مملكة عربية جنوبية ضاربة في القدم
دولة حضرموت أو الجنوب العربي .. لا فرق
حضرموت .. مملكة عربية جنوبية ضاربة في القدم وما زال اسمها حياً ومتجدداً يتردد في الأفئدة والوجدان، ولها أن تفخر على كثير من الدول التي وجدت قبل الميلاد ثم ماتت اسماؤها وأصبحت في خبر كان..فيما بقي اسم حضرموت خالداً على مر الزمان ..ومعروف أن إمتداد حضرموت الجغرافي وعمقها الحضاري يشمل كل مناطق الجنوب العربي، أو معظم جنوب الجزيرة العربية.
ولا خلاف أن الدول والممالك تعيش وتموت وتضمحل، وتختفي أسماؤها أو تتغير ولعل حضرموت استثناءً في جزيرة العرب، ومثلها مصر في شمال افريقيا.. وسيكون فخرا لنا أن تحمل دولتنا المنشودة هذا الاسم الذي نفخر ونفاخر به وبأهله، وأن نعيد له المجد الذي كان، فقد تجاوز اسم حضرموت حدود الزمان والمكان ووصل إلى مسامع الأغريق والرومان وذكر مؤرخوها اسم حضرموت أو مملكة اللبان في مؤلفاتهم..
قد يقول قائل إننا نتخلى عن يمنيتنا، فأقول ومتى كان مسمى اليمن دولة أوهوية سياسية وانتماء وطنياً؟!!.. فمثلها مثل الشام الذي يعني جهة الشمال، وضَمّ ويضُمّ كمنطقة أو جهة جغرافية واسعة دولا قديمة لم تحمل اسم الشام وكذا الدول الحديثة كسوريا ولبنان والأردن وفلسطين..وبالمثل اليمن التي تعني جهة الجنوب وتشمل بمفهومها التاريخي مناطق واسعة الأرجاء من جنوب الجزيرة العربية وتعني كما وردت في المصادر التاريخية كل ما كان على يمين الكعبة، أي جهة الجنوب، ولم يكن اسم اليمن يعني قط هوية أو دولة قائمة بصفتها (اليمنية) اللصيقة بها. فمثل هذه الهوية أو الدولة أو المملكة لم نجد لها أثرا في التاريخ القديم, ولا في التاريخ الإسلامي..وهكذا فأن التعريف التاريخي لليمن في المصادر التاريخية والجغرافية العربية لا صلة له بالهوية الواحدة أو الشعب الواحد. كما نعرف أيضا في التاريخ القديم أن كل الدول والممالك والكيانات الكثيرة التي قامت في جنوب الجزيرة العربية لم تَتَسمَّ أيٌ منها باسم (اليمن) . ونشير إلى أن الدول القديمة مثل سبأ وحمير ومعين وقتبان وحضرموت وأوسان غيرها كانت تؤمن بوحدتها وتاريخها ولغتها المشتهرة, ولم تكن تجعل من الجهة تعريفاً عن هويتها, ولم يحدث أن خاضت حروباً باسم وحدة اليمن....أو رفعت اسم اليمن كمسمى جامع لوحدة سياسية ... وقد أنكر الأديب الكبير عبدالله البردوني فكرة أو مفهوم "إعادة توحيد اليمن" كاشفاً أنه لم يتحد عبر التاريخ وإنما تخضع الجغرافية لأنواع من السيطرة الداخلية (انظر:أحمد عبدالله الصوفي, الاعتراف المنيع في المسألة اليمنية, صنعاء, 1999م, ص129, 179).
ومع بداية عشرينات القرن الماضي فقط, ظهرت ولأول مرة في التاريخ دولة تحمل صفة أو مسمى اليمنية هي المملكة المتوكلية اليمنية 1918.. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الاسم لصيقا بها وبمناطق نفوذها السياسي..ثم احتفظت الجمهورية العربية اليمنية بالاسم بعد الانقلاب الذي أطاح بالنظام الإمامي..
أما الجنوب العربي فلم يُنسب قط إلى أية دولة بصفتها اليمنية لا في القديم ولا في الحديث وحتى عام 1967م عُرف باسماء سلطناته ومشيخاتها المحلية التي كانت تُعرف بسلطنات ومشيخات الجنوب العربي ثم توحدت عشية الاستقلال باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية, ولهذه التسمية ملابساتها التي بدأت خيوطها تتكشف الآن ولسنا بصددها هنا.
وحتى الوحدة اليمنية التي سُلقت بين عشية وضحاها وغُدر بها في يوم حالك السواد صيف 94م لم يتبق من المشاعر نحوها ولا مثقال ذرة في نفوس الشعب في الجنوب. وهو اليوم قد حسم خياراته وغدا أكثر تمسكا باستقلاله وهويته الجنوبية, ولم تعد الهوية اليمنية بالنسبة له سوى كونها انتماءً جغرافيا لجهة جنوب بلاد العرب, كما حددتها كتب التاريخ القديم, وكما كانت لدى أمرئ القيس الكندي الحضرمي. وليس لشعب الجنوب اليوم صلة بهوية يمنية سياسية مختزلة بمسمى(الجمهورية العربية اليمنية) كنظام سياسي قبلي انقلب على الشريك الجنوبي وتحول إلى محتل لأرضه. فهويته إذاً عربية جنوبية, ومن حقه أن يستعيد دولته باسمها الذي دخل فيه شريكا (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) أو يختار لها, بعد ذلك, أي مسمى جديد يرغب فيه وهذا من حقه وهو من يقرر ذلك. فالمغرب تسمى ببساطة المملكة المغربية (هكذا), وهذا لا يلغي ولا ينتقص من عروبتها أو انتمائها لمحيطها العربي. كما أن تسمية الإمارات الشقيقة بهذا الاسم لم ينتقص من عروبتها ولم يكن عائقا أمام اتحادها الأخوي النموذجي الذي دخلت به بقوة ركب الحضارة والتطور.. وأصبح المواطن فيها يفخر بالقول (أنا إماراتي) مع أن مدلول الكلمة اللغوي نسبة للإمارة، لكنها أصبحت هوية وانتماء بالنسبة لمواطني الإمارات..
ومن حق شعبنا أن يحدد اسم دولته حسب قناعاته، وشخصيا سبق لي أن اقترحت إطلاق تسمية دولة حضرموت على جنوبنا الجديد, فقد كان الجنوب في غابر الزمان منضويا في إطار مملكة حضرموت العريقة, فضلا عن ما لاسم حضرموت من مكانة وحضور متميزين في الماضي والحاضر وكان لأهلها فضل نشر الإسلام بحسن سيرتهم وأمانتهم وكسبهم لثقة الجميع, وصدق معاوية بن أبي سفيان حين أوصى واليه على مصر عمرو بن العاص بقوله:" لا تولِّ عملك إلاَّ حضرميا فإنهم أهل أمانة"..
وبعد كل هذا ..ألا يكون هذا الاسم مبعث فخر لنا..