د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأفق المتوقع للسياسة الخارجية لملالي إيران – الأزمات الإقليمية والدولية
يتأثر الأفق المتوقع للسياسة الخارجية للنظام الإيراني بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية، بما في ذلك الأزمات الإقليمية والدولية، والتغيرات السياسية في الداخل الإيراني، والعلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، ومن بينها التوترات في الخليج العربي.
على الرغم من التقارب الأخير بين إيران والسعودية (بوساطة الصين)، لا تزال الخلافات قائمة بشأن ملفات رئيسية مثل اليمن، النفوذ الإقليمي، والتحالفات مع القوى الكبرى. وقد يستمر النظام الإيراني في استخدام مضيق هرمز كوسيلة ضغط سياسي واقتصادي في مواجهة العقوبات الدولية، وتستمر في تقديم الدعم للحوثيين لتعزيز نفوذها في اليمن، لكن هذا الملف قد يكون وسيلة للتفاوض مع السعودية والغرب. وقد يؤدي استمرار الصراع إلى مواجهات مباشرة بين إيران والتحالف العربي. وتدعم إيران الميليشيات الشيعية في العراق لضمان استمرار نفوذها السياسي والعسكري، وتسعى للحفاظ على موطئ قدم في سوريا كجزء مما أسمته بـ محور المقاومة الذي تسببت في انهياره وخسران نظام الأسد وموطئ القدم في آن واحد.
الجدير بالذكر أن استمرار الجمود في المفاوضات النووية سيزيد من عزلة نظام الملالي عالمياً، خاصة مع استمرار العقوبات الأمريكية. لذا سيكون هناك تصعيد نووي، إذ قد يزيد النظام الإيراني من تخصيب اليورانيوم كورقة ضغط، وقد تلجأ إيران للتوصل إلى اتفاق محدود لتخفيف العقوبات مؤقتًا.
وبينما تعتمد السياسة الأمريكية تجاه ملالي إيران على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي تحاول أوروبا الموازنة بين الضغط على ملالي إيران والحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة، وقد تستغل إيران التحول نحو نظام دولي متعدد الأقطاب (بقيادة الصين وروسيا) لتعزيز موقفها، وقد تقلل بعض القضايا من قبيل الحرب في أوكرانيا، والتوترات في آسيا من تركيز القوى الكبرى على إيران، مما يمنحها حرية أكبر للتحرك إقليميًا.
من جانبه يواصل نظام الملالي سياسة المماطلة في المفاوضات النووية مع تعزيز قدراته الإقليمية والعسكرية لفرض نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، وستبقى السياسة الخارجية لملالي إيران في السنوات القادمة مزيجًا من التحديات الإقليمية والدولية، مع احتمال كبير لاستمرار النهج التصعيدي لتعزيز النفوذ، إلا إذا حدثت تغيرات جذرية في القيادة أو ضغوط دولية قوية تدفعها نحو حلول تفاوضية.
أفق أزمة المخدرات، والعملات الرقمية، والدولار وعدم التوازن في إيران
ستؤدي أزمة المخدرات، العملات الرقمية، الدولار، وعدم التوازن الاقتصادي في إيران إلى تأثيرات متعددة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية، من بينها ارتفاع معدلات الإدمان إذ تُعد إيران واحدة من أكبر الدول التي تواجه تحديات مع المخدرات، حيث تعاني شريحة كبيرة من السكان من الإدمان، خصوصًا بين الشباب، وتأثير اجتماعي واسع النطاق حيث يؤدي انتشار المخدرات إلى تفكك الأسرة وارتفاع معدلات الجريمة مثل السرقة والعنف، والضغط على النظام الصحي نظراً لأن تكاليف علاج الإدمان والأمراض المرتبطة بالمخدرات (مثل الإيدز والالتهاب الكبدي) تشكل عبئًا كبيرًا على القطاع الصحي، وكذلك التجارة غير القانونية حيث تنتشر شبكات تهريب المخدرات بسبب موقع إيران الجغرافي بالقرب من مصادر إنتاج رئيسية للمخدرات من قبيل أفغانستان.
وللتهرب من العقوبات الدولية المفروضة على النظام الإيراني تستخدم العملات الرقمية لكنها غالبًا ما تؤدي إلى مخاطر قانونية واقتصادية، وأدى التعدين المفرط للعملات الرقمية إلى أزمة طاقة في إيران، حيث يستهلك الكهرباء بشكل كبير جدًا، وتسبب تقلبات الأسعار والمضاربة في العملات الرقمية في خسائر كبيرة للمستثمرين الأفراد مما أدى إلى استياء شعبي متزايد. وأدى غياب تنظيم فعال لسوق العملات الرقمية إلى فوضى اقتصادية. وزاد تقلب سعر الدولار مقابل الريال الإيراني من التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وأصبح استيراد السلع الأساسية مكلفًا مما أثر على أسعار الغذاء والأدوية، وهروب رؤوس الأموال حيث يفضل العديد من الإيرانيين تحويل أموالهم إلى الدولار أو عملات أجنبية أخرى خوفًا من فقدان قيمة أصولهم بالعملة المحلية، وقد أدى شح الدولار الرسمي إلى ازدهار السوق السوداء مما عمّق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وتزايد الغضب الشعبي واحتدام الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
أفق صراع القوى داخل النظام الإيراني – معركة على السلطة والثروة
الصراع داخل النظام الإيراني بين القوى المختلفة هو نتيجة تراكم التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم مع مرور الوقت. يعكس هذا الصراع معركة حقيقية على السلطة والثروة بين أجنحة النظام المختلفة، مما يترك تداعيات على استقرار النظام ومستقبله. إذ أن قوات حرس نظام الملالي والشخصيات الدينية المتشددة تقود التيار المحافظ، ويسعى هذا التيار إلى تعزيز السيطرة الكاملة على السلطة، مع التركيز على النهج الأمني والسياسي القمعي. ويتمتع بقبضة قوية على الاقتصاد من خلال الشركات التابعة لميليشيا حرس نظام الملالي.
ويتبنى التيار المسمى بـ "التيار الإصلاحي" خطابًا أكثر اعتدالًا ودعوات للإصلاحات السياسية والاقتصادية. ويعاني من تهميش متزايد منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويسعى إلى تصدر المشهد السياسي بشكل غير مباشر طمعا في السلطة، ويمثل التيار البراجماتي بعض الشخصيات أمثال الرئيس الأسبق حسن روحاني. ويركز هذا التيار على المناورة لتحسين العلاقات مع الغرب والتخفيف من ضغط العقوبات ضمن سياسة تبادل الأدوار حفاظا على نظام ولاية الفقيه، يخشى رجال الدين التقليديون تنامي نفوذ ميليشيا حرس الملالي التي قد تهدد سلطتهم، وتسعى الميليشيا المذكورة إلى تقديم نفسها كحامٍ للثورة والنظام الأمر الذي يثير قلق بعض المرجعيات الدينية.
إن غياب خليفة واضح للولي الفقيه بعد على خامنئي يجعل النظام في أسوأ مرحلة من مراحل تواجده إذ لا يوجد توافق على شخصية واحدة لخلافته، ويشكل التنافس على هذا المنصب أحد أبرز نقاط الصراع ناهيك عن أن المؤسسات المرتبطة بقوات ميليشيا حرس الملالي ورجال الدين تُتهم بإدارة شبكات فساد واسعة مما يعزز الصراع على العوائد الاقتصادية.
في ظل الحراك الدولي الذي تقوم به السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية ورئيسة الجمهورية المنتخبة للمرحلة الإنتقالية، وما تقوم به وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق في داخل إيران مع تزايد الاحتجاجات الشعبية سيؤدي كل ذلك لا محالة إلى انهيار تدريجي للنظام في ظل التصدع القائم في أوصال النظام الذي وصل إلى من الشيخوخة المتقدمة، ومن هنا بات السقوط الحتمي للنظام الإيراني مسألة ليس إلا ولن تجديه التنازلات ولن تنجيه مناورات تيار المهادنة العالمي.
د.سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي