كرم نعمة يكتب:
مليون مستمع لملحن جاهل!
هذا الحوار فيه من الافتراضية بقدر الحقيقية، فأرقام المستمعين التي يوثقها يوتيوب تحت الأغاني الجديدة هي حقيقة بهيئة افتراضية! ولأننا لا يمكن أن نصدق أن الإنسان يزداد غباء بمرور الوقت، فإننا لا يمكن أن نتقبل أن الذائقة الإنسانية تتردّى مع الزمن.
لقد قدّم لي صديقي الشاعر الغنائي السبعيني صديقه الملحن الشاب، هذا الشاعر أرخ في قصائد غنائية لتاريخ من الحنين المفعم بالولع الغنائي، لكنه -لسوء حظنا- قَبلَ التنازل عن ولع القصيدة وصار جزءا من الغناء السائد من أجل حاجة شخصية غير متعلقة بالإخلاص للكتابة.
أما صديقه الملحن، فهناك قطيعة تفصلني عن أبناء جيله ممتدة على ربع قرن، منذ مغادرتي العراق دون العودة إليه، هل أزعم بالقول من “حسن حظي”!
عرض الشاعر ألحان صديقه الملحن الشاب وهي حزمة أغان يتمّ تداولها بشكل ملفت على القنوات التلفزيونية الغنائية والمنصات الإلكترونية، وهو أشهر من أن يؤثر عليه عدم معرفة صحافي مثلي به.
سألته: هل درست الموسيقى، أجاب بالنفي مؤكدا بأن دراسة الموسيقى ليست ضرورية لكل ملحن فالموهبة تسبق الدراسة، وأدرج أمثلة لملحنين عراقيين كبار لم يدرسوا الموسيقى، وهو صادق في ذلك.
قلت له إذن أنت درست المقامات العراقية والتاريخ اللحني بشكل شخصي، وهذا يعني أن مسامعك مولعة بألحان جيل الخمسينات مثلا؟ قال من تقصد؟ قلت: هل استمعت لألحان يحيى حمدي، رضا علي، أحمد الخليل، عباس جميل مثلا؟ وأضفت هل تعرف ألحان محمد عبدالمحسن ومحمد نوشي؟ قال: أنا ملحن معاصر، والزمن تغيّر وليس مهمّا بالنسبة لي أن أسمع ألحان من ذكرتهم، وأضاف وكأنه يهمس لي “تريد الحق، لا أعرف ألحانهم باستثناء بعض أغاني عباس جميل".
لم أصب بالصدمة من كلام الملحن الشاب الشهير الذي تتوافد عليه مجاميع مطربي اليوم، وأردت أن أخفف من وطأة جديتي، بينما ترمقني نظرات صديقي الشاعر مترقبا تعليقا حادّا مني.
قلت إذن تعرف بالتأكيد ألحان ناظم نعيم، فكل أغاني ناظم الغزالي أشهر من أن تنسى. ردّ بالترحم! قلت على من تترحم؟ قال على ناظم نعيم وناظم الغزالي أيضا.
قلت في نفسي يا للخيبة! لكن ناظم نعيم حي! فتدارك شاعرا بوهن ثقافته الموسيقية، في ردّ متشنج: لكن ألا تعرف "أن الرحمة تجوز للحي والميت" قلت له أنا أفكر أكثر بمعنى الحياة.
قد يبدو هذا التعريف مفيدا لملحن عراقي شهير اليوم، يكفي أن نرى مئات الآلاف من المستخدمين قد استمعوا لآخر ألحانه لمطربة شابة… على يوتيوب.
هناك رقم مهول يفوق مليوني مستمع يدرجه يوتيوب تحت أغنية لحنها لمطرب شاب آخر، من دون أدنى وازع بالخجل من تردّي الذائقة. لأن الأغنية أشبه بعويل النائحين في المراثي الطائفية.
هو في حقيقة الأمر لا يلحن بل يجرب من دون عمق حسي بالموسيقى، وكل ألحانه “التي استمعت لها” مجرد ترديد كلام بعد مقدمات موسيقية لا تمتّ بصلة للنص، لأنه ببساطة يجهل الدرس الأول في معنى التلحين وعاجز عن التفريق بين آلية الكلمات وروحها.