ياسر علي يكتب لـاليوم الثامن)

جنوب الشباب وتنظير الكهول

 كعادتي أقوم بجولتي المعتادة مبحراً بين صفحات المحيط الأزرق الفيسبوكي، أجدف يمنة ويسرة، وأسبحُ في غوره العميق.

 البداية المعتادة تفقد صفحات أصدقائي المقربين، جُلهم من الشباب، ثم أخذ وجبتي الدسمة من صفحات اساتذتنا اولئك الكبار عمراً ومقاماً، الذين ينثرون اللؤلؤ في صفحاتهم، مخاطبين عقول ابناءهم الشباب بلغة راقية، وبين كل سطر وآخر ينقلون خلاصة تجاربهم إلى جيل جديد وثقوا فيه، ليحمل المشعل من بعدهم.

 إلا أنه يستوقفني دائماً أمر هام جداً: فمن حين لآخر أعرج على صفحات بعض السفراء، ووكلاء الوزارات، ومن كان لهم منصب في البعثات الدبلوماسية تحديداً، او حتى أصحاب الرؤى السياسية المختلفة ممن يتصدر المشهد بصفته سياسي مخضرم، او القائد الملهم !! واثناء تنقلي اصاب الدهشة والصدمة في آن واحد!!

 كل ما اجده في معظم صفحاتهم انفصام عن واقعنا المعاش، كثير منهم يطل من برجه العاجي، لينثر كلماته على حائطه، كملك ينثر الفتات على رعيته!! كلمات منمقة عميقة جزلة، اقرب للتنظير الذي لا يواكب طبيعة المتغيرات على الأرض!! خطاب لا يحاكي عقل الشباب ولا يقترب حتى من لغتهم الجديدة!! وكأنه خطاب موجه للفيفهم فقط ومن دار في فلكهم، ومع الوقت تشعر ان هناك فجوة آخذة بالاتساع بين اولئك، وبين الشارع الذي يخاطبونه.

 ليست الغرابة هنا، فللإنسان حق اختيار اسلوبه الذي يريد، الامر المثير للسخرية، هو ذلك التعالي الذي تراه في حديث بعضهم عن أن الشارع لا يدرك مصلحته، وان المصلحة تكمن في فهم واستيعاب ماكتبوه، وان الخلل يكمن في الشعب لا هم، بل ان البعض يتوهم أنه صالح لكل زمان ومكان، فلا رأي صائب الا ما يقوله، وأن شباب اليوم ليسوا سوى مندفعين متحمسين، لا يملكون رؤيا أو ثقافة، وأن الخطوات الصحيحة لابد أن تبدأ من عندهم فقط.

 البعض يعيش في عالمه الخاص، ولعله اوقف ساعة الزمن عند مرحلته التي عاشها، وانغلق على نفسه، والآخر لا يستصيغ التخلي عن مصطلحاته بحجة الارتقاء بالذوق العام!! متناسياً أن من الحكمة مخاطبة الناس بما يعقلونه دون اسفاف او انحطاط، فالأهم هو تقريب الافكار وتبسيطها، لضمان انتشال الناس، لا أن نبقى في مكاننا ونطالب الناس بالتسلق ليصلوا الينا.

 ويبقى السؤال الحاضر: متى ستدرك تلك النخب أن لكل زمن دولة ورجال، وأن تنظيراتهم التي ملأوا الدنيا بها هي من أوصلتنا الى ما نحن فيه، فهم كانوا رجال ذاك الزمن، والسوء الذي نعيشه اليوم ماهو الا نتاج افعالهم!! فمتى يستفيقون من غفلتهم، ويدعون شباب اليوم يقود المرحلة، فهم أكثر نضجاً مما يظنون، ولنبدأ مرحلة جديدة عنوانها المساعدة والافادة لا التحكم الوصاية.