د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ماذا أراد علي لاريجاني من زيارته للعراق ولبنان؟

سلطان طهران وعماله اليوم في وضعٍ داخليٍ لا يحسدون عليه رغم المرونة التي يبديها المجتمع الدولي تجاههم، ومن وجهة نظري المتواضعة لا أرى في نظام الملالي ما يخيفه من المجتمع الدولي.. فقد اعتاد ملالي إيران أن يجدوا مخارج لأزماتهم على يد النظام العالمي الذي يهيمن على ما نسميه نحن بـ المجتمع الدولي؛ لكن أكثر ما يخيف نظام الملالي اليوم الحراك الثوري الداخلي وتعاظم الرفض والسخط الشعبي ضده والذي بات منظما ويخضع لقيادة داخلية تتصدرها المرأة الإيرانية التي يراها ولي الفقيه ونظامه أنها وقود وعماد كل ثورة وأنها أكبر عدو لهم فهي أم الشهداء والسجناء، وأخت الشهداء والسجناء والمنفيين، وابنة الشهداء والسجناء والمنفيين تنضوي اليوم تحت لواء أشرف ووحدات المقاومة التابعة لها.. أشرف التي قتلها الملالي فتأسس على دربها قلعة أشرف في العراق، ولما تآمر الملالي على أشرف بالعراق بتواطؤٍ من النظام العالمي تأسست أشرف3 وألف أشرف في داخل إيران تتوسع وتتمدد عقائدياً وتنظيمياً لتهدد وجود الملالي.. المرأة الإيرانية التي قتلها نظام الملالي هي التي تهدد وجوده اليوم وستقضي على أخر مراحل حكمه ليس في إيران فحسب بل في المنطقة كلها..، وكل خطوة يخطوها هذا النظام اليوم هي خطوة نابعة من مخاوف.. وحراك لاريجاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني يأتي في هذا السياق كإجراءٍ استباقي لما قد تتسبب فيه الحدود مع العراق أو ما قد يحدث نتيجة فراغ القوة وفقدان الهيمنة في لبنان بعد أن دمر سوريا وغزة وخرجتا عن سيطرته.

   لنظام الملالي في إيران أدواته داخل إيران وخارجها حتى وإن غاب البعض منهم عن صدارة السلطة.. حتى وإن صرح البعض منهم مهاجما السلطة؛ من هذه الأدوات علي لاريجاني الذي أصبح رئيس مجلس الأمن القومي في سلطة الولي الفقيه في هذه المرحلة الحرجة المليئة بالأشواك وهذا الوقت الحساس الذي تشير فيه الدلائل على ضعف النظام واحتمالية سقوطه القريب من الداخل، وهنا تأتي أهمية زيارة لاريجاني للعراق أولا لتفقد رعاياه وترتيب الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية في العراق "الباحة الخلفية " العراق مسرح عمليات إدارة الصراع وطوق أمان النظام الإيراني اليوم خاصة بعد تدهور أوضاع حزب الله وسقوط النظام السوري وفرار الأسد.

وكما لنظام الولي الفقيه أدواته في إيران له أدوات مماثلة أيضا في العراق لكنها أكثر طاعة وخضوعا؛ فعلى سبيل المثال رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومستشارية الأمن القومي في العراق وحتى مجلس النواب جميعهم من تلك الأدوات.. وبعض الأكراد والسُنة العراقيين لن يقدموا ولن يؤخروا إن اعترضوا أو رفضوا مطلبا لنظام الملالي بل ستتدهور أوضاعهم وتتراجع ثم يضطرون إلى العودة إلى بيت الطاعة.. بيت الطاعة الذي فرضوه على أنفسهم عندما قبلوا بوصاية ملالي إيران على العراق بعد أن قدمه الأمريكان كهدية على طبق من ذهب لولي الفقيه ورهطه وعماله.. ووفقاً لذلك تأتي زيارة لاريجاني للعراق كزيارة إدانة معجونة بجبر مُذكِرةٍ بما يجب أن يكون ولم يكن يلي ذلك إملاءاتٍ من ولي أمر واجبٌ تنفيذها ولا تقبل الرد ولا النقاش.

من أهم الأمور المتوقع التوصية والتأكيد عليها في العراق أثناء هذه الزيارة أمرين مهمين الأول هو التصدي لـ (الأحزاب الكردية الإيرانية " الكوملة والديمقراط" و"حزب البجاك" المعارضين المتواجدين على أراضي العراق وهذا ما سيتم الاتفاق عليه رسميا وسيوقع عليه قاسم الأعرجي من العراق وقائده علي لاريجاني من إيران حيث كان قاسم الأعرجي عنصرا من عناصر فيلق بدر التابع لحرس إيران في حينه وعليه يعد لاريجاني قائدا معظما أمام عماله في العراق ومنهم الأعرجي والسوداني ورشيد.. ولا تستغربوا أن رأيتم نظرات لاريجاني في الصورة تقول لقد بت كبيرا يا قاسم واليوم توقع الاتفاق بيننا كند في ظاهر الأمر.. الصورة تفضح المكنون؛ والأمر الثاني وهو موضوع الحشد الشعبي والزيارات الدينية وهما أمرين لا يحتاجا إلى اتفاقيات بل يحتاجا إلى توصيات وإملاء رغبات.. ورغبات نظام ولاية الفقيه أوامر وطاعته لدى عماله في العراق ولبنان واجبةٌ ومقدسة.. وسيبقى ما يسمى بـ الحشد الشعبي قائما في العراق لطالما بقي نظام الملالي على سدة الحكم في إيران، وستستمر الزيارات الدينية التي يتم تحت غطائها الكثير من العمليات الأمنية والعسكرية والاقتصادية   

هل تختلف الصورة والزيارة في بغداد عن بيروت؟ 

مؤكد أنها تختلف وتختلف كثيراً أيضاً.. فبيروت اليوم في أكثر أيامها قوة وصلابة سياسية منذ عقود خاصة بعد أن تسبب نظام الملالي من خلال جواسيسه من كسر حزب الله على يد قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، حيث أدى هؤلاء الجواسيس خدمات جليلة للصهاينة بدأت بتمكينهم من ضرب مراكز الاتصال والسيطرة في الحزب في الحادثة المسماة بعملية "البيجر" ثم قتل قيادات من الحزب وبعدها قيادات من حماس على رأسهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار تلاها مقتل الأمين العام لحزب الله وقيادات من الحزب ومن ثم عمليات عسكرية نوعية قضت على قدرات الحزب.. كل ذلك لم يكن ليكون لولا خدمات هؤلاء الجواسيس، وعاد كل ذلك على القيادة اللبنانية بالظفر الأمر الذي يمكنها اليوم من التحرك بشجاعة نحو نزع سلاح حزب الله ورفع راية السيادة وقول لا لإيران.. هنا تختلف الزيارة وأسبابها فأسباب زيارة بيروت التي أصبحت خارج القفص ليست كأسباب زيارة بغداد التي هي داخل القفص ورئيس الجمهورية فيها شأنه شأن رئيس الوزراء شأن مستشار الأمن القومي العراقي الكل من عمال الخليفة الحاكم في طهران.. تختلف الزيارة وأكبر اختلاف بين الزيارتين أن لاريجاني وجد الكل مرحباً به في بغداد بينما وجد الجانب الأعظم في بيروت يقول له لا هلا ولا مرحبا.. والبعض الآخر يقول له لا.. وبعض الحلفاء يترددون في إبداء فريضة الطاعة.. كل السلطات في لبنان قالت لا لـ علي لاريجاني ونظامه، وكذلك قالتها الغالبية الشعبية في لبنان بما في ذلك شيعة لبنان الأحرار. 

ببعض المقاييس يمكن القول بأن لاريجاني قد نجح في بغداد.. لكنه فشل في بيروت؛ و "لا" اللبنانية كانت مدوية وجدران الرفض اللبناني اليوم فولاذية ولم يسبق أن كانت كذلك.. فماذا لدى الملالي ليقدموه أو يفعلوه لتليين هذه الجدران وهل يفلحون في ذلك.. أم أنهم أي الملالي سيلجئون إلى إثارة الفتنة في لبنان لتليين هذه الجدران وكسرها.. هذا ما يجب أن يترقبه لبنان العربي ويستعد له.

د.محمد الموسوي/ كاتب عراقي