د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
النظام الإيراني بين العزلة الدولية.. والرفض الشعبي والأزمات داخلية
بعد حملات الإعدامات التعسفية التي قام بها نظام الملالي الحاكم في إيران يتضح للعالم جليا أن هذا النظام يلهو بالعقل الجمعي العالمي مستخفا بكل القيم والأعراف؛ كذلك يتأكد للجميع حالة الرفض الشعبي العام كلياً لنظام ولاية الفقيه الأمر الذي يواجهه النظام بأحكام القتل الحكومي تحت مسمى الإعدام، وبالتأكيد فإن هذا التصعيد سيواجه بتصعيد الرفض الشعبي، وقد تنتقل المواجهة إلى مرحلة المواجهة المسلحة في ظل سياسة سفك الدماء التي يتبعها الملالي ويتغاضى عنها الغرب.
تُظهر النشرة اليومية للسياسة الخارجية الصادرة عن المقاومة الإيرانية في 26 نوفمبر 2024 أن النظام الإيراني يقف على حافة أزمة وجودية تُهدد بقاءه واستقراره، فتخبطه السياسي والنزاعات الإقليمية المتشابكة، وتوجهاته التوسعية فضلًا عن الإشكاليات السياسية المحيطة به عالميا، كلها عوامل تؤكد عزلته المتزايدة على الساحة الدولية في ظل افتقاده لاستراتيجية فعّالة تُواكب هذه التحديات، وهنا يبدو النظام الإيراني في موقف هش تُثقل كاهله أعباء داخلية وخارجية تجعل من فقدانه للوجود داخلياً ولنفوذه الإقليمي ورفضه دولياً مسألة وقت لا أكثر.
رغم محاولاته المستميتة للتظاهر بالقوة والثبات إلا أن الشروخ العميقة داخل النظام والتي يُقر بها الإعلام الرسمي تعكس واقعًا مريرًا من الضعف والتآكل الداخلي؛ إذ يعاني نظام الملالي من أزمات اقتصادية طاحنة، وقضايا اجتماعية متفاقمة، وصراعات سياسية لا تنفك تنكشف يومًا بعد يوم، وتُظهر مدى القلق الذي يسيطر على دوائر السلطة من مستقبل يبدو أكثر غموضًا وإرباكًا مع تصاعد المعارضة الشعبية والدولية. ومع استمرار هذه الضغوط يُدرك النظام أن الخيارات المتاحة أمامه باتت محدودة، ما قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات مصيرية تُفضي إلى تحولات جذرية في سياسته الخارجية.
غضب شعبي يكسر حاجز الصمت
ليس بخافٍ أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تُثقل كاهل الشعب الإيراني لم تعد مجرد مؤشرات لتدهور الأوضاع المعيشية فحسب بل باتت وقودًا لغضب شعبي مكتوم، وإن الشعور المتزايد بالظلم بين مختلف شرائح المجتمع بدءاً من العمال المثقلين بالديون إلى النساء المضطهدات وصولًا إلى الشباب المحروم حتى من الأمل لأمرٌ يُنذر بانفجار قريب قد يُعصف بآخر معاقل استقرار هذا النظام الفاشي، وفي ظل غياب أي بوادر لإصلاحات جذرية يبدو أن حكومة طهران تسير على درب محفوف بالمخاطر حيث يتحول الغضب الشعبي تدريجيًا إلى موجات احتجاج عارمة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.
الملف النووي: مأزق الخيارات المحفوفة بالمخاطر
أما الملف النووي فقد بلغ نقطة اللاعودة إذ يواجه النظام خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار في تخصيب اليورانيوم وما يترتب عليه من عقوبات أشد وعزلة دولية أكثر قسوة، أو الرضوخ لشروط المفاوضات، وهو ما قد يُفسر داخليًا كعلامة ضعف تُلهب الشارع الإيراني وتُعمق السخط الشعبي. وكلا الخيارين يحملان في طياتهما تهديدًا لاستقرار النظام داخليًا وخارجيًا، ويتزامن هذا المأزق مع انقسام داخلي متزايد وضغوط خارجية مكثفة الأمر الذي يجعل النظام أمام تحدٍ تاريخي قد لا يُحدد مستقبله السياسي فحسب بل يطوي صفحة وجوده بأكمله.
صراع القوى: أزمات داخلية تُعمّق الجراح
يعاني النظام الإيراني إضافة إلى الأزمات الخارجية من انقسامات داخلية عميقة تُهدد تماسك بنيته. فالصراعات بين أركانه المختلفة، والتي تغلب عليها المصالح الذاتية والسعي وراء النفوذ والثروات، تكشف جميعها عن غياب الانسجام بين أجنحة النظام وتُعطّل أي قدرة حقيقية على مواجهة التحديات. هذه الانقسامات المتفاقمة تجعل من خطر التفكك الداخلي تهديدًا قائمًا يُضعف قدرة النظام على التصدي للأزمات المتصاعدة، ويزيد من احتمالية انهياره تحت وطأة الضغوط المتعددة وحدة الرفض الشعبي واتساع رقعة مواجهة النظام التي تقودها وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق التي تكسر بفعالياتها النوعية المتنوعة حواجز الخوف لدى الشعب، وتقود الحراك الشعبي الرافض للنظام نحو إسقاط وإزالة النظام.
النظام يترنح على حافة الهاوية
في ضوء ما ورد بالنشرات اليومية حول أوضاع نظام الملالي تتضح صورة قاتمة لنظام مُثقل بالأزمات الخارجية والداخلية، تتآكله صراعاته الداخلية وتُحاصره ضغوط دولية خانقة؛ فالنظام الذي كان يتباهى يومًا بنفوذه الإقليمي وثقله الدولي يبدو اليوم أقرب إلى كيان هش يواجه خطر الزوال، وإن استمراره في تجاهل المطالب الشعبية وتفاقم أزماته يجعل من تحول المشهد السياسي والاجتماعي في إيران مسألة وقت إذ لا مفر من أن يكتب الغضب الشعبي وصمود المقاومة الإيرانية في الداخل والخارج نهاية هذا النظام في القريب العاجل.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي