د. ابراهيم ابراش يكتب:

قانون القومية الإسرائيلي والميثاق الوطني الفلسطيني

في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل وتتواصل الخلافات حول منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان ومرجعية للوطنية الفلسطينية وتلتبس فيه الثوابت والمرجعيات الوطنية ويتكرس الانقسام، تضع إسرائيل قانون القومية اليهودي الذي تتوحد فيه الوطنية القومية واليهودية.

إذ نستحضر منظمة التحرير والميثاق الوطني أو قانون الوطنية الفلسطينية الذي تم التلاعب به حذفا وتعديلا لبعض مواده في دورة غزة 1996 فلأن من صاغ قانون القومية اليهودي وكأنه وضع أمامه الميثاق الوطني الفلسطيني وصاغ قانونه بما ينسف ويتعارض كليا مع الوطنية والرواية الفلسطينية كما عبر عنهما الميثاق الفلسطيني. ونلاحظ ذلك من خلال المواد الأساسية التالية في كلا الوثيقتين:

في المادة الأولى من القانون اليهودي والتي تحمل عنوان المبادئ الأساسية والتي تُعَرف إسرائيل وشعبها فقد جاءت كما يلي:

(أ‌) "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل."

يقابلها في الميثاق الوطني الفلسطيني المادة 1 ونصها:

"فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية."

وحول حق تقرير المصير جاء في المادة الأولى لقانون القومية الإسرائيلي:

(ب) "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير."

(ج) "ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي."

يقابلهما في الميثاق الوطني الفلسطيني:

المادة 2: "فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا تتجزأ."

المادة 3: "الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه، ويقرر مصيره بعد أن يتم تحرير وطنه وفق مشيئته، وبمحض إرادته واختياره."

وبالنسبة للعلاقة بين أبناء الشعب الواحد وإذا ما تجاوزنا المغالطة الخطيرة في تعامل القانون الإسرائيلي مع اليهود كأمة وليس كدين، فقد تطرقت لها المادتان الخامسة والسادسة كما يلي:

ففي المادة الخامسة من قانون القومية اليهودية وتحت عنوان لم الشتات جاء:

"تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات."

وفي المادة السادسة وتحت عنوان "العلاقة مع الشعب اليهودي" جاء:

"(أ‌) تهتم الدولة بالمحافظة على سلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها، الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهودا، أو مواطنين في الدولة.

(ب‌) تعمل الدولة في الشتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي.

(ج‌) تعمل الدولة على المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي، لدى يهود الشتات."

أما في الميثاق الوطني الفلسطيني فهذه المواد يقابلها المواد من 4 إلى 7 وجاءت كما يلي:

المادة 4

"الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وإن الاحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وانتمائه الفلسطيني ولا ينفيانها."

 المادة 5

 "الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947، سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني."

 المادة 6

"اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها، يعتبرون فلسطينيين."

المادة 7

"الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين حقائق ثابتة، وإن تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كافة وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً، وتأهيله للنضال والكفاح المسلح، والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير واجب قومي."

وفي كلا الوثيقتين تم النص في نهاية الوثيقة على آلية تغيير الوثيقة. بالنسبة لقانون القومية اليهودي جاء في المادة 11 وتحت عنوان نفاذ القانون      

 "أي تغيير في هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست."

 

وبالنسبة للميثاق الوطني فجاء في المادة الأخيرة (33):

"لا يعدل هذا الميثاق إلا بأكثرية ثلثي مجموع أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في جلسة خاصة يدعى إليها من أجل هذا الغرض."

أما التباينات الأخرى وخصوصا من حيث عدد مواد الوثيقة فترجع إلى أن الوثيقة الإسرائيلية عدد موادها 11 مادة فقط لأنها تتحدث عن دولة قائمة ويوجد قوانين أخرى تنظم شؤونها، بينما الوثيقة الفلسطينية فعدد موادها قبل التلاعب بها في دورة غزة 33 مادة لأنها تتحدث عن حركة تحرر وطني ولا توجد قوانين أو تشريعات سابقة تنظم أمور الفلسطينيين.

هذا القانون العنصري الذي يؤسس رسميا وقانونيا لإسرائيل جديدة يستدعى تحركا عاجلا فلسطينيا ودوليا وعدم الاكتفاء بالخطاب النخبوي الفوقي الممجوج حول رفض القرار ووسمه بالعنصرية ومناشدة العالم بالتدخل الخ.

على المستوى الفلسطيني فإن هذا القانون الإسرائيلي يأتي في ظل نظام سياسي فلسطيني يزداد ضعفا كما ينتابه خلل في مرجعياته وقوانينه الموحدة والناظمة حتى قانون الوطنية الفلسطينية (الميثاق الوطني الفلسطيني) أصبح متجاوَزا حيث تم حذف وتعديل المواد الأساسية في دورة المجلس الوطني في غزة 14 – 2- 1996 مما اضعف مضمونه الوطني، الأمر الذي يتطلب رد الاعتبار للوطنية الفلسطينية كما صاغها وعبر عنها الميثاق الوطني الفلسطيني وسرعة الدعوة لمجلس وطني توحيدي، وأن تأخذ الأحزاب الفلسطينية ذات التوجهات الدينية وخصوصا حركة حماس العبرة مما يجري في إسرائيل وتقوم بتوطين أيديولوجيتها الدينية وإعلاء شأن الوطنية الفلسطينية والتوقف عن الاشتغال على دولة غزة لأنه في حالة الفصل النهائي لقطاع غزة يصب ليس فقط في خدمة صفقة القرن بل أيضا يعزز قانون القومية اليهودي الذي سيطبق على كل فلسطين ما عدا قطاع غزة.

ودوليا، مطلوب من الأمم المتحدة وكل منظماتها ومن الدول التي تعترف بإسرائيل أن تحدد موقفها من إسرائيل الجديدة، فالأمم المتحدة اعترفت بإسرائيل على اساس قرار التقسيم 1947 والدول اعترفت بها إما على أساس حدود قرار التقسيم أو على أساس حدود ما قبل حرب حزيران 1967. القانون الجديد يلغي الحدود السابقة ويتحدث عن إسرائيل التوراتية وبالتالي فإن عدم اتخاذ موقف دولي من هذا القانون الإسرائيلي يعني مباركتها لما يتضمنه هذا القانون من عنصرية وانتهاك للقانون والشرعية الدولية.