أسامة الأطلسي يكتب ل (اليوم الثامن):

عودة "فتح" إلى غزة.. بين حسابات الفصائل وشروط الدعم الدولي

في مشهد سياسي فلسطيني يزداد تعقيدًا، تبرز مبادرة عودة حركة "فتح" إلى إدارة قطاع غزة كمحاولة لكسر جمود الانقسام المستمر منذ عام 2007. هذه الخطوة، رغم رمزيتها السياسية وأهميتها الوطنية، تأتي في ظرف إقليمي ودولي متغير، حيث تعيد الحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة، وتنامي الضغوط الاقتصادية، طرح ملف المصالحة على الطاولة مجددًا. غير أن الطريق نحو الوحدة الوطنية لا يزال محفوفًا بعقبات الفصائلية، وحسابات القوى الإقليمية، وشروط المانحين الدوليين.

غزة بعد السابع من أكتوبر 2023

منذ اندلاع المواجهة الكبرى في السابع من أكتوبر 2023، دخلت غزة مرحلة هي الأشد قسوة في تاريخها الحديث. العملية التي بدأت بهجوم مسلح مفاجئ قادته "حماس" على مستوطنات ومواقع إسرائيلية في محيط القطاع، أعقبها رد عسكري إسرائيلي واسع النطاق، شمل قصفًا مكثفًا وتوغلات برية وجوية وبحرية.
أسفرت العمليات عن دمار غير مسبوق للبنية التحتية، ونزوح مئات الآلاف من السكان، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية والمياه والكهرباء. كما فُرض حصار خانق أدى إلى شح الغذاء والدواء والوقود، وسط أرقام أممية تشير إلى معدلات كارثية للفقر والجوع. وعلى الصعيد السياسي، زادت هذه الحرب من عزلة القطاع، وأعادت ملف إدارة غزة إلى صدارة النقاش الفلسطيني والعربي والدولي، باعتباره مفتاحًا لأي تهدئة أو إعادة إعمار.

الفصائل بين حذر "حماس" وضغوط المصالحة

حتى الآن، لم تُصدر حركة "حماس" موقفًا رسميًا من مخرجات المؤتمر الذي أقرّ بعودة "فتح" إلى غزة، إلا أن تصريحات بعض قادتها حملت نبرة تحذير من "إملاءات خارجية" تحدد مصير القطاع بعيدًا عن التوافق الوطني الشامل. وفي المقابل، برزت دعوات من فصائل وشخصيات فلسطينية مستقلة لعقد حوار وطني عاجل، يقود إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير الضفة الغربية وقطاع غزة معًا، وتفتح الطريق أمام انتخابات عامة، بما يضمن مشاركة جميع الفلسطينيين في صياغة مستقبلهم.

خلفية الانقسام ومحاولات المصالحة

الانقسام بين "فتح" و"حماس" دخل عامه الثامن عشر، بعد سيطرة "حماس" على غزة في يونيو 2007. ومنذ ذلك الحين، رعت القاهرة والدوحة وأنقرة عدة جولات حوار، أفضت إلى اتفاقات شكلية لم تُنفذ على الأرض، أبرزها اتفاق القاهرة 2011 واتفاق الشاطئ 2014. اليوم، يواجه الطرفان اختبارًا جديدًا في ظل ضغوط شعبية غير مسبوقة، وانهيار البنية التحتية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

الموقف الإسرائيلي والمعادلة الأمنية

إسرائيل تراقب المشهد بحذر، إذ ترى أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة قد تفتح مجالًا لتخفيف الحصار وتسهيل مشاريع الإعمار، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن يؤدي ذلك إلى تعزيز نفوذ حماس عسكريًا تحت غطاء السلطة المدنية. وعليه، من المرجح أن تحاول تل أبيب ربط أي تسهيلات اقتصادية أو لوجستية بضمانات أمنية صارمة، وربما بوساطة مصرية أو دولية.

المانحون يربطون الدعم بإصلاحات مؤسسية

أبدت جهات دولية، بينها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، استعدادًا لتقديم دعم مالي وتقني لمرحلة ما بعد المصالحة، لكن بشروط واضحة: إصلاح مؤسسات السلطة، تعزيز الشفافية والمساءلة، تطوير الحوكمة، وضمان استقلال القضاء وحرية الإعلام. كما يشترط المانحون أن تتم إدارة القطاع بعيدًا عن النفوذ المسلح لأي جهة، لتهيئة بيئة آمنة لتنفيذ البرامج التنموية.

التحديات والفرص

نجاح هذه المبادرة يعتمد على قدرة الفصائل الفلسطينية على تقديم تنازلات متبادلة، وتغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الفئوية. الفشل يعني استمرار الانقسام وترسيخ معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، أما النجاح فيفتح الباب أمام توحيد القرار السياسي، واستعادة الثقة الشعبية، وجذب استثمارات ومساعدات خارجية قد تعيد الحياة إلى غزة.

سيناريوهات المستقبل

  1. سيناريو النجاح: التوصل إلى اتفاق شامل على حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة خلال عام، بدعم إقليمي ودولي.
  2. سيناريو الفشل: انهيار الحوار واستمرار الانقسام، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية.
  3. سيناريو الوضع الرمادي: إدارة مشتركة شكلية للقطاع، دون حلول جذرية، ما يبقي الأوضاع رهينة التوترات الأمنية والضغوط الخارجية.

وبين هذه الاحتمالات، تبقى عودة "فتح" إلى غزة اختبارًا سياسيًا ومعياريًا لمدى قدرة الفلسطينيين على إعادة بناء مشروعهم الوطني، والانطلاق نحو مرحلة تتسم بالوحدة والاستقرار والتنمية.