بكر أحمد يكتب لـ(اليوم الثامن):
برحيل بن دغر.. هل يتوقف مارثون الفساد
نحن نعلم أنه من ابجديات العمل السليم والتنمية هو القيام بذلك العمل دون ان تمس شيء من مخصصاته، لأن المساس بمخصصات العمل المراد القيام به يعني ان العمل سيكون ناقصا أو ربما انه لن ينتهي وسيتعطل بحجج كثيرة، لذا قيل بأن الفساد هو تعطيل للتنمية، هذه الأمور هي من بداهات الحياة في الأوضاع الطبيعية، فما بالكم اذا كانت البلاد تعاني حربا ومجاعة وتدميرا شبه كاملا لكل البنية التحتية المهترئة ، هنا يصبح الفساد ليس امرا مزعجا أو مخالفة للقانون، بل يصبح عملا لا أخلاقيا ويحمل سمات لا يمكن وان تتصف بها الإنسانية، لأن من يمد يده للمال العالم في ظل هكذا ظروف، فهو هنا كمن يسرق لقمة من فم طفل يعاني من فرط سوء في التغذية وانه وبدون هذه اللقمة سيموت لا محالة، ومع ذلك تمد الف يد ويد نحو فم ذلك الطفل حتى تجف عروقه وتنطفئ أنفاسه، هو يموت ، وهم تتكدس أموالهم في البنوك دون ان تتحرك ضمائرهم.
الفاسد في الحرب هو رجل عديم الرحمة واناني ومستعد ان يقوم بأي شيء لأجل ان يستمر فساده، لأن من يتجاوز بفساده هذا الخط، وأعني خط الحرب، فلا شيء يمكن ان يردعه.
لذا هل هنالك شخص ما في هذا الوطن يعتقد بان بن دغر وحكومته كانوا أشخاصا جيدون، هل هنالك وزير ما نستطيع ان نشير اليه كشخص استطاع ان ينجز ولو الجزء اليسير من مهامه بالشكل المطلوب؟
خلال كل المدة التي قضى بها ابن دغر يرأس هذه الحكومة لم يلحظ المواطن أي شيء ملموس يعود عليه بالنفع، ليس هذا وحسب، بل خسر ما كان متوفرا، فتردت الخدمات بشكل كارثي وانهارت العملة وزاد التضخم والغلاء وانتشرت المجاعة والأمراض والأوبئة، وكل ما كنا نجده من تلك الحكومة هو التجاهل وعدم الاكتراث، بل كان هنالك شيء من الاستفزاز عندما يتحدث بن دغر عن منجزاته بطريقة تهريجيه ومبتذلة.
انتشر الفساد، وأصبح كالمارثون، الكل يتسابق حتى يضع يده على كل ما هو متاح وغير متاح، وأصبحت شراء القصور والفلل في عواصم العالم سمة فارقة لدى الوزراء، بل أصبحت علامات الثراء واضحة على قسماتهم وملابسهم، وأصبح العالم يشير اليهم بأن اليمن تمتلك وزراء اثرياء وشعب جائع لا يجد ما يسد به رمقه.
كل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع الرئيس هادي، هو يشاهد الوضع المتردي، ويلاحظ الفساد، ويعرف جيدا بأنه هناك انهيار اقتصادي جعل كثير من الأسر والعوائل تنتقل من حالة الستر الى الفقر الشديد والجوع، الرئيس هادي مطلع على الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ويلحظ ولا شك حالة التذمر التي منتشرة بين الشعب، بالتأكيد هو يعرف كل هذا لأنه من الصعب علي ان أتصور خلاف ذلك، ومع ذلك كان مصرا وبشكل مستغرب تمسكه بحكومة ابن دغر، كان يرفض أي مس بها، ثم فجأة يصدر قرارا بإقالته وإحالته الى التحقيق.
بكل الأحوال، فأن إقالة ابن دغر امر جيد، فالرجل إضافة إلى انه غير كفوء، فهو أيضا كان مظلة واسعة لكل الفاسدين في حكومته، ورجل كل منجزاته عبارة عن صفر كبير، هو رجل يجب ان لا نحزن على رحيله ومغادرته السلطة.
لكن هل هذا يكفي، وجميعنا يعرف ان قرار إحالته إلى التحقيق هو قرار غير قابل للتنفيذ، وأيضا بقاء الوزراء كما هم، فهذا لن يغير الشيء الكثير في نمط سير الحكومة، فحكومة لا ترتبط فعليا بمواقع عملها وتعيش على مدار السنة خارج الوطن، هي حكومة لن تستطيع ان تنجز أي شيء غير المزيد من الفساد.
لا يمكن ان نظلم ابن دغر، ونعلق عليه مشجب الفساد وحيدا، فهو في الأخير أحد رجالات الطاغية علي عبد الله صالح الشخص الذي أسس جيدا للوعي الثقافي الفاسد في اليمن، وقرب الفاسدين منه، وابن دغر كان أحد أكثر المقربين منه، ونمطية عمله في الحكومة التي اقيل منها تتسق تماما مع ماضيه السياسي ولم يكن أحد يتوقع منه شيء مختلف، لكن نأمل بأن يكون مستقبل الحكومة الجديدة شيء أفضل، وان نلحظ ولو قليلا خفوت في التسابق على الفساد وان نلمس ولو شيء يسير يؤثر على حياة المواطن البسيط.
هذه المرحلة التي تمر بها اليمن، هي مرحلة تاريخية بمعنى الكلمة ولن ينساها ثلاثة أجيال (الأجداد والأباء والأبناء) وستظل عالقة في جذورهم العقلية فترة طويلة، وكل من يتولى المسئولية الان سيبقى اما بطلا او مجرما وفاسدا، ورغم علمي بان الفاسد لا يهتم كثيرا بتقييم الآخرين له، إلا ان التاريخ لا يرحم إطلاقا، وأن احتمال ان يحدث شيء في اليمن يمنح الشعب المقدرة على محاكمتهم هو امر وارد جدا وغير مستبعد.