سمير اليوسفي يكتب:

لإصلاح اليمن !

بعد أن صرَّح وزير الخارجية السعودي (عادل الجُبير) بأنّ "الإخوان جماعة إرهابية"، وقال:"نعمل للقضاء على فِكرهم التدميري مع شركائنا في المنطقة".. تمنيتُ لو حدّد معالي الوزير موقف بلاده بوضوح من (تجمع الإصلاح) في اليمن، وهل هو مُصنّف عندهم من (الإخوان)، أم أنّ تنصّل رئيس الحزب وبراءته من الانتماء لتلك الجماعة قبل عامين كان كافياً ومقنعاً.. لأنّ فضائيات تابعة لدول التحالف تلجأ بين حين وآخر لمهاجمة الإصلاح، وتتّهمه بالأخونة، والتآمر مع قطر، وتنسيق المواقف مع الحوثيين. وتُنبِّش في الأدلة.. ثم لا تلبث أن تصمت، وكأنّها تكتفي بإرسال تحذير لقيادة الحزب؛ لمراجعة سياساته.. وفي الآونة الأخيرة تصاعد التراشُق في وسائل التواصل بين مؤيدي الإصلاح ومعارضيه.

كما أنَّ الواقع يؤكد أنَّ هذا الحزب المسيطر على محافظتي تعز ومأرب: مُتحفزٌّ لمواجهة المجهول.. ولم يعد نافعاً التخفي بدفن الرؤوس في الرمال، أو المواربة وإمساك العصا من المنتصف.

لقد اتسَع الخرق على الراقع.. وإذا أحسنَّا الظن بقيادة الإصلاح، وهذا أمر مهم في الظرف الراهن، فالمؤكد أنّها لم تعد قادرة على تبنّي رؤية محددة وواضحة حول سياسة الحزب وخارطة تحالفاته، ولو بعناوين وخطوط عريضة تُلزم بها أعضاءها.. كما أنّ اجترار الأحقاد والمناكفات هي المُهيمنة عليهم، مع أنّ أبجديات العمل السياسي تنصّ على أنّ العداوات والصداقات لا تستمر إلى الأبد، وينبغي أن تكون لجلب المنافع والمصالح للشعوب ودرء الضرر عنها.

على سبيل المثال، لا الحصر: يتفهّم اليمنيون مناشدة الحوثيين للأمم المتحدة بالتدخل لمنع تحرير الحديدة من هيمنتهم، لأن ذلك سيؤدي لخسارتهم (4 مليار دولار) كانوا يجنونها سنوياً، والأهم، أنّها بوابة سقوطهم السريع. لكن ما لا يمكن هضمه أن ينضمّ إليهم ناشطون منتمون للإصلاح، كانوا فترةَ مشاركة قطر في التحالف: طبولاً للحرب.. وتغيّروا في غمضة عين بعد إخراجها. كما انتابهم السّعار بعد تقدم خصمهم (طارق محمد عبدالله صالح)على رأس قوات حُراس الجمهورية مع قيادتَي: العمالقة، والمقاومة التهامية لتحرير الحديدة .

وما يزيد الوضع تعقيداً، إشادةُ قياديين حوثيين بمواقف هؤلاء الناشطين،. ناهيك عن اتفاقهم معهم على تأييد مظاهرة تعز المُسيئة للتحالف.. ومُطالبتهم للإصلاح ليكون من ركائز الحل المُرتقب؛ فيما يُقابل قادة الإصلاح تلك التّهم والدعوات بصمت مريب، يثير موجة من علامات الاستفهام. ومن المُتوقع إذا استمر هذا الصمت أن ينقُله من خانة الاتهام، إلى العداء المباشر.

مع بدء عاصفة الحزم، بادرَ الإصلاح لتأييدها ومساندتها، ببيان ومظاهرات. ظناً منه أنّها فُرصته للاستفراد بكعكة الحكم. ولم يفكر أنّ مشاركة بعض قياداته في إعلان مواقف مسيئة، ومعادية للسعودية وبعض دول الخليج -والتي طفَت إلى السطح منذ عام 2011، وتسبّبت في زيادة تعكير علاقة اليمن بأشقائه- تحتاج إلى وقتٍ طويل كي يتم التغاضي عنها، ولن تُنسى ببيانٍ حزبيّ مفذلك، أو تحشيد الأعضاء في مظاهرة صاخبة. وكان المفترض أن يتعامل هذا الحزب مع التُّهم المنسوبة له، والتصريحات المحسوبة على بعض المنتمين إليه، بما تستحقّه من مراجعة، واهتمام، وتوضيح، وقراراتٍ جادة ومسؤولة.. تنزع أشواك الشكوك، وتغرسُ بذور الثقة. أُسوة بكل الأحزاب السياسية التي لها أهداف وبرامج واضحة، وتعمل لأجل مصلحة شعوبها. أما ابتلاع الألسنة، وادعاء الزّهد والورع، والركون إلى التقوى: فليسَ سوى مخاتلة لا مكان لها في العمل السياسي.

لم يعُد اليمنيّون يحتملون المزيد من المشاق والمتاعب، ومن الواضح أنّهم ليسوا على استعداد لخوض صراعات جديدة، لأجل جماعة لا تأبه لمصلحتهم -إن صحت الاتهامات-، ولا تفكّر بعاقبة تحدّيها للدول التي أخذت على عاتقها مهمة تحرير اليمن من ذيول إيران.

ينبغي على الإصلاح قطع الشكوك بإعلان البراءة الكاملة من إرهاب وحُمق جماعة الإخوان والتيارات المحسوبة عليها، مع إدانة ممارساتها العبثيّة، وتدخلاتها التي أساءت للسعودية والإمارات، والوقوف في صف التحالف المساند لليمن دون مساومات، أو مَنٍ ، أو أَذًى. وتحديد موقف صريح ورادع من الأعضاء الذين يريدون جرَّه ليكون ظهيراً للتحالف القطري، ولو استدعى الأمر فصلُ كلّ قيادي منتمٍ له، يخالف ذلك بالقول أو الفعل، ولا يكتفي بتجميد عضويتهم. لأنّ التجميد يعني أنّه لا يزال يعيش في المنطقة الرماديّة، التي تتيح له التبرّؤ من تصرفاتهم في حال كانت في غير صالحه.. وإعادة تفعيل نشاطهم إذا ما حققوا له المزيد من المكاسب.

وهذا هو فصلُ الخطاب الذي سيحفظ اليمن من مزيد من الفتن.. ويبرئ ساحة الإصلاح ويعيد الثقة به.