الجمعية الوطنية وما يحب ان يكون عليها
بعكس ما نراه من تسارع نحو النزعة الإستقلالية السائدة في العالم ، نرى بطء وعدم تعجل من قبل المجلس الانتقالي الذي يقوده الزبيدي، ويعتقد الكثيرون بان هذا الرتم ليس كافيا ، فالأكراد قد حزموا امرهم ، حتى اقليم كاتلونيا في اسباينا قرر ان يعلن أنفصاله، فماذا ينقص الجنوب حتى يمضي قدما نحو إعلان دولته وخاصة أنه يبسط نفوذه على كافة أراضي الجنوب العربي. تلك الأسئلة مشروعة ، لكن هل الكرد سينجحون فعلا وخاصة أنهم محاطون بدول معادية لهم ولا يملكون أي منفذ بحري او جوي، وهل في كاتلونيا سيصبح الأمر ممكنا وهم بدون أي قوة فعلية تمكنهم من تطبيق امنياتهم على أرض الواقع، طبعا لا يمكن الجزم بالإجابة على تلك الأسئلة مع اننا نتمنى لأي شعب من شعوب العالم التواقة للحرية ان تنال ما تسعى إليه، أما في حالتنا الجنوبية فنحن نمتلك مقومات الدولة ونمتلك دستورية هذه المقومات، ونعتقد أننا أكثر شعوب العالم استحقاقا في استرداد دولته .
المجلس الإنتقالي هو الممثل الشرعي لتطلعات الجنوب، وسواء أتفقنا معه في سياسته ام لا ، إلا ان الضرورة تجعلنا نقف خلفه ، لكن هذه الضرورة لن تعطيه دعم أبدي ان بدى للجماهير أنه قد خيب تطلعاتها في فترة ما.
أكثر من عام والمجلس الانتقالي متماسك، البعض يرى ان هذا إنجاز، والبعض الآخر يراه عجز، فمنذ عام تقريبا لم نشهد إية خطوة جبارة، وايضا ليس من المعقول ان ننتظر إحتفالية اكتوبر من كل عام حتى يصدر قرار من المجلس ، هذا امر يبدوا مملا جدا، وخاصة أن الناس لم تعد تحتمل حالة الا دولة التي تعيشها الان. تحرك المجلس الإنتقالي أخيرا وأعلن انه بصدد تشكيل جمعية وطنية مكونة من 303 عضوا، وبما أننا نجهل آلية تشكيل هذه الجمعية والأسس التي ستقوم بها ، ونجهل ما هي تبعات هذه الجمعية ، وما هي المهام التي ستناط اليها، كلها امور وتساؤلات لا احد يعرف لها من إجابة والسبب بان الشعب تم إقصائه ، ولم تطرح حتى هذه القضية على مستوى النخب ليتم فتح حوارات ونقاشات بشأنها، بل حتى انها وعلى المستوى الإعلامي لم نسمع عنها، وكأن الأمر اعد بليل ، لذا وجب علينا ومن إلتزام وطني أن ندلي بما نراه بهذا الشأن.
الجمعية التأسيسة في الغالب يتم تشكيلها ضمن إنتخابات حرة، بمعنى ان الشعب يختار ممثليه بهذه المجلس، لأن هذه المجلس في العادة يمتلك صلاحيات تشريعية، لذا يقال بان الشعب هو من يشرع لنفسه من خلال مجالسه النوابية، لكن ويبدوا بأن تشكيل هذه الجمعية ستقفز على هذه النقطة ولن نرى أية إنتخابات، بمعنى ادق انه سيتم تعيينهم . هل التعيين سيء ؟ في نظري ، نعم هو امر سيء جدا، والسبب ان أي شيء يتجاوز إرادة الشعب هو بالتالي يمثل إرادة الحاكم، والحاكم هنا في المثال الجنوبي ايضا لم يتم إنتخابه ضمن أطر دستورية واضحة.
قد يقول قائل، هنالك شرعية دستورية وهناك شرعية ثورية، وعليه فنحن وفي ظل المجلس الإنتقالي نعيش الشرعية الثورية، والمتمثلة في حشد الجماهير ثم تلاوة القرارات عليها ، وعندها تصبح نافذة وتمتلك شرعية " ثورية " ملزمة للجميع .
هذا امر غريب ، ولكنه وبما انه حدث ، دعونا نعود إلى الجمعية الوطنية والتي من الواضح انها ستقرر اشياء مصيرية تتحكم في مستقبل الجنوب كله.
في الغالب يكون من ضمن أهم مهام اية جمعية وطنية هي سن القوانين والأنظمة ضمن الأطر الدستورية، وفي الحالة الجنوبية لا يوجد دستور او دولة قائمة حتى الان، وبالتالي فأننا نعتقد ان اول مهمة ستكون لتلك الجمعية هي سن دستور يتفق عليه الجميع، ومن البداهة ان يشارك في صياغة الدستور الشعب، لأن هذه الدستور من سينظم حياتهم ومستقبلهم، وبما أن الشعب مقصي حاليا من هذه المهمة، فعلينا ان نتوقع بان اختيار اعضاء الجمعية ستتم ضمن التالي :
أولا : توزيع عادل بين جميع المحافظات حيث لا تطغى محافظة على أخرى، وخاصة ان المناطقية في الجنوب باتت تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي. ثانيا: اختيار مبني على الكفاءات لا على الولاءات، نريد مجلسا مشكل من التكنوقراط ، وممن يتمتع بمؤهلات علمية وثقافية عالية ولديهم تجارب يعتد بها في هذا المجال.
ثالثا: نتمنى ان تستبعد الإختيارات القائمة على السيادة العرفية أو القبلية او الدينية ، فتلك الوجاهات هي في الغالب تركن إلى الماضي في بقاء سلطتها، بينما نحن تواقون إلى المستقبل.
رابعا: تحديد شكل الدولة في الجنوب ، وشكل الحكم ، وآلية التداول السلمي لها مع ضرورة تحديد فترة زمنية محددة وغير قابلة للتمديد ، وان يحصن هذا البند من أي تعديل .
خامسا : الكل يرغب بدستور مدني يقوم على المساواة والعدالة وحرية الضمير ، فان تم تجاهل هذه الرغبة ، فأن الجنوب سيظل عالقا تحت هيمنة قوى ظلامية لا تتوقف ابدا عن جر البلاد إلى الخلف.
سادسا : هنالك أرث مدني وقانوني ضخم مستمد من فترة الحكم البريطانية وأيضا ما تم تتأسيسه في ظل حكم الحزب الإشتراكي وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة ، ومن الجيد الرجوع لها وتطويرها بما يتناسب مع المرحلة ، فالمرأة في الجنوب كانت دائما في مقدمة الصفوف ولم تتخلي ابدا عن دورها الطليعي.
سابعا: ان تحدد مدة زمنية واضحة لتلك الجمعية حتى تنهى مهامها وعرض ما قامت به على الشعب بإستفتاء شفاف،وبعدها يتم حلها وإقامة جمعية دستورية تقوم على شرعية الصندوق.
ثامنا : التأكيد على التعددية السياسية وسن قانون للأحزاب . تاسعا : حرية الإعلام بمختلف توجهاته وسن قوانين للصحافة.
عاشرا : دعم الفن بمختلف توجهاته وإنشاء معاهد تدعم هذا التوجه . لا احد ينكر صعوبة مهام هذه الجمعية وخاصة انها تعيش وضع إنتقالي حرج وان ما ستقوم به لن يؤثر على مستقبل الأجيال القادمة وحسب بل سيؤثر على تقدمية الدولة ونهضتها من عدمه.
لذا آمل من ان يكون رئيس المجلس الانتقالي قد غير موقفه من شأن الحلف المذهبي الذي نادى به سابقا، فنحن لا نريد دولة مذهبية تعيش في نزاعاتها وماضيها، بل نطمح إلى دولة تقوم على اسس مدنية سليمة وان يتم إختيار أعضاء الجمعية الوطنية من خلال هذا المنطلق ولا شيء آخر سواه.