سمير اليوسفي يكتب:
غدر الحوثي وعلكة المرجعيات
إذا كان "الحوثي" وأتباعه لا يسأمون من كثرة الغدر، ونقض العهود؛ بحكم طبيعتهم واعتيادهم على جني ثمارها.. فما هي الأرباح والفوائد التي تنالها الشرعية والتحالف على وجه التحديد من مجاراتهم والتفاوض العبثي معهم؟
صحيح أنّ الدول الكبرى غير مُكترثة بمخاطر الحوثيين بعدما وجدت مصالحها في التغاضي عنهم، واتخاذهم ورقة للابتزاز.. وتجلى ذلك في التفافها على انتصارات الحديدة.. لكنّ مبررها كان عجز قيادة الشرعية عن الحسم.. وسوء إداراتها للمناطق الواقعة تحت نفوذها.. ويبدو الأمر أنّ أميركا وبريطانيا بعد أنْ فشلتا في إقناع السعودية والإمارات -من خلال اللجنة الرباعية التي تجمعهم- بإمكانية إشراك الحوثيين في مستقبل اليمن أوكلتا مهمة تسويقهم للمفاوضات.
سبق أنْ كتبتُ قبل بدء مشاورات "ستوكهولم" من أنَّ استمرار الحوار مع هذه الجماعة العنصرية هدفه خلق قناعة بضرورة التعامل معها واستيعابها -كما هي- بتجريع اليمنيين سمومها دون النظر في استحالة وعاقبة ذلك نظراً إلى ممارساتها التي تشوه الإسلام الحنيف بزعم وجود "عرقية محمدية" ينتمي لها سادتها وتمنحهم شرعية الحكم المُطلق على سُكَّان اليمن والجزيرة بوصية إلهية.. ويسعون لاستعادة دولة عنصرية مغلفة بتدين زائف لا تحيد عن هدفها الموغل في القدم، ألا وهو وضع اليمنيين في متاهة وعزلهم عن مُعطيات العالم الحديث!!
وهذا هو التفسير المعقول لما قاله المندوب الأممي "مارتن غريفيث" لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في أول حوار له بعد تعيينه بأيام وتأكيده أنّ دوره في المشاورات "لن يتجاوز بناء الثقة والتقريب بين الطرفين".. وكأنّه "خاطبة" تتوسط.. لا مندوباً للأمم المتحدة التي أصدرت القرارات المُدينة للحوثيين وأرسلته مبعوثاً لها.
كان أغلب اليمنيين يتوقعون من الشرعية أن تُحقق انتصاراً سريعاً تكسر به الحوثيين في جبهات القتال وتعيدهم إلى جروف صعدة، أو على الأقل تجبرهم على الانصياع للمرجعيات التي أكدّت عليها قرارات الأمم المتحدة وتُملي شروطها من موقعها الافتراضي كدولة يعترف بها العالم ولديها القدرة على إخماد التمرد ضد شرعيتها.. وللأسف، خابت تلك التوقعات.. فالحوثيون صاروا بسبب وضعها المهترئ -لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية- أكثر شراسة لفرض نفوذهم.. كما أنّها لم تعد محل إجماع وثقة غالبية اليمنيين نتيجة خُذلانها لهم وتحويلها السُلطة إلى مغانم ومكاسب تمنحها لأصحاب الولاء والمحسوبية وتستبعد أهل الكفاءة والخبرة.. وانشغالها بمحاربة وإقصاء الأطراف التي يُعوّل عليها في القضاء على فتنة الحوثيين خوفاً من منافستهم لها... والأكيد أنّ موقفها الضعيف وعدم ميلها للحسم هو سبب استهانة الأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى بها..
إنَّ الوضع الصعب والمعقد الذي تمر به اليمن يستدعي استثمار جهود مختلف فئات الشعب لأجل هدف لا ثاني له، هو: مواجهة التمرد السلالي العنصري.. ولن يتأتى ذلك إلاّ بترفع قيادة الشرعية عن المماحكات وإقصاء الأطراف التي لاتروق لها. كما عليها أن تُعجل بالتئام مجلسي النواب والشورى وتفعيل دورهما المنصوص عليه في الدستور النافذ.. وإحياء نشاط الأحزاب والنقابات والمنظمات الجماهيرية، ووضعها جميعاً أمام مسئوليتها الوطنية.. أمّا استمراء الجلوس ضيوفاً في القصور والفنادق والاكتفاء بتذكيرنا بـ"المرجعيات" التي أضحت كـ"علكة" لا طعم لها.. و"حُزَّاية" مُملة يلوكها المستفيدون من استمرار الحرب وبقاء الوضع كما هو عليه فلن يفيد سوى الحوثيين.. وقد يؤدي لبحث دول التحالف عن بدائل أخرى تحمي بها أمن المنطقة.. كما سيخلق اليمنيون قيادتهم المناسبة التي ستشق طريقها بلا هوادة وتقودهم للخلاص وتأسيس دولة النظام والقانون... هذه نصيحة قد تبدو قاسية.. لكنها ضرورية ومهمة لكي لا تلتهم إيران اليمن والخليج.