"الشعر والعروض والتراث"..

لغة القرآن في عيون شاعر.. تأملات حسن الحضري الأدبية والعلمية

يفخر الشاعر حسن الحضري بقدراته اللغوية الكبيرة التي أبدع من خلالها أعذب الأشعار وألَّف أرصن الأبحاث، وفي هذه الأبيات يرى أنه ليس كل إنسان بإمكانه أن يتفوق في اللغة العربية ويصل فيها إلى الصدارة؛ بل لا بد له من صفات محددة؛ أن يعشق هذه اللغة المتفردة وأن يتفوق فيها منذ صغر سنِّه

الشاعر المصري حسن عبد الفتاح الحضري - أرشيف

عبير نعيم أحمد
روائية وقاصة مصرية، تكتب لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في الأدب والشعر والقصة والرواية

بمناسبة اليوم العالمي للشعر، أتناول في هذا المقال لغة الضاد في عيون الشاعر المصري حسن عبد الفتاح الحضري، الذي جمع بين قوة الموهبة وفحولة الإبداع وغزارة العلم؛ فهو من الناحية الإبداعية شاعر وأديب وناقد مقدَّم الذكر، ومن الناحية اللغوية هو لغوي متخصص، تخرَّج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة المنيا، ومن الناحية العلمية والمهنيَّة هو باحث علمي ومحقق للتراث، وهو عالِم متبحر في اللغة العربية وله استدراكات علمية على بعض الكتب التراثية المحققة، وله أبحاث ودراسات منشورة في كثير من المجلات العلمية والثقافية، في اللغة والأدب والنقد والتفسير، وصدر له تسعة دواوين شعرية وعدة مؤلفات أدبية ونقدية، ومن بين مؤلفاته كتاب "القرآن الكريم يحدد ماهية الأدب" جاء فيه بفوائد واستنباطات لم يسبقه أحد إليها، وله أيضًا كتاب بعنوان "الصحيح في علم العروض" وهو كتاب له فائدة كبيرة على كل من طالعوه وتعلموا منه، ومن مؤلفاته أيضًا كتاب "الشعر العربي المعاصر بين المعايير والمحاذير" الذي دافع فيه عن قواعد الشعر العربي وعن اللغة العربية وفنَّد مزاعم أعداها. 

وقد أفرد الشاعر حسن الحضري عدة قصائد من شعره للدفاع عن لغة الضاد وتبيين محاسنها وإبراز مكانتها، قال في إحدى قصائده بعنوان "لغة الضاد"(1):

لغةُ الضَّادِ آمَنَتْ بِعُلاها

 

 

كلُّ نفسٍ سَوِيَّةٍ في رُؤاها

 

إنما الضَّادُ أحرُفٌ مُشرِقاتٌ

 

 

بضياءِ الهدَى لِمَن يَهواها

 

هي بالقرآنِ الكريمِ تسامَتْ

 

 

شرَّفَ اللهُ قَدْرَها واصطفاها

 

يرتوي مِن آدابِها كلُّ صَبٍّ

 

 

مُغرَمٍ لا يملُّ مِن نجواها

 

حَمَلَتْ لُبَّ العِلم ثُمَّ تباهَتْ

 

 

وتأبَّتْ على مُرِيدِ سِواها

 

هي بين اللُّغاتِ شمسٌ تجلَّتْ

 

 

قُمْ فسبِّحْ باسمِ الذي جلَّاها

 

جمعتْ أحسنَ المعاني وحازتْ

 

 

سِدرةَ الحُسن في أجلِّ حُلاها

 

صانها الله مِن قُصورٍ ونقصٍ

 

 

وحَبَاها مِن فضلِه ما حَبَاها

 

  هذه بعض صفات لغة الضاد كما يقول حسن الحضري، ثم يذكر شروط التفوق في اللغة العربية فيقول:

أبَتِ الضَّادُ أنْ يُبَرَّزَ فيها

 

 

غيرُ صَبٍّ متيَّمٍ بِهواها

 

ليس يعلو في الضَّاد إلَّا خَبِيرٌ

 

 

منذُ عهدِ الصِّبا بها يتباهَى

 

ليس يعلو في الضَّاد إلَّا وَفِيٌّ

 

 

لِعطاياها مُقْتَفٍ لِخُطاها

 

منذُ عهدِ الصِّبا تَشَرَّبَ منها

 

 

فارتوَى مِن رحيقِها ورَواها

 

يفخر الشاعر حسن الحضري بقدراته اللغوية الكبيرة التي أبدع من خلالها أعذب الأشعار وألَّف أرصن الأبحاث، وفي هذه الأبيات يرى أنه ليس كل إنسان بإمكانه أن يتفوق في اللغة العربية ويصل فيها إلى الصدارة؛ بل لا بد له من صفات محددة؛ أن يعشق هذه اللغة المتفردة وأن يتفوق فيها منذ صغر سنِّه، ولذلك ذكر حسن الحضري في لقاء تليفزيوني بإحدى الفضائيات في مصر منذ عدة سنواتٍ أنه أوتيَ اللغة العربية وتفوق فيها في طفولته؛ موهبةً من الله مثلما آتاه الشعر.

ثم يعود الشاعر حسن الحضري إلى وصف لغة الضاد فيقول:

هي كنزٌ مِن الكنوز ثمينٌ

 

 

فالتمِسْ منها مِن جزيل نَداها

 

إنَّما الضَّادُ والفصاحةُ شيءٌ

 

 

واحدٌ، لا يَقوم دُونَ عُراها

 

حَفرتْ في الزمان مجدًا أصيلًا

 

 

ثُمَّ قامت لِمَن يُجيب نِداها

 

غايةُ الحُسنِ والجمالِ لدَيها

 

 

هي حقًّا قد بُلِّغتْ مُنتهاها

 

هبةٌ مِن هِباتِ ربِّكَ فاعلَمْ

 

 

ليس إلَّا بفضلِه تُؤتاها

 

   يصف لغة الضاد بأنها كنز ثمين؛ لِما تشتمل عليه من كنوز العلم والمعرفة، ويرى أن هذه اللغة هي نفسها الفصاحة، وأنها هبة ربانية من الله تعالى ولا يتفوق فيها الإنسان إلا إذا آتاه الله العلم بها. 

ثم يذكر الحضري ضجره من أدعياء العربية الذين يزعمون حبها بينما هم يسيئون إليها بأخطائهم الكثيرة وعدم تمَكنهم من خباياها: 

أصبَحَ اليومَ يَدَّعِيها أناسٌ

 

 

مِن ذَوِي الجهل قصَّروا عن مَداها

 

هي منهم عندَ الإله بَراءٌ

 

 

تَلتجِي للهِ الذي أعلاها

 

قتلوها بِسُوءِ درسٍ ولكنْ

 

 

ربُّكَ اللهُ ضامنٌ مَحياها

 

هم أضاعوها بالجهالةِ حقًّا

 

 

حينَ ضلُّوا أمجادَها وقُواها

 

ثم يوجه نُصحه إلى محبِّي العربية فيقول: 

فَدَعُوا مَن تخاذَلُوا اليومَ حتَّى

 

 

عجزُوا عنها فاستباحُوا أذاها

 

وأقِيموا لسانَكم لا تَضِلُّوا

 

 

وانهَلُوا منها ما يحوزُ رضاها

 

أما أولئك الذين يفسدون ذائقة العربية؛ فقد قال عنهم حسن الحضري في مقالٍ بعنوان "حماية اللغة العربية بين الشعارات والتطبيق": «بعض من يعملون في حقل الأدب، أو في علوم القرآن والحديث، أو في مجال البحث والتحقيق العلمي؛ ليس لديهم القدر الكافي من اللغة، فإذا مرَّت بهم آية أو حديث وحاولوا الاجتهاد في تفسيره؛ أخطؤوا، فضلُّوا وأضلُّوا، وإذا مرَّ بهم بيتٌ من الشعر؛ لم يقيموا وزنه ولا لغته، أو يحسنوا تفسيره»(2)، وما هذا الكلام إلا بدافع غيرته الشديدة على اللغة العربية. 

ولذلك يقول عنهم الحضري في قصيدة أخرى بعنوان "إنما الضاد وعاءٌ آمِنٌ(3): 

دَعْ أُناسًا لَمْ تَزَلْ تَدفَعُها

 

 

إحنَةٌ شَبَّتْ بما يَقْرَعُها

 

أفسَدُوا الضَّادَ بما لم يَعلَموا

 

 

ثُمَّ ظنُّوا أنَّهمْ مَنْبَعُها

 

ولكلٍّ منهمُ غايتُهُ

 

 

ليس يَعنِيهِ الذي يَفْجَعُها

 

عجَزوا عنها فرامُوا قتْلَها

 

 

غيرَ أنَّ اللهَ مَن يَمنَعُها

 

وادَّعَوا منها لسانًا لَهُمُ

 

 

لم يَكُنْ مِنها ولا يَتْبَعُها

 

ثُمَّ عادَوْا أهلَها واقترفُوا

 

 

كلَّ إثمٍ شأوُهُ مَصرَعُها

 

وتَنادَوْا بِاسمِها في كَذِبٍ

 

 

وأمانِيَّ لَهُمْ تَسمَعُها

 

يبيِّن الشاعر حسن الحضري جرائم أولئك المتطفلين الذين يدَّعون حب العربية وهي بريئة من حبِّهم المزعوم، ويؤكد أيضًا حسن الحضري أن أولئك المدَّعين أفسدوا العربية بجهلهم وادعائهم، وأنهم لما عجزت ألسنتهم عنها ذهبوا ليحاربوها ويصدوا الناس عن حبها؛ ثم يؤكد الحضري أن أولئك لن تنفعهم أوهامهم، فيقول:     

ليس يُجدِي الضَّادَ دَعوَى كاذبٍ

 

 

دأبُهُ الإحنةُ لا يَردَعُها

 

ليس بالدَّعوى كما قَدْ وهَمُوا

 

 

إنَّما الضَّادُ لها مربَعُها

 

ثم يعود إلى وصف اللغة العربية وتبيين محاسنها، مفتخرًا أن الله وهب له حبها وآتاه العلم بها، ثم يختم قصيدته بتحذير أعداء العربية: 

إنَّما الضَّادُ ضياءٌ مُشرِقٌ

 

 

زانَها اللهُ بما يرفَعُها

 

إنَّما الضَّادُ وعاءٌ آمِنٌ

 

 

قاتَلَ الرَّحمنُ مَن يَفْزَعُها

 

فَدَعُوا الضَّادَ إلى أصحابِها

 

 

إنَّهمْ أدرَى بما ينفَعُها

 

هُمْ يَئِنُّونَ إذا آلامُها

 

 

خَطَرَتْ أو قَضَّها مَضْجَعُها

 

هُمْ يَذُودُونَ عنِ الضَّادِ بما

 

 

عَلِموا منها وهُمْ مَنْجَعُها

 

فلَنا العِلمُ بها ثُمَّ لكُمْ

 

 

مِن عَوادِي جهلِكُمْ أفظَعُها

 

ولها العِزَّةُ والخُلدُ بِما

 

 

صانَها اللهُ وما يَدفَعُها  

 

فأفِيقوا مِن أمانِيِّكُمُ

 

 

وأكاذِيبَ بَدَا مَنْبَعُها

 

 

    الهوامش

1- حسن الحضري، ديوان "بردة الأشواق"، (ص111- 114)، مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2018م.

2- حسن الحضري، حماية اللغة العربية بين الشعارات والتطبيق، مجلة البعث الإسلامي، الهند، المجلد رقم 68، شعبان- رمضان 1443هـ- إبريل- مايو 2022م، (ص56).

3- حسن الحضري، ديوان "هي حكمةٌ لِلَّه"، (ص53- 55)، دار يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2023م.