( اليمن بعد أسبوع من رحيل الطاغية )

لا يكمن الخوف إلا مع من يعادي الحرية، لا لشيء سوى أنه يراها تفتح له أبوابا لم يألفها وتمنحه حياة غير التي إعتادها، الحرية قيمة إنسانية خلقنا كلنا وهي معنا، إلا أنه ولسبب غير مفهوم يقرر البعض منحها لشخص ليتحكم بمصيره دون مقابل.

 اليمن عانت كثيرا تحت حكم الطاغية علي عبدالله صالح، معاناتها كانت قائمة على أساس نبذ الحرية والانصياع لشخص لا يختلف عن أي شخص آخر، فقام الشعب بتمجيده ومنحه شيء لم يكن يستحقه وإعطائه الطاعة المطلقة دون أن ينال منه أقل حقوقه، وعندما يتخلى الإنسان عن حريته بشكل طوعي ويدخل نفسه داخل صندوق العبودية بمحط إرادته، فمن الصعب حينها إقناعه بان ما يوجد خارج الصندوق أفضل بكثير مما بداخله.

 اليمن في زمن الطاغية كانت اسوء دولة في العالم، وكانت دائما تحصل على المرتبة الأخيرة في كل شيء، وحين قتل بطريقة هو يستحقها لا محالة ، جن جنون الكثيرون وأصبحوا على فزع وخوف مما ينتظرهم غدا، واصبغوا على صريعهم كل العبارات التمجيدية وكأنه كان يحكم دولة نائية ومتخلفة وخلال حكمه نقلها إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، هذا البؤس الذي رأيناه في شعب طالما كرر بأنه لا جدوى من تعدد الأسياد ، وأكتفوا بسيد واحد على مدار ثلاثة وثلاثون عاما ، هو للأسف الشعب اليمني الذي ورغم أنه عاش وعاصر كل هذا الظلم والخراب على يد الطاغية ، إلا أنه أصر ان يجعل منه شهيدا عند مصرعه، لذا فأن دارسة النفسية اليمنية باتت أمرا ملحا، نحتاج إلى من يغوص في جيناتها ويبحث عن مسبباتها من ذوي الاختصاص، فمن خلال معرفة السبب يسهل حينها طرح العلاج.

 لكن ما أعرفه يقينا، بأن اليمن وبعد رحيل حاكم مستبد جثم على أنفاسها أكثر من ثلاثة عقود ستكون في حال أفضل، وأن السيء جدا عندما يرحل، فليس من المؤكد ان يأتي اسوء منه، وخاصة إذا كان هذا السيء هو قاع الخراب ومنتهى الدمار.

 رحيل علي عبدالله صالح بتلك الصورة المهينة كان امرا لا بد منه، لأنه و برحيله ستُفتح الخيارات على مصراعيها، وتصبح الحرية امرا موجودا كأحد أهم الخيارات المطروحة بعد أن اقصيت تحت مختلف المبررات والحجج.

 أن تتخيل يمن بدون صالح، هو خيال ولا شك خصب وممتلئ آمال وطموح، بل وممتلئ رغبة ببناء حقيقي لوطن لم يكل ولم يمل يوما الطاغية من تدميره بطريقة منهجية، وأصبح المجال متاحا لبناء جيل معافى وسليم يمتلك الأسس الحقيقية للمعاني الأخلاقية التي طالما تم تشويهها سابقا.

 نستطيع الان ان نبني المدارس والمستشفيات الحقيقية والمعاهد التعليمية وأن ننشئ جيش وطني يدين بالولاء للوطن ، ونستطيع ان نضع أي نظام للحكم متفق عليه دون ان يفرغ من محتواه مثلما كان يفعل الطاغية في فترة حكمه، اليمن القادم هو يمن للجميع لا لطائفة او قبيلة او جماعة معينة، هذا ما نراه وهذا ما نأمله، هذا هو الأمل رغم أننا نعرف ان تداعيات حكمه سنظل نعاني تباعتها لسنين طويلة، لكن بسواعد هذا الشعب الطيب سنستطيع أن نقلل من أثر تلك التداعيات وان نتجاوز أرثه الفاسد والمدمر وستكون لدينا خبرة جيدة في فهم نفسية اية طاغية آخر يحاول ان يستخف بالعقول ليمارس هوسا استبدادا يشبه هوس و استبداد علي عبدالله صالح.