د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
أضغاث أحلام ابن الشاهنشاهية.. محاولات فاشلة لإحياء الماضي
لم يعاني الشعب الإيراني وحده من حقبة الشاهنشاهية البغيضة فقد عانت دول وشعوب المنطقة أيضاً منها عندما جعل الغرب من شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي شرطياً مستفزاً ومتعالياً على المنطقة محتمياً بالغرب، وعلى الرغم مما كان عليه الشاه من دكتاتورية وطغيان واستبداد لم يكن مستعداً لتقديم أدنى التضحيات على المستوى الشخصي أو العائلي من أجل إيران ولم يُدرك قيمة العرش الذي أجلسوه عليه بعدما خُلِع ونُفِيَ أباه خارج إيران، ولما قامت الثورة الوطنية الإيرانية حمل ما أمكنه حمله من النِعمِ من المال لتغطية نفقات حياة البذخ التي اعتادوا عليها، ومع حِمل المال حِملاً من البشر التي تعنيه وترك إيران هارباً غير عابئاً بما قد يحدث للبلاد، وهذا أكبر دليل على عدم شرعية حكمه ولم تكن تلك حالة هروبه الأولى من إيران وقت الأزمات، أما من كانوا يحمونه بالأمس فقد كسروا قلمه سقط هو ونظامه قبل سقوط عرشه، ورفضوا إيوائه، وكما فرق بين الأب والأم وأبنائهم وقت طغيانه فُرِقَ بين أبيه وبينه وهو حي، وفُرِقَ بينه وبين أبنائه أيضاً وهو حي.. لم يُدرك ببصيرته الميتة أن الدنيا ديانة وأن الإنسان يحمل أوزاره حياً وميتاً وغاب عنه أن العدل أساس المُلك فلم يعدل ولم يبقى سلطانه، وعلى كل مديون أن يسدد ما عليه من دين، وبهذا الصدد يقول ابن سيرين ما معناه: انتظرت عقوبة ربي أربعون عاماً على قولي متعجلاً "يا فقير" انتقاصاً من شأن أحد الفقراء ولما شاء الله وجاء الأجل ونزل أمر الله كان أحد الفقراء.
أن تكون مواطناً صالحاً ووطنياً يريد تغيير النظام الدكتاتوري الحاكم في إيران فإن هذا أمراً طبيعياً ومشروعاً، وتكون تضحياتك من أجل ذلك في مكانها الصحيح، وأما أن تأتي مطالبا بحقك في عرش أو سلطان لا شرعية ولا وجود له اليوم وأنت شخصياً ابن الشاه صاحب تلك الحقبة الدموية السوداء، وأنت وعائلتك مُدانين بجرائم بحق أبرياء سجنهم وتعذيبهم على آرائهم وآخرين تم إعدامهم بنفس التهمة، وغيرهم تم قتلهم بدم بارد في الشوارع والميادين بثورة شباط فبراير الوطنية عام 1979 التي خلت الشاه وأسقطت نظامه، وهذا ما فعله الشاه ونظامه بالشعب الإيراني في فترة حكمه حيث لم ينجو وطنياً إيرانياً من نظامه الدكتاتوري، وبالتالي كيف لابن الشاه هنا أن يطالب من حين لآخر بعرش أبيه العرش الذي لم يكن شرعياً، ولم يصدر عن ابن الشاه في منفاه الماجن بمليارات أبناء الشعب الإيراني.. لم يصدر عنه اعتذاراً لـ الشعب الإيراني وضحايا حكم أبيه، ولم يعترف بثورة شباط فبراير 1979، واليوم يريد الجلوس على عرش إيران لتستمر مسيرة سيناريو الاستبداد من منتج لآخر.. من جده لأبيه ومن أبيه للملالي ومن الملالي إليه وكأن هذا الشعب وما يملك مُلكاً لهم يحق لهم التصرف به كيف يشاؤون.
هل يسعى أولئك الذين يعبثون بعقل ابن الشاه المخلوع لإعادة كابوس الشاهنشاهية أم لـ تثبيتٌ لحكم الملالي؟
شخصياً لا أعتقد على الإطلاق أن ابن شاه إيران المخلوع يريد عرش أبيه إلا في الأحلام التي تراوده بينه وبين نفسه ويُدرك أنها مجرد أضغاث أحلام؛ لكن هناك فئة المتسلقة الطفيلية المنتفعة من الإيرانيين وغير الإيرانيين التي تطمح في عودته على عرش الشاهنشاهية في إيران، ولا يرى هو شخصياً في لحظات الرشد بموضوع العودة إلى حكم إيران سوى أنه عودة إلى المجهول.
إن حقيقة ما يقوم به ابن الشاه من تحركات سياسية مفروضة عليه ليست سوى مساعٍ لتثبيت حكم نظام الولي الفقيه ليس إلا، وهي تحركات ليست بالجديدة وإنما اعتدنا عليها كلما اختنق الولي الفقيه ونظامه خاصة مع وجود صلات وصل وثيقة بين ابن الشاه وبين نظام الملالي، وهي ليست صلات وصل بين ابن الشاه والملالي فحسب بل عاطفة قائمة بين الملالي والشاهنشاهية، وفي بعض الأحداث عندما يحمى الوطيس بين الملالي والشعب الإيراني المنتفض عليهم نرى الملالي يستعدون رضا شاه من قبره لنصرته ويُخرجون جماعة من مرتزقتهم يهتفون بشعار" رضا شاه طابت روحك"، وفي هذا الاستدعاء أيضا مبرراً آخر وهو إظهار شرعية حكمهم وتثبيتاً له، والطعن في ثورة المنتفضين ضدهم على أنهم دعاة لعودة الشاهنشاهية وتبريراً لقمعهم، وهنا لا تعدو تحركات ابن الشاه عن كونها وسيلة لإنقاذ الملالي وتثبيت حكمهم، وفي نفس الوقت مناورة من الغرب لمحاولة إعادة الملالي إلى سربهم الداجن بعد تعاظم قدرات الملالي التسليحية وقدرتهم على العربدة إقليميا في إطار النص وخارج إطاره.
الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم هي أن الشعب الإيراني يرفض كلا النظامين الدكتاتوريين نظام الشاهنشاهية المخلوع وخليفته نظام الملالي القائم، وقد قالها الشعب الإيراني في شعارات انتفاضاته" لا للشاه ولا للشيخ" و " لا للدكتاتور سواء كان الشاه أو الشيخ"، بالإضافة إلى ذلك فإن عملية التعبئة الفكرية والثقافية التي قامت بها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية والقوى الوطنية الإيرانية على مدار أربعة عقودٍ ونصف كان لها الأثر الكبير في تغيير نمطية فكر الشعب الإيراني الذ بات يبحث عن تحقيق مبدأ التعايش السلمي الطبيعي بين كافة مكوناته، وإن أفضل البرامج التي تضمن حقوق جميع مكونات الشعب الإيراني وحقوق الإنسان هو برنامج المواد العشر الذي تبنته وطرحته السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية متضمنا قيام جمهورية ديمقراطية غير نووية تؤمن بحقوق الأقليات ومبادئ المساواة وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي وحسن الجوار.
انهيار وسقوط وتلاشي نظام الملالي مسألة وقت، ولن يعود ابن الشاه امبراطورا وريثا كما يوهمه البعض، وإن أراد أن يعود بعد سقوط الملالي وزوال وجودهم خاصة وأنه لم يعتذر عن جرائم أبيه ولم يعترف بالثورة ليبرأ نفسه من حقبة أبيه وما جرى فيها فإنه قد يعود في حالتين الأولى كمواطن عادي، والثانية للمثول أمام محاكمة عادلة شأنه شأن الملالي، وفي كلا الحالتين سيخضع للمحاكمة ما دام هناك مُدعين بالحق الشخصي مطالبين بدماء ذويهم.
من يريد إسقاط الملالي واحترام مطالب الشعب الإيراني فليقف إلى جانب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية داعما لبرنامج المواد العشر والكف عن محاربة المقاومة الإيرانية استرضاءً لنظام الملالي.. أما أبناء المنطقة وخاصة جوار إيران فلا يوجد فيهم من يقبل ببقاء الملالي أو يرحب بعودة الشاهنشاهية.. وتبقى تحركات ابن ومن معه ووراءه أضغاث أحلام وشرٌ هزيلٌ دُبِر بالليل وستمحوه ضياء النهار.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي