب وكان يطلق عليهم مُسمى " الجبالية " ، وتزايدت هجرات الجبالية في الاربعينات بعد أن خرجت عدن من شركة الهند الشرقية في 1939 م لتُصبح تابعة للتاج الملكي البريطاني رأساً ، لتقوم فيها نهضة وتطوير واستثمار ونظام حكم سياسي وتشريعي مستقل ، أضافةً إلى ذلك أزدهر ميناء عدن ليصبح من أهم موانئ العالم ساهم كل ذلك في تزايد عدد الجبالية المهاجرين لعدن ، ثم تلتها هجرات سياسية كبيرة بعد استقلال الجنوب في 1967 ، حيث أستطاعت تكوين نخب بعد أن أندمجت وعاشت ودرست وتطورت في عدن وشكلّت النقابات العمالية والصحف السياسية والحراك الفكري الديني واليساري ، حتى تمكنت من بلورة فكرة اليمن الجغرافي والقومي الموحد والوحدة اليمنية كأساس للوحدة العربية ، وقادت هذا الفكر القومي مجلة فتاة الجزيرة والتي تأسست في 1940 م بعدن كأول مجلة بجزيرة العرب لمحمد علي لقمان ، حتى أشبعت الناس فكراً ايدلوجياً بالقومية اليمنية من بوابة العروبة والوحدة العربية ، حتى أتت حركة الضباط الأحرار في مصر بقيادة عبدالناصر في 1952 م ومع وجود الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والشرقي والتي نتجت عُقب الحرب العالمية الثانية ، تحولت ايدلوجية القومية العربية من اليمين العروبي إلى اليسار القومي الأشتراكي ليتبنى القوميين العرب الفكر الأشتراكي من خلال التوجه والدعم السوفيتي ، وهنا دعت القوى اليمنية إلى مؤتمر القوى الوطنية اليمنية بصنعاء في فبراير 1963 تمهيداً لولادة جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل ، للتحول في 19 غسطس 1963 إلى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ، ليتضمن ميثاقها القومي التأكيد على قضية الوحدة اليمينة والعربية والعدالة الاجتماعية ، ولتأصيل الأيديولوجيا اليمنية كانت راية العدالة الاجتماعية والاشتراكية طاغية وغالبة في صيغة وروحية الخطاب التحرري القومي والعالمي ، لتغذي بها الجنوب فكرياً من خلال منظريها من أبناء تعز مثل عبدالفتاح إسماعيل و القادمان من الجامعة الأمريكية في بيروت سلطان احمد عمر وعبدالله الأشطل .


في 21 نوفمبر 1967 م سافر وفد الجبهة القومية بقيادة قحطان الشعبي وعبدالفتاح إسماعيل إلى جنيف ، للتفاوض على أستقلال الجنوب والذي تم الاتفاق على ان يكون في 30 نوفمبر 1967 ، وصدر بعدها قرار مجلس الأمن 243 بتاريخ 12 ديسمبر 1967 الذي منح الجنوب مقعده كدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة .
أستطاع عبدالفتاح إسماعيل فرض أسم " جمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية " على الخيارين الآخرين " جمهورية حضرموت وجمهورية الجنوب العربي " رغم أستغراب البريطانيين ومعارضتهم لذلك الأسم كما ظهر في محاضر جلسة مفاوضات جنيف ، وحاولوا أقنع وفد الجنوب العربي للمحافظة على هويتهم الجيوسياسية ، وبعد الاجتماع الرابع للجبهة القومية أوكل لفتاح تحديد الخط التدريجي للثورة ، وفي أول حكومة جنوبية بعد الاستقلال أبتكر فتاح لنفسه وزارة الثقافة والوحدة اليمنية ليكون وزيرها .
انطلق صراع فتاح وسلطان والأشطل ضد الرئيس قحطان الشعبي بسبب قانون الجنسية حيث أصر الرئيس قحطان على أن الجنسية تمنح لسكان جمهورية اليمن الجنوبية فقط وأصدر بذلك قانون رقم 4 في 1968 م ، ومع رفض وتحريض فتاح وسلطان والأشطل للقوى الشبابية الجنوبية الأخرى ، قام الرئيس قحطان بنفي وأبعاد الثلاثي التعزي فتاح وسلطان والأشطل خارج البلاد وأعتبارهم أجانب مخربين قدموا لتمزيق الجبهة القومية وضم الجنوب لليمن ، في 1968 ومن المنفى صاغ فتاح مسودة برنامج جبهة التحرير القومية البيان اليساري القوى ، مما أدى إلى شق الجبهة القومية وتشكيل يسار متطرف وبقيادات جنوبية أبرزهم سالم ربيّع " سالمين " وعلي ناصر محمد وعلي عنتر ، ليطلقوا على الرئيس قحطان وحكومته إلى مسمى اليسار اليميني الرجعي ، ودفع فتاح سالمين وعلي ناصر في 22 يونيو 1969 م للقيام بانقلاب على الرئيس قحطان وهو ما عُرف بالخطوة التصحيحية .
ماذا حدث بعد ما سُمي بالخطوة التصحيحية التي خطط لها عبدالفتاح إسماعيل وسلطان أحمد عمر وعبدالله الأشطل ونفذها قيادات جنوبية شابة ؟
الانقلاب على الرئيس قحطان الشعبي و إقصاء كثير من قيادات الدولة والنخب الجنوبية الأكاديمية المتعلمة وهروبها خارج البلاد .
قفز عبدالفتاح الى مرتبة الرجل الاول في التنظيم والدولة كأمين عام للتنظيم السياسي بالجبهة القومية .
عاد الأشطل وسلطان احمد عمر وتم توزيع أدوار لكل منهما ، فذهب سلطان لحضرموت والأشطل في عدن .
إسقاط القانون رقم 4 لعام 1968 والذي حصر الجنسية الجنوبية بأبناء الجنوب فقط كباقي دول العالم ، ويستبدل بقانون رقم 10 لعام 1970 م ، والذي نص على (( اليمن الطبيعية )) للحصول على الجنسية الجنوبية وعرفّها : هي جميع الاراضي التي تتكون منها الجمهورية العربية اليمنية و جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية .
أصدار قانون رقم 37 في 30 يونيو 1969 م والذي أُممت بموجبه جميع الشركات التجارية والنفطية وشركات التأمين والبنوك والمصارف ، ودفع التجار ورؤوس الأموال الأجنبية والمحلية إلى مغادرة البلاد ، وبذلك وجه ضربه قوية لاقتصاد الجنوب .
في ديسمبر 1970 تم تغيير اسم الدولة من جمهورية اليمن الجنوبية إلى الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية ، وذلك لطمس الهوية الجنوبية .
إلغاء اسماء المحافظات والمديريات والمراكز وتحويلها إلى ارقام فقط ، فأصبحت عدن المحافظة الاولى ولحج الثانية وحضرموت الخامسة وهكذا ، والمديريات إلى اتجاهات والمراكز أرقام ، كذلك تم منع استخدام اسماء القبائل ومحاسبة من يضع اسم قبيلته بالهوية او الوظيفة ، ولذلك ليسهل انخراط اليمنيون بالجنوب والمجتمع الجنوبي .
تولية أبناء المحافظات اليمنية مناصب كبيرة وحساسة بالدولة ، وجلب الالاف منهم للجنوب .
تأسيس جهاز أمن الدولة سيئ السمعة تابعاً للأمين العام عبدالفتاح مباشرةً بعد أن كان دائرة تابعة لوزارة الداخلية ، وتنصيب ابن تعز الآخر محسن الشرجبي رئيساً للجهاز ، ليبدأ مسلسل " زيارات آخر الليل " للمعارضين واعتقالهم وإخفاءهم للأبد ، ومن أشهر جرائم الجهاز لا للحصر حادثة طائرة الدبلوماسيين المدبرة ، والتي راح ضحيتها ابرز قيادات الجنوب من بينهم وزير الخارجية محمد صالح عولقي ومندوب الجنوب بالأمم المتحدة سيف أحمد الضالع .
تطبيق تجربة " لاَفْرِينْتِيْ بَافْلُوفِيتْشْ بِيرِيَا " رئيس وسفاح الأمن السوفيتي وجهاز الشرطة السرية في عهد ستالين الذي قاد مذابح التطهير الكبرى في الحملة التي نظمها ستالين لتطهير الحزب الشيوعي والمؤسسات الحكومية 1937- 1938م وراح ضحيتها ملايين الروس ، حيث مارس محسن الشرجبي والقيادات الجنوبية الشابة التي أطرها فتاح بالأيدولوجية الاشتراكية المتطرفة والقومية اليمنية العابرة بث الرعب والخوف في صفوف المواطنين من خلال قتل المعارضين السياسيين أو المشكوك فيهم . وطرد الساكنين من منازلهم بالإحتيال ، والسماح لهم بالسفر خارج الجنوب مقابل التنازل عن منازلهم وأثاثهم وأموالهم طوال فترة السبعينيات وما تلاها .
تعديل قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره الرئيس قحطان في 25 مارس 1968 وإستبداله بقانون رقم 27 لعام 1970 والذي نتج عنه ما سُمي رسمياً الأيام السبعة المجيدة وشعبياً بالأيام السبعة السوداء ، والتي صادرت من خلالها الأراضي الزراعية في الريف وتم تأميم المنازل والعقارات في المدنية ، والتي شكلت ضربة قاتلة أخرى لاقتصاد الجنوب .
فرض ايدلوجية الوحدة اليمنية على الشعب من خلال التعليم والأعلام الموجه وسياسيات الدولة المتبعة وقوانينها المقرة .
الكاتب اللبناني الشيوعي فواز الطرابلسي صديق عبدالفتاح إسماعيل والذي سعى كثيراً للتوسط لدى الرئيس قحطان الشعبي لأعادة زميلاه بالجامعة الاميركية ببيروت سلطان والأشطل من المنفى ، يقول الطرابلسي أن عبدالفتاح ركز في مسيرته على هدفين أساسيين الأول تأسيس الحزب الأشتراكي اليمني يجمع كل اليسار الاشتراكي الجنوبي واليمني ، والثاني تحقيق وحدة يمنية أندماجية .
وهذا فعلاً ما فعله فتاح وتمكن من تنفيذه ، فبعد الإطاحة بالرئيس سالمين وإعدامه في 1978 وتولي عبدالفتاح الحكم أسس مباشرةً الحزب الأشتراكي اليمني وضمّ مكتبه السياسي ولجنته المركزية أعضاء من اليمن الشمالي ومشاركين بسلطات صنعاء الحاكمة ، رغم أنهما دولتان مستقلتان بالكامل وكل منهما ذات سيادة ونظام سياسي مختلف تماماً ، وفي مارس 1979 بالكويت أوقف الحرب بين الجنوب واليمن الشمال والتي اندلعت بنفس الشهر ، ووقع في الكويت مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على اتفاقية وحدة يمنية اندماجية ، وشكلا لجان لصياغة الدستور ، ومن المفارقات الكارثية تكليف عبدالفتاح لأثنين من اليمن الشمالي ممثلين للجنوب في لجنة صياغة دستور الوحدة منهم راشد محمد ثابت إلى جانب أثنين يمنيين شماليين كلفهم الرئيس علي عبدالله صالح .
أدركت حينها القيادات الجنوبية الخطر الذي أوقعهم به عبدالفتاح ومحسن الشرجبي فتم أبعاد عبدالفتاح لموسكو والشرجبي لأثيوبيا في 1980 م ، ولكن بسبب الايدلوجية والفكر اليساري المتطرف لم تتمكن القيادة من التراجع للخلف ، ففي 1982 أنتهت اللجان من صياغة الدستور وسُلم للرئيس علي ناصر الذي تولى الحكم بعد أبعاد فتاح ، ذكر لي أحد مرافقي الرئيس علي ناصر أن الرئيس وضع هذا الدستور في الخزانة وقال " هذا نضحك فيه على المساكين " ، فعلاً فقد كان النظامان في البلدين متفقان أنهما لا يمكن ان تكون وحدة بين نظام اشتراكي وآخر رأسمالي إلا لو قضى واحد منهما على الآخر .


توالت الأحداث وأستطاعت القوى اليمنية من شق الجبهة الداخلية للجنوب حتى وصلت لأحداث 13 يناير 1986 الدامية والتي قُتل نصف وهرب لليمن النصف الآخر من قيادات الجنوب السياسية والعسكرية من الصف الأول والثاني بل حتى الثالث ، وهنا سمحت ظروف الجنوب الممزقة بعد أحداث 86 وسقوط الأتحاد السوفييتي للقوى اليمنية بالجنوب بالدفع نحو الوحدة ، حيث تحوّل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية اليمنيون الشماليون إلى مخبرين للرئيس اليمني علي عبدالله صالح ونظام صنعاء ، وكان أبرزهم محسن الشرجبي العائد لعدن قبل أحداث 86 بثوب وزير الأسكان ، ووزير الثقافة والوحدة اليمنية ومن صاغ دستور الوحدة عن الجنوب راشد محمد ثابت ، وأستطاع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عند زيارة الجنوب للمشاركة في أحتفال الاستقلال 30 نوفمبر 1989 من أقناع الرئيس علي سالم البيض التوقيع على دستور الوحدة الذي كان حبيس الأدراج منذ 1982 ، ومن ثم تم إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 ، ففي غفلة من التاريخ وبعد حروب ومعارك وصراعات تاريخية بين الجنوب واليمن لأكثر من ست مئة عام ، قامت قيادات الحزب الأشتراكي بتسليم الجنوب طوعاً لليمن بدون أي مقابل أو أستفتاء شعبي ، فقد تنازل عن الدولة والنظام والشعب والأرض والعاصمة والعملة والرئاسة والعلم والحكم لصنعاء مقابل 19% فقط للجنوب بالكامل من أعضاء مجلس نواب الدولة الموحدة في 56 دائرة انتخابية ، يقول المناضل اليمني السبتمبري الفسيل " لقد دخل الجنوبيون الوحدة بنية وطنية صادقة بينما دخل علي عبدالله صالح بنية الاستيلاء على بلادهم " .

ورغم كل ذلك لم يقنع حكاّم صنعاء ، فخلال أول ثلاث سنوات للوحدة قامت صنعاء بأغتيال وتصفية أكثر من 130 قيادي جنوبي داخل صنعاء ، حتى تأزم الوضع بعد الأنتخابات البرلمانية 1993 حيث فاز الحزب الأشتراكي الممثل للجنوب بكل دوائر الجنوب الـ 56 دائرة باستثناء دائرتين تنازل عنها مجاملةً لشخصيات جنوبية لم يتوقع خيانتها للجنوب ، وفاز الأشتراكي بدلاً عنها بدائرتين بالشمال ، وبعد الأنتخابات بدأت أحزب صنعاء بتعديل القوانين ودستور الوحدة بحكم الأغلبية بعد تحالف المؤتمر والأصلاح ، حتى أصدروا قانون ينص أن الرئيس هو من يُعين نائبه على خلاف شراكة الوحدة بين دولتين ، فذهب الطرفان بوساطة عربية إلى الأردن لتوقيع وثيقة العهد والأتفاق لحلحلة الأزمة السياسية حتى لا ينفجر الوضع ، وما ان انتهى التوقيع حتى أشعلت صنعاء الحرب ضد الجنوب وبدأ الأجتياح في 27 ابريل 1994 ، ورغم قرار مجلس التعاون الخليجي بأجتماع أبها في يونيو 1994 الذي دعت فيه صنعاء لوقف الحرب وبأن الوحدة لا تفرض بالقوة ، وقرارات مجلس الأمن 924 و 931 الداعية لوقف الحرب ، إلا أن قوى صنعاء السياسية والعسكرية والقبلية والدينية ومشاركة الأفغان العرب ، وفتاوي التكفير " فتوى التترس " لشعب الجنوب التي أصدرها وزير الأوقاف اليمني عبدالوهاب الديلمي ، أجتاحت كل تلك القوى والتحالفات الجنوب في 7 يوليو 1994 ، وتم نهب عدن وكل محافظات الجنوب ، وخرجت كل القيادات الجنوبية للخارج بين الإمارات والسعودية وعمان ومصر وأوربا ، وتم تسريح الجيش الجنوب بالكامل وطرد أغلب موظفي الدولة المدنيين ونهب أملاك وأراضي الدولة وتقاسم كل مافي الجنوب بين القوى اليمنية كغنائم حرب والتعامل مع شعب الجنوب كموطنين من الدرجة الرابعة .