خير الله خير الله يكتب:

خاسران في سوريا.. لكن لا تعويض لإيران

أبرز الخاسرين في سوريا إيران وروسيا. من الواضح أنّ “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها أحمد الشرع ترفض أي وجود إيراني في سوريا، لا مباشر ولا غير مباشر، عبر ميليشيات مذهبيّة من نوع “حزب الله” اللبناني أو مجموعات أخرى عراقية أو أفغانيّة. تبدو “الجمهوريّة الإسلاميّة” الخاسر الأكبر في ضوء التغيير السوري الذي يمكن اعتباره حدثا تاريخيا نظرا إلى أن سوريا عادت إلى أهل السنة بعد 54 عاما من الحكم العلوي ذي الطابع العائلي للأسد الأب والأسد الابن.

الخاسر الآخر في سوريا هو روسيا والرئيس فلاديمير بوتين الذي سيترتب عليه إعادة النظر في حساباته بعدما اعتبر أن النظام السوري السابق كان ضمانة له. كان النظام السوري العلوي ضمانة على صعيد بقاء ميناء طرطوس على المتوسط في تصرف البحرية الروسية ومطار حميميم قرب اللاذقيّة في تصرّف سلاح الجوّ الروسي.

على هامش الحدث السوري الذي سيغيّر حتما التوازنات الإقليميّة تماما كما غيّرها تسليم أميركا العراق على صحن من فضة إلى إيران قبل 21 عاما، ترفض  “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران الاعتراف بحجم هزيمتها السورية الناتجة أصلا عن جهل بسوريا وشعبها. في المقابل، يحاول الرئيس فلاديمير بوتين تجميل الهزيمة الروسيّة في سوريا والتظاهر بأن روسيا لم تتأثر بالحدث. يحاول بوتين ذلك عن طريق تأكيد أن بلده “حقق أهدافه” من خلال الدخول طرفا في الحرب التي شنها النظام، الذي كان على رأسه بشّار الأسد، على شعبه منذ العام 2011.

يؤكّد رفض إيران الاعتراف بهزيمتها قول “المرشد الأعلى” علي خامنئي أخيرا “أنتم أيها الصهاينة لستم منتصرين، بل هُزمتم في سوريا حيث لم يكن جندي واحد يواجهكم بالبندقيّة. تمكنتم من التقدّم بضعة كيلومترات. هذا ليس نصرا. بالطبع إن الشباب السوريين الغيورين والشجعان سيطردونكم من هناك من دون شكّ.” يتجاهل خامنئي السيطرة شبه الكاملة على سوريا، بما في ذلك المدن الكبرى، لـ”هيئة تحرير الشام” ويعتبر ذلك بمثابة “تقدّم لبضعة كيلومترات.” من الواضح، أن إيران غير مستعدة، إلى إشعار آخر، للتعاطي مع الواقع. يبدو ذلك طبيعيا بعدما راهنت منذ العام 1979، تاريخ قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة”، على أنّ آل الأسد باقون إلى الأبد.

خامنئي يرفض الاعتراف بهزيمة إيران في سوريا، كذلك الأمر بالنسبة إلى بوتين. الفارق الوحيد أنّ الرئيس الروسي يمكن أن يجد تعويضاً تقدمه له إدارة ترامب. أما “المرشد” الإيراني، فسيكون عليه البحث عمّا ينسيه فقدان سوريا

يعطي الكلام الصادر عن المرجعيّة العليا في إيران فكرة عن الأزمة العميقة التي تمرّ بها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في ضوء سقوط النظام العلوي في سوريا. إنّه نظام لم تتردّد طهران يوما، منذ قيام النظام الحالي، في الرهان عليه من أجل اختراق المنطقة العربيّة والوصول إلى البحر المتوسط وجنوب لبنان. ليس سرّا أن الدفعة الأولى من رجال “الحرس الثوري” الإيراني عبرت إلى لبنان من سوريا بتسهيلات قدّمها حافظ الأسد. كان ذلك صيف العام 1982 بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. دخلت، وقتذاك، عناصر من “الحرس الثوري” الأراضي اللبنانيّة من سوريا وتمركزت، أول ما تمركزت، في ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني في بعلبك.

تمرّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في أزمة عميقة تجعل خامنئي يرفض التساؤل ما الذي حلّ بالاستثمار الإيراني في سوريا والمليارات من الدولارات التي صرفت. صرفت المليارات، التي ذهبت من درب الشعب الإيراني، من أجل بقاء بشّار في دمشق. كذلك، كي تبقى الأراضي السوريّة جسرا لتمرير الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان وتهريب أسلحة إلى الأردن ومخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج العربي.

حصدت إيران ما زرعته. يمكن فهم استثمارها السوري من زاوية وحيدة. تتمثل هذه الزاوية في المشروع التوسعي الإيراني الذي يعني، أول ما يعني، تصدير مشاكل إيران إلى خارج حدودها دفاعا عن النظام القائم تحت شعار “تصدير الثورة”.

لدى “الجمهوريّة الإسلامية” تفسير كامل متكامل لسياستها السوريّة ولرفضها أن تكون سوريا تحت حكم الأكثريّة السنّية. ما ليس مفهوما بالكامل الانحياز الروسي الكامل للنظام السوري في حربه على شعبه. مثل هذا الانحياز ظهر بوضوح عندما تدخل سلاح الجو الروسي، ابتداء من نهاية أيلول – سبتمبر 2015 للحؤول دون سقوط النظام السوري. حصل ذلك بناء على طلب إيراني نقله إلى موسكو الراحل قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” وقتذاك. كانت المعارضة السورية في طريقها إلى السيطرة على الساحل السوري، لكنّ سلاح الجو السوري الذي تمركز في قاعدة حميميم حال دون ذلك.

كتبت روسيا حياة جديدة للنظام السوري. أرادت أساسا المحافظة على قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجويّة ومنع إقامة خط أنابيب الغاز القطري عبر الأراضي السورية وصولا إلى الساحل التركي. أرادت عمليا تكريس حلم قديم منذ أيّام القياصرة هو حلم الوجود الروسي في المياه الدافئة. تبدو روسيا اليوم في حاجة إلى وجودها في سوريا أكثر من أي وقت. يعود ذلك إلى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا مهمّ جدا للمحافظة على نفوذ موسكو في المنطقة ولتوقف طائرات الشحن التي تنقل ذخائر ومعدات وعناصر بشريّة إلى القواعد الروسية في أفريقيا.

يرفض خامنئي الاعتراف بهزيمة إيران في سوريا، كذلك الأمر بالنسبة إلى بوتين. الفارق الوحيد أنّ الرئيس الروسي يمكن أن يجد تعويضاً ما في حاجة ماسة إليه تقدمه له إدارة دونالد ترامب في أوكرانيا. أما “المرشد” الإيراني، فسيكون عليه البحث عمّا ينسيه فقدان سوريا التي كانت “ساحة”، على غرار ما كان عليه لبنان في أيام سيطرة “حزب الله” عليه. من يعوّض إيران عن فقدانها سوريا؟ من الواضح أنّ أميركا ودونالد ترامب يريدان تعويض روسيا بشبه انتصار في أوكرانيا. لكن ليس هناك من يريد تقديم أيّ تعويض أو جائزة ترضية إلى إيران التي يبدو عليها قريبا دفع كامل الفاتورة عن مغامرتها السوريّة التي سمحت بانتصار تركي تتحدد معالمه أكثر يوما بعد يوم.