بكر أحمد يكتب لـ(اليوم الثامن):
اليمن.. علي محسن وهادي، من رئيس من ؟
هنالك أمورا بديهية لا يمكن التجادل حولها، مثل تاريخ علي محسن الممتد من ثلاثون عاما من المشاركة في حكم اليمن حتى سقوط علي صالح، ثلاثون عاما كانت كفيلة بأن يخرج كل مواطن برأيه ضد ذلك الرجل الذي لم يقدم أي شيء محسوس أو مادي للوطن، علي محسن هو ذلك الشخص المحسوب على السلطة لأنه فقط احد أقارب الرئيس والذي كان يظن الجميع بأنه شقيقه، كان لديه نفوذ شاسع وجيش مستقل تصرف له ميزانية مستقلة وجنود حقيقيون وضعفهم وهميون تصرف لهم من خزينة الدولة كل ما يحتاجون اليه كجيش نظامي، وبعد ثلاثون عاما من المشاركة في حكم فاسد واستبدادي قرر ان يقفز إلى الثورة ليصبح ثائرا يحمل نفس أفكاره وانماط تعامله مع الدولة التي لم تغيير و التي يراها مجرد ملك خاص له، أقول ثلاثون عاما وبعد دخول الحوثي تبخر جيشه خلال نصف نهار، وهو غادر البلاد بعد ان اخفاه السفير السعودي في طائرته.
علي محسن مثل سواه من بيت الأحمر، لا يذكر لهم الشعب أي عمل مدني أو خيري، فلا مدارس اقاموها ولا مستشفيات او حتى عيادات في المديريات او الأرياف ولا ملاجئ للأيتام، كانت تلك الأسرة لديها وظيفة واحدة فقط وهي مص دماء الوطن قدر طاقتهم واستطاعتهم، وعندما حانت ساعة الصفر كلهم فروا من وطن منحهم كل شيء هم واموالهم وابناؤهم ليشاهدوا الكارثة تحل على المواطنين من فنادق وشاليها ومنتجعات تركيا والقاهرة، فكان حينها من الصعب تصور عودتهم إلى السلطة وممارسة اسلوبهم ذاته في الإدارة.
ومع ذلك عاد على محسن، وتولى منصب اعلى مما كان عليه في عهد صالح وصلاحيات أوسع، وبات مهيمن على مفاصل الشرعية، بل استطاع وبينما كل الجبهات تقاتل الحوثي ان ينشغل هو وبتركيز عالي على إنشاء فرقته الخاصة في مأرب وتعيين ضباط يدينون بالولاء الشديد له، وأصبحت مأرب محافظة متكاملة من حيث الجيش الضخم والعداد والأسلحة والمحافظ والأمن وكل ما فيها تابعة له، كما أنه بات يضع لمسته على كل قرار جمهوري يصدر.
علي محسن لم يكن له ان يغير من أنماط وأسلوب عمله بعد كل هذا العمر، وأن كنا نحن نرا أسلوب تعامله مع الدولة هو فسادا مطلقا، هو يراه عملا طبيعيا يندرج ضمن تثبيت القدم وإعادة التكوين من جديد، إعادة التكوين بطريقة طبق الأصل، فجيش مأرب يعاني بالضبط ما كان تعانيه الفرقة الأولى مدرعة التابعة له في عهد صالح من محسوبيات وفساد وجنود وهميون ومماطلة في حسم المعركة على جبهة نهم.
ولأنني كتبت في مقالة سابقة بأن لدى هادى عداوات لا تنتهي مع الشعب، فخير دليل على ما قلته هو إعادة وتأهيل علي محسن من جديد كقيادة عليا لإدارة البلاد، حتى اصبح علي محسن نجم كل الشاشات في الإعلام الرسمي واخباره تقدم على اخبار هادي وقراراته ولقاءاته وجوالته تذاع أولا بأول بل اننا نسمع أغاني وطنية تتغنى باسمه وبتاريخه ونضاله في وسط غياب شبه تام لهادي الذي بالأساس لم يكن معني بأي شيء، وبعد أربعة سنوات من كارثة حلت باليمن وإصرار الحكومة على ان تبقى منفيه باختيارها، الجميع يسأل هل مازال هادى يحكم ام ان سطوة علي محسن قد طغت عليه واصبح هو من يهيمن على القرار الفعلي؟
الحقيقة التي أؤمن انا بها، وهي بانه ومادام علي محسن على سدة الحكم الذي يعني ان كل من تحته هو من قام بتعيينهم وبالتالي هم مثله ويؤمنون بمنهجه، فأن اليمن لن تقوم لها قائمة، وان التخلص من علي صالح لم يكن يعني إلا التخلص من فرد واحد فقط، بينما المنظومة أعادة نفسها من جديد لتحكم بنفس الطريقة السابقة، وان كل هذه الحرب لم تأتي بشيء جديد ومفيد لهذا الوطن، فكل الخيارات المتاحة اسوء من بعضها للأسف الشديد.