هدى العطاس تكتب لـ(اليوم الثامن):

ليس من حق طرف إدعاء أنه ماء وأن القوى الأخرى تيمم

لطالما في جميع اللقاءات وورش العمل والندوات الدولية التي حضرناها حول اليمن بشكل عام أو حول الجنوب حصرا، يبدو التمثيل الجنوبي في أشد حالات الشتات والفرقة، بل ويكرس الصورة النمطية المدلسة التي تروج لها القوى الشمالية عن الجنوبيين، بأنهم لا يمكن أن يتفقوا. لذا كنا في جميع تلك اللقاءات نؤكد بأن خلاف الجنوبيين سينتهي ويصبح من ماض تاريخهم لو سنح لهم أن يجلسوا على طاولة مستديرة واحدة، ويناقشوا قضاياهم دون وجود الطرف الشمالي وتدخلاته. ولذا كان مطلبنا دائما - ولا اقصد نفسي بل عديد جنوبيين حضرنا معا بعض تلك الفعاليات والمؤتمرات- تأكيد ضرورة ان يقوم المجتمع الدولي أو بعض المنظمات التي لها علاقة بمراكز القرار الدولي رعاية لقاء جنوبي جنوبي ، بل ذهبنا بعيدا في طرحنا حيث طالبنا بلقاء جنوبي جنوبي، ولقاء شمالي شمالي، فالشمال تعتريه الصدوع السياسية والاجتماعية بل والثقافية بشكل اعمق وأخطر، مما هو عليه الجنوب، ومن ثم مخرجات اللقاء الجنوبي واللقاء الشمالي، الخروج بطرفين يمثلان توافق لقوى الجنوب وكذلك لقوى الشمال ليجلسا الطرفان بعدها على طاولة تفاوض جنوبية شمالية.

غير أنه درج مؤخرا للأسف إذا تحدث أحد ما عن ضرورة وجود هذا اللقاء أو الحوارأو التنسيق أو المؤتمرالجنوبي الجنوبي، تحسس اعضاء المجلس الانتقالي ومناصروه ومنافحوه مسدساتهم، كما تقول العبارة الشهيرة.
الأكيد أننا جميعا نناصر الانتقالي، ولكن لا يمكن للأنتقالي أن يدعي فردانيته وأنه لا شريك له، ووحده الممثل الشرعي والوحيد للجنوب، وإن فعل ولا أظنه يفعل، فأنه يعيد للأذهان التجربة المريرة للحزب الاشتراكي، ووحدانية فكره الشمولي التي فرضها بالعسف والقوة، الفكر الذي لم يعد مقبولا وعفا الزمن على ايديولوجية كهذه في إدارة الحياة السياسية. 
والأمر ذاته ينطبق على الشرعية ممثلة بالجنوبيين في داخلها التي عمدا تتغافل بل وتقفز على بقية القوى السياسية الجنوبية، وفي أحسن حالاتها تنتحل قوى تشكلها على مقاسها كما حدث في مؤتمر الحوار.

لا يمكن لأي طرف سياسي جنوبي، أن يحل بديلا متفردا عن قوى جنوبية أخرى تقاسمه نفس الهدف والتوجه ولكنها لا ترتضي، ولا يناسبها، بل ليس بالضرورة أن تكون تحت جناحه وهيمنته، قوى ومكونات سبقته في حراكها السياسي وراكمت تاريخا كحركة (تاج) مثالا، وهي أكثر الفعاليات الجنوبية السياسية ديناميكية وحركة، واشتغالا على توصيل ملفات القضية الجنوبية ومطلبية شعبها في الاوساط الاوروبية وتواصلت ونسقت واقامت فعاليات مع الاتحاد الاوروبي ومجلس العموم البريطاني...الخ. وتضم شخصيات وكوادر سياسية مخضرمة، وقد شكلت حضورها بجهدها، دون دعم من طرف خارجي، أو جهة ما، بل من بذل اعضائها ونزر معاشهم وقوت اولادهم. 
وليس من المنصف أن يقال ولو بشكل ضمني وغير مباشريقال لقوى سياسية فاعلة، أعتزلي أو تلاشي وذوبي فينا، أو توقفي فلم يعد لك لزوم. وهناك قوى جنوبية كثيرة ونحن هنا لا نتحدث عن الاحزاب ذات المنشأ الشمالي، ولكن حتى تلك الاحزاب كا "الاصلاح والمؤتمر" لن تعدم من اعضائها الجنوبيين الذين نحن على ثقة تامة بأنه حينما تحدد الخيارات والمصالح لن يختاروا سوى الجنوب ومصلحته.

وبالتالي فأن ضرورة العمل على لقاء هذه المكونات او التنسيق فيما بينها ويفضل لو يتم الأمر برعاية دولية، للخروج بشكل تنسيقي ما يجمعها، ويقضي على شتات موقفها وكلمتها أمام المجتمع الدولي، في إطار يحفظ لكل مكون أو تجمع أو قوى سياسية موقعها ومكانها ومكانتها. على خط افقي للجميع لا يمايزهم عن بعض سوى اثبات فاعلية وحركة وقدرات كل منهم في إدارة الشأن السياسي الجنوبي، وخلقه أثرا حقيقيا وواقعيا للسير بالقضية الجنوبية وحلها في سياق إرادة شعبها.