د. ابراهيم ابراش يكتب:

صفقة القرن وسباق الدبلوماسية والحرب

جهود واتصالات أميركية مكثفة علنية مع دول عربية وسرية وعبر وسطاء مع أطراف فلسطينية لاستكمال إخراج ما تسمى صفقة القرن أو صفقة العصر، وكأن هناك سباق بين الجهود السياسية لتمرير صفقة القرن وقرع طبول الحرب من إسرائيل كجزء من سيناريو حرب قادمة تلوح في الأفق لفرض صفقة القرن.

صفقة القرن تسوية فرض الأمر الواقع
بغض النظر عن المسمى وعما إن كانت تسوية لإنهاء الصراع أم لتجديد أدوات وشكل إدارته فإن الرئيس ترامب وفريق إدارته وظفوا متغيرات ووقائع تراكمت خلال سنين ليبنوا عليها مشروع التسوية الجديدة الذي باشرت إدارة ترامب تطبيقه حتى قبل الإعلان عنه، وذلك من خلال إجراءات وقرارات الرئيس ترامب وإسرائيل حول القدس واللاجئين وتعطيل الجهود الفلسطينية في مجلس الأمن وما يجري من اتصالات ومشاورات حول مستقبل قطاع غزة.
المرتكزات التي يعتمد عليها مشروع التسوية الجديدة (صفقة القرن):
وصول مشروع التسوية السياسية الذي عنوانه اتفاقية أوسلو لطريق مسدود وغياب أي حراك دولي جاد لتسوية بديلة.
الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل بمباركة أميركية في الضفة والقدس من استيطان وتغيير ديمغرافي، وفيما يخص قضية اللاجئين من خلال محاولة إنهاء خدمات الأونروا.
فشل المراهنة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدا لإنصاف الشعب الفلسطيني قي قيام دولته المستقلة.
تجاهل قرارات الشرعية الدولية حول القضية الفلسطينية.
الانقسام الفلسطيني والإفشال المُتعمد لكل جهود المصالحة.
ضعف السلطتين القائمتين في الضفة وغزة.
الاشتغال الممنهج على قطاع غزة لخلق أوضاع إنسانية تهدد بالانفجار مما يتطلب حل سريعا.
فوضى الربيع العربي وانهيار معسكر الصمود والمقاومة في مقابل بوادر استعداد للتطبيع مع إسرائيل والالتفاف على المبادرة العربية للسلام.
المعادلات والتحالفات الجديدة في المنطقة التي تغير من طبيعة الصراع في الشرق الأوسط وأطرافه.
لأنها مشروع تسوية أمر واقع فإن علاقة قوية توجد ما بين صفقة القرن والانقسام الفلسطيني والإفشال المُتعمد للمصالحة. الرفض الفلسطيني الرسمي المُعلن للصفقة مثله مثل التهوين من الصفقة والقول بأنها مجرد فزاعة أو ولِدت ميتة لن يوقف مسار مشروع التسوية إن اقتصر على مجرد الرفض أو التجاهل، الرفض دون استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة الصفقة قد يؤول إلى قبول ضمني.
قد يقول قائل إن الحديث عن صفقة القرن ظهر حديثا مع ترامب منذ حوالي العام فقط بينما الانقسام وفشل المصالحة يعودا لأكثر من عقد من الزمن، وهذا كلام صحيح من حيث التسلسل الزمني والمسميات، ولكن من يرجع إلى ما تسرب عن صفقة القرن وما يتم تنفيذه منها سيجد أنها تُبنى وتؤسس على الأمر الواقع الذي نتج عن فشل تسوية أوسلو وعن الانقسام وتداعياته من حيث خروج غزة عن سيطرة السلطة وخلق أوضاع إنسانية صعبة في غزة تدفع الناس فيه لأي حل، وما تقوم به الإدارة الاميركية هو تحويل هذا الأمر الواقع إلى صفقة سياسية توافق عليها كل الأطراف أو أغلبيتها، علنيا أو ضمنيا، مع إدخال تعديلات على أطراف المعادلة وجغرافيا المنطقة.
هل ستكون الحرب مدخلا لتمرير صفقة القرن؟
صفقة القرن ليست مجرد افكار محل تداول بل مخطط يجري تنفيذه عمليا والمشكلة تتمحور حول كيفية تكريسها رسميا، وفي هذا السياق يوجد سيناريوهان رئيسيان:
السيناريو الأول: تمرير الصفقة سلميا من خلال:
أن لا تعلن الإدارة الأميركية عن الصفقة رسميا فيما تستمر وإسرائيل في تنفيذ بنودها ووضع العالم أمام الأمر الواقع كما جرى بمسألة القدس ويجري بخصوص قضية اللاجئين وبفصل غزة عن الضفة.
أن تعلن واشنطن عن صفقة القرن من طرف واحد وتقوم إسرائيل بما عليها من استحقاقات بمقتضاها دون موافقة أي طرف فلسطيني وهذا يعني استمرار الأمور على حالها في غزة والضفة مما سيؤدي لتآكل سلطتي الضفة وغزة.
أن يوافق طرف فلسطيني على التعامل مع الصفقة.
عقد مؤتمر على شاكلة مؤتمر مدريد 1991 لتمرير التطبيع مع إسرائيل والتخلي عن المبادرة العربية للسلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، يتبعه اتفاقية جديدة على شاكلة اتفاقية أوسلو ولكن أكثر سوءا ليتنازل الطرف الفلسطيني من خلالها عن حق العودة والحق في القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
السيناريو الثاني: أن يتم تمرير الصفقة عن طريق حرب.
وهذا سيناريو أكثر كارثية من الأول وهدف هذه الحرب ما يلي:
تدمير ما يمكن تدميره من مواقع المقاومة وقياداتها وزيادة الأوضاع الإنسانية في غزة صعوبة.
 افتعال حرب أهلية في قطاع غزة حول مَن يحكم قطاع غزة، وفي هذه الحالة سيتم نقل مركز ثقل السلطة من الضفة إلى غزة بحيث يتم تصفية الحالة الوطنية في الضفة الغربية إما لصالح تقاسم وظيفي مع الأردن أو ضمها لإسرائيل، وحلول السلطة الوطنية محل سلطة حركة حماس في قطاع غزة، أو استجلاب طرف ثالث ليحكم قطاع غزة.
تهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى شمال سيناء، وفي هذا السياق نذكر بما جرى بداية الأحداث في سوريا حيث تدفق ملايين السوريين إلى دول الجوار بتواطؤ دولي وتحت مبررات الأوضاع الإنسانية.
استدعاء تدخل دولي للتعامل مع الواقع الجديد وقد يتم إرسال قوات دولية للقطاع.
فرض دولة غزة.
في جميع الحالات فإن هذه الصفقة لن تنهي الصراع أو تحقق السلام حتى وإن شاركت فيها أطراف عربية وقد يكون مصيرها مصير اتفاقات مدريد وأوسلو وتستمر لعقود مع إدارة جديدة للصراع.
حتى مع موافقة طرف فلسطيني على الصفقة، رسميا أو ضمنيا، فلن ينتهي الصراع لأن الطرف الفلسطيني الذي سيوافق إما أن تكون حركة حماس وهي لا تمثل الشعب الفلسطيني، أو منظمة التحرير وفي هذه الحالة ستفقد أهليتها لتمثيل الشعب الفلسطيني الأمر الذي سيدفع غالبية الفلسطينيين لتأسيس منظمة تحرير جديدة أو كيان سياسي جديد يمثل حالة الرفض لتسوية الأمر الواقع، مع عدم تجاهل إمكانية إيجاد طرف فلسطيني ثالث مستعد للتعامل مع الصفقة.
وفي الختام نتمنى أن لا تدفن القيادات الفلسطينية رأسها في الرمال مجددا، فبعد ربع قرن اعترفت بفشل تسوية أوسلو وعدم نزاهة الوسيط الأميركي! وبعد أحد عشر عاما نسمع تصريحات من قيادات في منظمة التحرير والسلطة بوجود مخطط لفصل غزة عن الضفة وتتراشق حركتا فتح وحماس الاتهامات بالمسؤولية عن الانقسام! وما نخشاه أن نسمع من نفس القيادات بعد حين اكتشافها وجود مخطط يتم تنفيذه يسمى صفقة القرن وتتراشق الاتهامات مع بعضها البعض عن المسؤولية عن تمرير هذه الصفقة!