د. عاصم عبد الرحمن يكتب لـ(اليوم الثامن):
المفاوضات النووية بين المراوغة وضغط العقوبات
تحت وطأة العقوبات الاقتصادية وتفاقم الأزمات الداخلية، يواجه النظام الإيراني تناقضًا بين خطاب المقاومة الذي يروجه المرشد علي خامنئي وحتمية التفاوض مع الولايات المتحدة لتخفيف الضغوط المتزايدة. فبينما يتمسك النظام بـ«الخطوط الحمر»، يلجأ إلى مناورات دبلوماسية في محاولة لإيجاد مخارج من دون تقديم تنازلات واضحة، ما يخلق مأزقًا سياسيًا واقتصاديًا معقدًا.
خطاب مزدوج في ظل الضغوط
في تصريح بثه تلفزيون النظام في 21 نيسان 2025، أكد الرئيس بزشكيان على أن إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها لن تقبل «الذل»، مشددًا على الالتزام بإطار خامنئي الغامض. هذا الإطار، الذي يفتقر إلى تفاصيل عملية، يُستخدم كغطاء للمناورة الدبلوماسية. المتحدثة باسم بزشكيان، مهاجراني، أوضحت في اليوم التالي أن قضايا مثل مخزونات اليورانيوم المخصب تُعد «خطوطًا حمر»، لكن بعض الموضوعات قابلة للنقاش. وأشارت إلى التعاون الوثيق مع روسيا، كعضو دائم في مجلس الأمن، لدعم موقف إيران في المحادثات النووية. وأكدت مهاجراني أن رفع العقوبات بشكل ملموس هو المطلب الأساس، داعية إلى تهيئة بيئة اقتصادية شفافة لجذب المستثمرين الأجانب، مُحمّلةً القوانين الأميركية مسؤولية تعطيل الاستثمارات. هذا الخطاب المزدوج يعكس محاولة النظام للحفاظ على صورة القوة مع السعي لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تهدد استقراره.
مأزق داخلي وجمود التفاوض
تتفاقم الأزمات الداخلية في إيران، من نقص الماء والكهرباء إلى الفقر المدقع، ما يضع النظام أمام ضغوط شعبية متزايدة. فقد حذر النائب محسن رضائي من ربط حل هذه المشكلات بالمفاوضات الجارية في مسقط وروما، داعيًا الحكومة إلى معالجة القضايا الداخلية بمعزل عن الخارج. في الوقت نفسه، أفادت صحيفة «كيهان»، المقربة من خامنئي، أن اجتماعًا تمهيديًا سيعقد في 3 أيار في سلطنة عمان كوسيط بين طهران وواشنطن. لكن الصحيفة شددت على أن ملفات حساسة، مثل نسبة التخصيب وضمان رفع العقوبات، لا تزال محل خلاف رئيس. وأكدت «كيهان» أن «المصالح الحيوية» لإيران غير قابلة للمساومة، ما يبرز جمود الموقف الرسمي. هذا الوضع يكشف تناقضًا بين الحاجة إلى تخفيف العقوبات والتمسك بخطاب المقاومة، حيث يحاول النظام كسب الوقت من دون تقديم تنازلات جوهرية. التسريبات حول المفاوضات تشير إلى محاولات لإيجاد صيغ وسطية، لكن غياب الثقة بين الطرفين يُعقّد التوصل إلى اتفاق.
طريق محفوف بالتحديات
يجد النظام الإيراني نفسه عالقًا بين شعار «لن نخضع» وحقيقة الأزمات التي تهدد بقاءه. فالعقوبات الاقتصادية أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية، ما يُغذي النقمة الشعبية ويُضعف شرعية النظام. في الوقت نفسه، يحاول النظام من خلال التفاوض تخفيف الضغوط من دون الظهور بموقف ضعيف أمام قاعدته الداخلية. هذه المناورات، التي تتخفى خلف خطاب خامنئي المتشدد، تكشف عن توازن هش بين الحفاظ على صورة القوة والحاجة إلى حلول اقتصادية عاجلة مع استمرار المفاوضات.
أخيرًا تبقى الأسئلة مفتوحة: هل سيتمكن النظام من تحقيق اختراق دبلوماسي، أم أن الجمود سيُفاقم الأزمات الداخلية والخارجية؟ الإجابة تعتمد على قدرة النظام على التوفيق بين شعاراته وواقعه المرير.