هيثم الزبيدي يكتب:
يشهد شاهد من أهلنا
تلقف صديقي مقالة الكاتب الإسرائيلي آلون بن مئير التي يوجه فيها نقدا شديدا لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقام بتوزيعها على نطاق واسع بين معارفه. مقالات بن مئير تلقى اهتماما واسعا في عدة منابر ولغات. فهذا اليهودي العراقي الأصل كان ولا يزال من دعاة فكرة السلام والتعايش بين الإسرائيليين والعرب عموما والفلسطينيين منهم على وجه الخصوص. وعلى الرغم من إحباطات متابعيه من انعدام آفاق السلام في الشرق الأوسط لاعتبارات عدة، إلا أن بن مئير لا يزال مواظبا على تحليل ما يحدث في المنطقة في محاولة مستمرة للعثور على حلول. لم يوفر هذا الأستاذ الجامعي جهدا في الكتابة والبحث واستضافة الندوات والحوارات لتشخيص أوجه الخلل في عملية السلام وكيفية تلافيها. وبحكم أنه إسرائيلي ويمثل شريحة واسعة من دعاة السلام في إسرائيل، فإنه يعمل بشكل منهجي ومنذ سنوات على تفكيك أفكار اليمين الإسرائيلي محذرا بشكل مبكر مما صار واقعا الآن، أي سيطرة اليمين المتطرف على البلاد تحت قيادة شخصية نتنياهو الانتهازية.
لا أقرأ العبرية، ولهذا يصبح من الصعب عليّ أن أعرف طبيعة ردود الفعل على مقالات بن مائير داخل إسرائيل. لكنه يواصل طريقه منذ أكثر من ربع قرن، ويكتب بما لا يوحي بأنه من المغضوب عليهم شعبيا أو رسميا. ما يقوم به بن مئير مهم جدا، ليس لأنه داعية سلام، بل لأنه يقدم للإسرائيليين رأيا قد يتقاطع مع آراء كثير منهم، خصوصا وأن الحرب دائرة. الموضوع لا يتعلق بحرية الرأي في إسرائيل، بل بأن هناك من ينصت لأصوات لا تتفق مع آرائه من دون أن يعمل على تخوينها.
على الضفة الأخرى، يجد الكثير من الكتاب والمحللين العرب صعوبة في أن يوجهوا انتقادات لمواقف أفراد وأحزاب، وبالخصوص الإسلاميين وحركات الإسلام السياسي، من دون أن يتهموا مرة بالتطبيع ومرات بالخيانة. انتقاد حماس وأين أخذت معها الفلسطينيين بغزة في مغامرتها العسكرية، يعد من المحرمات. القول إن حزب الله اختطف لبنان لصالح إيران بحجة مواجهة “العدو الصهيوني” هو دعوة للاستهداف من اليسار واليمين. لا يزال الكثير من الكتاب العرب، وعدد لا بأس به من الفلسطينيين، يكتبون وينتقدون حماس وحزب الله وإيران والسلطة الفلسطينية وإسرائيل ونتنياهو، ولكن على حساب تلقيهم سيولا من الشتائم والانتقادات والتجريح.
تكمن المفارقة في أن حسابات إكس وفيسبوك التي تواصل مهاجمة كل منتقد من طرفنا، هي بالعموم من تعيد نشر وتوزيع مقالات من مثل تلك التي يكتبها بن مئير أو تحليلات موضوعية لكتاب إسرائيليين منشورة على صفحات أهم الصحف الإسرائيلية. جمهور التخوين والشتم يقول “وشهد شاهد من أهلها”. ما المشكلة في أن “يشهد شاهد من أهلنا”؟