د. ابراهيم ابراش يكتب:
قراءة متأنية لزيارة نتنياهو إلى عُمان
قد يرى البعض في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان يوم أمس واستقباله والوفد المرافق له استقبالا رسميا وكأنه حدث خارق أو مفاجئ. وفي حقيقة الأمر فإن هذه الزيارة يمكن وضعها في أكثر من إطار كما يلي:
تاريخيا كان لسلطنة عمان سياساتها الخاصة والمتميزة عن بقية الدول العربية وحتى الخليجية وكان انعزالها وابتعادها عن وعي عن مشاكل العرب والمسلمين يُصاحَب بمواقف تشذ عن المواقف العربية والخليجية سواء أن تعلق الأمر بحرب الخليج الأولى والثانية أو بموقفها من إيران حيث استمرت علاقتها المتميزة معها أو بالصراع العربي الإسرائيلي. كما كانت متحفظة دوما ورافضة منذ بداية السبعينيات لكل الأيديولوجيات القومية العربية أو الثورية أو الإسلاموية. وقد أثبتت الأيام عقلانية وواقعية السياسة الخارجية للسلطان قابوس.
كانت السلطنة من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو وكان لها مكتب تمثيل في تل أبيب ولهذه الأخيرة سفارة في عمان واستمرت العلاقة بين الطرفين لحين اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وخلال هذه الفترة جرت زيارات متبادلة بين مسئولين في البلدين.
لا تخرج الزيارة عن سياق ما نسمعه عن تطبيع سري أو متدرج بين إسرائيل ودول خليجية وقد سبق وأن أعلن نتنياهو ووزير خارجيته أكثر من مرة عن تطورات مهمة في علاقة إسرائيل بدول عربية وخصوصا خليجية. ففي نفس اليوم الذي كان نتنياهو يزور سلطنة عمان كانت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية في الإمارات العربية المتحدة، وهناك حديث عن مقابلة نتنياهو مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء الزيارة المفاجئة لنتنياهو للأردن في يونيو الماضي ولقاءات أخرى بين مسئولين سعوديين وإسرائيليين، بالإضافة إلى الزيارات المكوكية للسفير القطري العمادي لإسرائيل وللأراضي الفلسطينية.
هذه الزيارة وكل العلاقات والاتصالات بين إسرائيل ودول عربية تؤكد نجاح إسرائيل في قلب المعادلة الفلسطينية والعربية للتطبيع والمتضَمنة في المبادرة العربية للسلام والتي تقول إن العلاقة بين إسرائيل والدول العربية لن تكون إلا بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ما يثير الاهتمام أن هذه الزيارة لم تُقابل بردود فعل عربية وإسلامية قوية لا رسميا ولا شعبيا وربما يمكن تفسير الأمر بأنه لم يُعلن عنها إلا بعد انتهائها وقد يقول البعض إنها لا تعني التطبيع لأنه لم يسبقها أو يصاحبها إعلان رسمي عن إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين. إلا أننا نعتقد بأنه لن تكون ردود فعل كبيرة خلال الأيام القادمة لا في السلطنة ولا في غيرها من الدول لأنه جرت عملية تطبيع نفسي أو كي وعي للشعوب العربية بسبب قوة الإعلام والدعاية الإسرائيلية وخطاب عربي رسمي وغير رسمي عمل بجد خلال السنوات القلائل الماضية على مغازلة إسرائيل في نفس الوقت الذي تتم فيه شيطنة الفلسطينيين شعبا وقيادة، هذا بالإضافة إلى انشغال الشعوب العربية بهمومها الداخلية.
وفي هذا السياق نرسل كل آيات التقدير والاحترام للمؤسسات والجمعيات والجماهير العربية والإسلامية الثابتة على موقفها ولم تؤثر عليها سياسة كي الوعي والتي ترفض التطبيع مع إسرائيل ومستمرة في موقفها المسانِد للحق الفلسطيني.
إن كان السياق العام للعلاقة العربية الإسرائيلية وللحالة العربية بشكل عام خفف من ردود الفعل على الزيارة وقد يفسرها البعض بأنها حركة استعراضية واستفزازية من نتنياهو ليس لها هدف إلا إظهار نجاح سياساته الداخلية والخارجية وربما يوظفها في سياق الاستعداد لانتخابات مبكرة، إلا أنه لا يمكن للمتابع والقارئ للحركية السياسية في المنطقة إلا أن يضع الزيارة في سياق سياسي أكبر وخصوصا أن الزيارة جاءت بدعوة من السلطان قابوس بعد أربعة أيام من زيارة الرئيس الفلسطيني للسلطنة وقرب طرح واشنطن لصفقة القرن قبل نهاية العام، مع استمرار التوتر حول الملف الإيراني.
أن تأتي زيارة نتنياهو لعُمان في ظل وضع عربي متردٍ بشكل عام، وتصدع منظومة دول الخليج وخوفها من إيران ومن موجة جديدة من فوضى الربيع العربي قد تطرق أبوابهم، وضعف الحالة الفلسطينية وغياب أية فرص للحصول على نتائج إيجابية في حالة العودة للمفاوضات، فإن كل ذلك يدفع للتخوف من أسباب هذه الزيارة ومن المردود المتوقع منها، حتى وإن حَسُنت نوايا السلطان قابوس.
لا يملك الفلسطينيون ومن يساندهم من أحرار العالم ما يمَكِنَهم من وقف حالة التطبيع المتدرج ولكنهم يأملون ألا يكون التطبيع على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كما تقرها لهم الشرعية الدولية على أقل تقدير إن لم يشأ الزعماء العرب الالتزام بما يمليه عليهم واجبهم القومي والإسلامي والأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني.
وأخيرا ومع رفضنا للزيارة إلا أنه يجب القول بأن سلطنة عُمان كانت وما زالت تقدم وتدعم الشعب الفلسطيني بصمت دون أن تتدخل في شؤونهم الداخلية ودون أن يكون لها أجندة سياسية خاصة وموقفها هذا أفضل بكثير من دول عربية وخصوصا خليجية تقدم مساعدات للفلسطينيين في ظل بهرجة إعلامية مع استغلال هذه المساعدات للتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية ولتعزيز الانقسام وتوظيف الفلسطينيين لخدمة مصالحها وأجندتها الخاصة.