د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
قراءة في المشهد السياسي العالمي والإقليمي بعد سقوط بشار الأسد
يمثل سقوط نظام بشار الأسد نقطة تحول كبيرة في المشهد السياسي العالمي والإقليمي، نظرًا لتشابك الأدوار والمصالح في سوريا، التي ظلت ساحة لصراع النفوذ بين قوى كبرى وإقليمية في عالم السياسة الدولية حيث تحكم المصالح المتشابكة والأولويات المتغيرة التحركات الاستراتيجية للدول، وفي هذا السياق يبرز مشهد معقد يجمع إيران، إسرائيل، روسيا وأمريكا حيث تتداخل المصالح الوطنية والإقليمية مع التوترات الدولية.
المشهد الإقليمي بعد سقوط الأسد
إيران وفقدان أهم حلفائها: مَثل سقوط الأسد ضربة قوية لملالي إيران إذ كانت سوريا جسرًا استراتيجيًا يربطها بحزب الله في لبنان، ومن المتوقع أن تسعى طهران لإيجاد بدائل لتعويض خسارتها في سوريا سواء عبر تعميق نفوذها في العراق أو تعزيز علاقاتها مع حلفاء آخرين، من المؤكد أن سقوط بشار الأسد أدى إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة ما يفتح الباب أمام تحالفات عربية أكثر قوة لمواجهة طموحات ملالي طهران.
تركيا وتعاظم دورها الإقليمي
قد تسعى تركيا التي لطالما كانت معارضة لنظام الأسد إلى لعب دور ريادي في إعادة بناء سوريا سياسيًا واقتصاديًا مستغلة موقعها الجغرافي وقوتها الناعمة، ويمكن أن تعزز أنقرة نفوذها في شمال سوريا مما يثير مخاوف الأكراد، وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين، وربما يوفر سقوط الأسد فرصة للدول العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية كدولة مستقلة غير خاضعة لنفوذ قوى إقليمية أو دولية ويمكن للدول الخليجية وخاصة السعودية والإمارات أن تلعب دورًا رئيسيًا في إعادة الإعمار وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي.
المشهد الدولي وسوريا ما بعد الأسد
يشكل سقوط النظام السوري ضربة كبيرة لموسكو التي ستسعى للحفاظ على مصالحها العسكرية خاصة قاعدتيها في طرطوس وحميميم، وقد تسعى روسيا لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة عبر التفاهم مع القوى الإقليمية الجديدة أو التوجه نحو ملفات دولية أخرى، وقد يعتبر سقوط الأسد انتصارًا رمزيًا للغرب، لكنه يضع مسؤولية كبيرة على الولايات المتحدة وحلفائها لضمان استقرار سوريا ومنع انهيارها، ويمكن أن يتيح هذا التطور فرصة للولايات المتحدة لتعزيز موقفها في الشرق الأوسط خاصة إذا استطاعت منع تحول سوريا إلى ساحة نفوذ إيراني أو روسي.
إيران وإسرائيل: توازن الردع وتجنب الصدام المباشر
لطالما كان نظام الملالي في إيران في صراع استعراضي مفتوح مع إسرائيل على مستويات عديدة عبر الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية وحزب الله في لبنان إلى البرنامج النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا، ولكن التحركات الأخيرة تشير إلى توجه ملالي إيران نحو تجنب التصعيد المباشر مع إسرائيل، ومن المتوقع أن يكون هذا التحول جزءًا من استراتيجية أوسع، وقد يسعى نظام ولاية الفقيه في إيران إلى إعادة تقييم تدخلاته الإقليمية للتركيز على القضايا الداخلية والملفات ذات الأولوية العليا، مثل استمرارية النظام والمناورة دوليا بالقيام ببعض الإجراءات السياسية داخل الحرس والقيادة لتغيير جلد النظام وضمان بقائه بالتوافق مع قوى المهادنة والاسترضاء في الغرب.
روسيا وأمريكا: صفقة سرية توازن القوى العالمية
قد يكون هنام صفقة سرية بين روسيا وأمريكا تقضي بتخلي الأولى عن سوريا وإفساح المجال لأمريكا في الشرق الأوسط مقابل تخلي الأخيرة عن أوكرانيا تجنباً لانهيار الاقصاد الأمريكي، والتفرغ لمواجة الصين للدفاع عن تايوان، ومساعدة إسرائيل في التوسع لتحقيق حلم إسرائيل الكبري بعد ما توفر لها من فرص من لدن نظام ولاية الفقيه الذي ما أسماه بالمقاومة في غزة ولبنان وسوريا ما عجل بتسارع تنفيذ المخططات وتهاوي نظام الأسد وتقطيع سوريا ونزع قدرات الدولة من محتواها ليتكرر سيناريو العراق من جديد، وتستغل إسرائيل في ذلك غفوة الأنظمة العربية؛ مع ملاحظة أن روسيا التي تخلت عن سوريا اليوم سوف تتخلى غداً عن ملالي إيران، فكلٌ يغني على ليلاه، وتبقى المصالح وتحولات القوى الفاعلة محكومة بمتغيرات ديناميكية، ولِما لا والتاريخ يثبت أن الصفقات والتفاهمات السرية قد تكون المحرك الأساسي لتحولات كبرى تغير مسار السياسة الدولية.
وها قد الشرق الأوسط مرحلة أقرب إلى وصف الاحتضار بفضل سياسة نظام الملالي عندما قام جواسيسه بإدارة ملف أربع دول عربية وملف فلسطين، وكانت الفضائح على رؤوس الأشهاد، وستتكشف فضائح أخرى بعد هزيمة الملالي في سوريا ولبنان وغزة وانكسارهم الداخلي.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي