ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):

ماذا يعني انضمام ترامب الى تيك توك بعد ان حذر منه؟

شكلت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة منصات تفاعلية مؤثرة في كافة مجالات الحياة، حتى اصبح العالم امام موجة من المؤثرين من خلال تلك المنصات والتطبيقات، ومع بروز تطبيق تيك توك ذو المنشأ الصيني على المشهد نجح في حجز مكانة متقدمة إن لم نقل انه تصدر التطبيقات المماثلة، ما جعله محط انظار العالم وطالت التطبيق الكثير من الانتقادات الى حد اعتبرته بعض الدول انه يهدد امنها القومي، لجهة الخصوصية وأمن معلومات المستخدمين، وفي هذا السياق بذل الرئيس السابق دونالد ترامب جهوداً من أجل حظر ذاك التطبيق كونه يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي، حتى أنه أصدر أمراً تنفيذياً في عام 2020 طالب فيه الشركة المالكة لتطبيق تيك توك ببيع أصولها في الولايات المتحدة الأميركية وذلك على خلفية مخاوف من أن الحكومة الصينية قد تصل إلى بيانات المستخدمين الأميركيين، ولأنه شخصية دينامكية ومواكبة للتطور أعلن في آذار (مارس) 2024 أنه يعارض حظر التطبيق،وأشار ان قراره هذا نابع من رغبته في عدم تنفير الشباب، كما انه لا يريد تعزيز قوة شركة ميتا، التي تملك تطبيقات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، والتي هي محل انتقاد شديد من قبله.

ولأن الرئيس ترامب يدرك مدى تأثير تطبيقات التواصل ومنها تطبيق تيك توك كونه يحاكي عقول الشباب في الولايات المتحدة والعالم أعلن ترامب انضمامه إلى التطبيق، وكونه شخصية ذات تأثير فقد جذب حسابه وفور الاعلان عنه 3 ملايين متابع في الثاني من حزيران (يونيو) الماضي، إلا ذلك الاعلان أثار الكثير من الساؤلات حول الدوافع الحقيقية التي تقف خلف تلك الخطوة التي رأى فيها العديد من المراقبين انها خطوة استراتيجية، وتكشف مدى امتلاك الرئيس ترامب لرؤية استشرافية ولمعرفة دقيقة في كيفية التواصل مع الجمهور، فإنضمام ترامب يهدف منه الوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور لاسيما فئة الشباب وصغار السن، خصوصاً وأن تطبيق تيك توك يعتبر واحداً من أكثر المنصات شعبية بين الشباب، كونه يتميز  بفيديوهات قصيرة وسريعة الانتشار، وفي هذا لإطار كشفت العديد من استطلاعات الرأي أن غالبية الناخبين الأميركيين يحصلون على الأخبار والمعلومات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، فقد كشفت نتائج استطلاع لمركز بيو للأبحاث صدرت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أن ما يقرب من ثلث الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً يحصلون على أخبارهم من تطبيق تيك توك، وانضمام الرئيس ترامب الى تيك توك سيسهل له الوصول إلى الناخبين الأميركيين الشباب والذين يمكن أن يكون لهم تأثير كبير في نتائج السباق الرئاسي الأميركي، لاسيما وان غالبية الشباب هم الأكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة والتكنولوجيا، وانضمام الرئيس ترامب إلى تيك توك  سيعزز من شعبيته بين الشباب، ويقدمه بصورة عصرية ومتفاعلة مع التوجهات الحديثة. كما ان انضمامه سيزيد منسوب التفاعل والمشاركة بينه وبين الشباب كون تطبيق التيك توك يمتاز بالتفاعل والمشاركة السريعة وعلى المحتوى الجذا والذي يثير الاهتمام كونه قصير وموجه بشكل مباشر وتفاعلي حيث يخلق حوارات ونقاشات واسعة، وانضمام ترامب إليه  سيكون وسيلة لتعزيز تواصله مع جمهوره اضافة الى توسيع قاعدة متابعيه من خلال محتوى مثير للجدل والنقاش أو يحمل رسائل سياسية قوية، كما ان الانضمام سيوفر للرئيس ترامب منصة جديدة لمواجهة منافسيه وبطريقة مبتكرة وفعالة، وانضمام ترامب إلى تيك توك يمكن أن يكون استجابة لوجود منافسين أقوياء على هذه المنصة، مما يتطلب منه التواجد الفعال لمواجهة أي تحديات أو هجمات سياسية من قبل منافسيه.

كما ان إنضمام الرئيس ترامب الى تيك توك سيتيح له توجيه إطلاق رسائل قصيرة وقوية عبر فيديوهات قصيرة وتحاكي عقول الشباب خصوصاً وأنه معروف بأسلوبه المباشر والصريح، وانضمامه إلى تيك توك سيعزز من قدرته على إيصال رسائله السياسية بفاعلية أكبر لتصل الى اوسع شريحة من الجمهور.

ويرى مراقبون ان الساسة في العالم يسعون دائماً لتجديد صورتهم في عيون الجمهور وساسة الولايات المتحدة ليسوا استثناء عن ذلك السعي، والرئيس ترامب المعروف بقربه من الجمهور اراد ترسيخ حضوره وانضمامه  إلى تيك توك قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لتحديث صورته والتواصل مع الجمهور بطرق مبتكرة، وهذا ما سيعزز مكانته أكثر بين الناخبين.

هذا ويقول خبراء في وسائل التواصل الاجتماعي ان تلك الوسائل تعتبر وسيلة مهمة لجمع التبرعات للحملات الانتخابية، ومنصة التيك توك ستكون منصة فعالة لجمع التبرعات، كما أنها ستعزز وجود الرئيس ترامب الرقمي، خصوصاً وأننا في العصر الرقمي حيث الوجود القوي على شبكة الإنترنت يمكن أن يكون له تأثير كبير على الحملات الانتخابية، وهذا ما يجعل الرئيس ترامب الأكثر تأثيراً في الساحة السياسية، إضافة الى التفاعل مع التوجهات الحديثة التي يعكسها الجيل الشاب خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، في ظل انضمام السياسيين إلى منصات التواصل الجديدة وهو ما يعكس قدرته على التكيف مع التغيرات الحديثة، كما سيسمح انضمام ترامب الى تيك توكالوصول إلى المؤثرين خصوصا وان تيك توك يتميز بوجود عدد كبير من المؤثرين الذين يمتلكون ملايين المتابعين، كما سيسمح انضمام ترامب لمنصة تيك توك ان يستخدم التحليلات والبيانات التي يقدمها التطبيق كونها تتضمن أدوات تحليلية متقدمة يمكن استخدامها لفهم تفاعل الجمهور مع المحتوى وتحليل البيانات الديموغرافية للمتابعين، وبالتالي يتيح له استخدام هذه الأدوات لتحسين استراتيجياته الانتخابية.

وعليه نخلص الى القول إن انضمام الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تطبيق تيك توك يمثل خطوة استراتيجية وقدرة على التكيف مع التطور التكنولوجي، وبمكنه بذلك تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف الانتخابية، كما يعكس تغييراً في استراتيجية ترامب الرقمية، وضربة معلم كما يقال.