حسن محمودي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تنفيذ آلية الزناد: بداية عصر جديد من العقوبات الدولية ضد إيران وآفاقه المتشابكة

في خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة، دخلت العقوبات الدولية السابقة على اتفاق البرنامج الشامل المشترك للنشاط النووي  (JCPOA) حيز التنفيذ في فجر يوم الأحد، الموافق 28 سبتمبر 2025، مع تفعيل آلية الزناد (Snapback) المنصوص عليها في القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. تتضمن هذه العقوبات، المستندة إلى قرارات 1696، 1737، 1747، 1803، و1929، حظراً شاملاً على تصدير واستيراد الأسلحة، وقيوداً صارمة على البرامج الصاروخية والنووية، إضافة إلى قيود بنكية مشددة تتضمن تجميد الأصول الخارجية، وهي ملزمة لجميع 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. هذا التفعيل، الذي جاء بعد أشهر من التفاوض الفاشل بين طهران والقوى الغربية، يشير إلى تحول كبير في السياسات الدولية تجاه إيران، حيث يُعتبر عودة إلى نظام العقوبات القاسية التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015، لكن في سياق أكثر تعقيداً بسبب التغيرات الجيوسياسية الحالية.

وضعية خامنئي في مواجهة العهد الجديد

يدخل علي خامنئي، المرشد الأعلى للنظام الإيراني، هذا العصر الجديد في أضعف حالاته الاستراتيجية والداخلية. خلال السنوات الأخيرة، تعرضت إيران لضربات قوية أثرت في برنامجها النووي، حيث كشفت تقارير دولية عن عقوبات أضعفت قدراتها التقنية، إضافة إلى انهيار اقتصادي متفاقم بسبب العقوبات السابقة والفساد الداخلي. الوضع الاجتماعي لم يكن أفضل، حيث شهدت البلاد موجات احتجاجات متتالية منذ 2017 و2019 و2022، تعكس ذروة الاستياء الشعبي ضد النظام. في ظل هذه الظروف، يعتمد خامنئي بشكل أساسي على جهاز القمع الداخلي، المتمثل في الحرس الثوري وقوات الأمن، لاحتواء أي تمرد محتمل. ومع ذلك، يبدو أن هذا الاعتماد قد لا يكفي، إذ يواجه تحديات متزايدة من مقاومة منظمة بدأت تتسع نطاقها داخلياً.

يراهن خامنئي أيضاً على الالتفاف حول العقوبات من خلال تعزيز تحالفاته مع روسيا والصين، حيث يأمل في استمرار الدعم الاقتصادي والعسكري من موسكو وبكين لتخفيف الضغط الغربي. كما يعتقد أن استكمال مسار بناء القنبلة النووية، رغم العقبات، إلى جانب إعادة تنظيم وكلائه الإقليميين (مثل الحوثيين في اليمن و حزب الله في لبنان)، سيعززان موقعه التفاوضي. هدفه هو الحصول على تنازلات من الغرب، مثل تخفيف العقوبات، أو من الدول المجاورة لتجنب التصعيد العسكري. لكن هذا الرهان قد يكون وهماً، إذ تغيرت الديناميكيات منذ 2015: النظام أضعف نوعياً بسبب العزلة الدولية، وأصبحت طبيعته الخبيثة واضحة للعالم بعد فضائح حقوقية وسلوك إقليمي عدواني، وفقد الوكلاء فعاليتهم بسبب ضغوط متزايدة، بينما ارتفعت درجة الانفجار الاجتماعي مع قيام الشعب بثورات متكررة، وظهور مقاومة منظمة تتوسع يوماً بعد يوم.

آفاق التناقضات الداخلية

داخلياً، من المتوقع أن تزداد الشقوق بين الفصائل داخل النظام، خاصة بين العصابة الإصلاحيين والمتشددين. يضطر خامنئي إلى الانقباض أكثر، مستخدماً القضاء والتهديدات لكبح جماح الإصلاحيين، كما بدأ بالفعل في استهداف قادتهم بتهم سياسية. هذه الخطوة تعكس محاولته لفرض السيطرة، لكنها تزيد من حدة التوترات، إذ تتصارع المصالح بين البندين في ظل العقوبات الجديدة. العصابة الإصلاحي، الذي يدعو للتفاوض، يرى أن المواجهة ستدمر النظام، بينما يصر المحافظون، بقيادة خامنئي، على التمسك بالسياسة الحالية. هذا التناقض يجعل التسوية مستحيلة، مما يمهد لصراع داخلي قد يضعف التماسك السياسي للنظام في المدى القريب.

آفاق الوضع الاقتصادي

اقتصادياً، ستكون الآفاق قاتمة بسبب العقوبات الدولية الملزمة. انهيار قيمة الريال سيزداد، مع توقعات بارتفاع سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وزيادة سعر الدولار بـ اكثر 115 ألف تومان. ستشهد البورصة انهياراً حاداً، بينما سيواجه النظام حظراً كاملاً على الوصول إلى نظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية (SWIFT)، مما يعطل التجارة الدولية. لمواجهة هذا الضغط، قد يلجأ النظام إلى طباعة النقود بكميات كبيرة، لكن هذا سيفاقم التضخم، الذي قد يصل إلى مستويات خطيرة تهدد استقرار السوق. الضغط على الشعب سيزداد بشكل غير مسبوق، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مما يتجاوز نقطة التحمل الشعبي. هذا الوضع قد يدفع المجتمع إلى حافة ثورات شاملة، حيث أصبح الشعب مستعدًا للخروج بعد سنوات من القمع والحرمان.

السياسة الكبرى لخامنئي

سياسياً، سيواصل خامنئي التركيز على البرنامج النووي وإعادة تنظيم الوكلاء بكل قوة، معتبراً أنهما العنصران الوحيدان القادران على إنقاذ نظامه. يعتقد أن العودة إلى الوضع قبل اتفاق البرنامج الشامل المشترك للنشاط النووي في  2015 ممكنة، لكن الواقع يثبت العكس: النظام أضعف بشكل كبير، والعالم يرى الآن حقيقته، والشعب مر بثورات متعددة، والمقاومة المنظمة أصبحت تهديداً حقيقياً. هذه التغيرات تجعل استراتيجيته غير مجدية، لكنه مصر على المضي فيها.

آفاق الثورة

آفاق الثورة واضحة: كل الطرق تؤدي إليها. خامنئي ركز كل جهده لمنعها، مضيفاً أهبة الاستعداد الكامل لقواته، لكن الشعب وصل إلى قناعة بأن الإسقاط هو السبيل الوحيد للخلاص. هذه الأيام تمثل فرصة تاريخية للشعب والمقاومة، حيث يمكن استغلال الضغوط الداخلية والخارجية لتنفيذ ثورة ناجحة، مما قد ينهي عهد النظام نهائياً.