سمير اليوسفي يكتب:
عبده الجامد جداً!
لا أحملُ ضغينة شخصية على الرئيس هادي، لكنّي أكره جموده الشبيه بـ"جلمود" صخر لا تُحركه سيول ولا عواصف، وتطنيشه لمهامه بحيث لا يظهر إلاّ متأخراً، بعد أن يقع الفأس في رأس من يستنجد به للتدخل في حل مشكلة تستهدف اليمن التي يُفترض أنّه رئيسها!
وكنتُ سأكتبُ أنّه يتحرك كـ"سُلحفاة" غير إني أشفقتُ عليها بعدما تذكرتُ أنّها تفوقت على"أرنب"، فكيف سيكون حالها مع رئيس لم ير اليمن له مثيلاً؟: مُتجمد معظمَ أشهر السنة كالقُطب الجنوبي.. ولو تحرّك ببطء مثلها لكُنا نجونا بعد أربع سنوات من الحرب!
أقولُ هذا بعد أن قرأتُ في الأخبار، قبل أيام، عن قرار باستعادة شركة "تيليمن" من الحوثيين ونقلها من صنعاء إلى عدن.. (تيليمن، وليس اليمن !!) -أي أنّ دولته أخذت "أربع" سنوات من التفكير قبل إعلان قرارها التاريخي بنقل شركة اتصالات!
وسبق لـ"فخامته" أن أعلن في مقابلة له مع فضائية "الجزيرة" القطرية منتصف أكتوبر 2016 عن صرف رواتب كل موظفي الدولة نهاية ذلك الشهر، تزامناً مع نقل البنك المركزي إلى عدن. بعد أن أفرغه الحوثيون؛ فأنقذهم -بقراره- من التبعات.
وانتظر الموظفون الغلابى في الجنوب بضعة أشهر، وفِي تعز عامين، والبقية يترقبون من يومها الراتب الموعود.
رُغم ذلك لا يزال الحوثيون يتحكمون بسوق الصرافة حتى اللحظة، ما يعني أنّ نقل البنك لم يكن لأجل تخليصه منهم وصرف الرواتب..
وسنفهم السبب إذا عُدنا للتقارير التي رفعها رئيس اللجنة الاقتصادية "حافظ معياد" مطلع الأسبوع الجاري، وأثبت فيها توّرط البنك ببيع العملة والمضاربة بها بخسارة 9 مليارات ريال خلال شهر نوفمبر الماضي فقط.. وسنفهم أكثر إذا عرفنا أنّ الرئيس أقال في التعديل الحكومي الأخير قريبه -نائب وزير المالية وعضو مجلس إدارة البنك- بعد مراوغته في دفع حق "ابن هادي" من فوارق سابقة.
وأتذكر أنني وغيري كتبنا في السنة الأولى من الحرب عن تقديم إيران منحة نفط شهرية للحوثيين تُقدّر بـ30 مليون دولار تدخل لهم عبر موانئ ومنافذ متعددة بعضها تحت سيطرة الشرعية.. بعد أنْ برّر لها الحوثيون بتأسيس شركات نفط خاصة سمحوا لها باستيراده، كما عَمِدوا لتعويم سعره بعد تعويم سعر الدولار.. وبدلاً من أن يكشف المختصون من مسئولي "هادي" هذا الاختراق الخطير.. قام مُقربٌ منه بمحاكاة الحوثيين.. مع حصر استيراد النفط والديزل على شريكه الذي تم تعيينه في منصب هام تمُر عبره كل قرارات الدولة، وكنتُ سمعتُ من رجل أعمال كبيرٍ وناجحٍ بعد انتخاب الرئيس بشهرين عن عرض تلقاهُ من نجله لمشاركته في تجارة مقابل تسهيلات.. لكنه اعتذر، وذهبت الصفقة لغيره.
وحدثني وزيرٌ في الفترة نفسها عن اتصال دعاه للمثول بين يدي الرئيس.. وبعد ذهابه فوجئ بأنّ ابنه -بجلالة قدره- هو من استدعاه وأخذ يُملي عليه الأوامر والنواهي التي لم ترق له.. وكنتُ أظنه مُبالغاً حتى وقعت لي قصة مُشابهة، لن أدعي فيها بطولة.. فقد صدّقته بعدما أكدّ أنّ والده كلفه بالإشراف على الإعلام.. واستجبت له لمعرفتي بأنّ البلد أصبح ملك الوالد وما ولد. لكنني ترحمتُ على عهد الرئيس صالح -الذي لم أعرف فيه أياً من أبنائه أو أبناء أخيه- ولعنتُ الثورة التي زعموا أنّها جاءت لإنقاذ اليمن من توريثهم!!
ومن طرائف الابن أنّه حكى لي، بدون سبب، عن صداقة متينة تجمعه بالعاهل السعودي السابق "عبدالله بن عبدالعزيز"، وأنّه التقاه أكثر من مرة أسمعه فيها قصائده الشعبية.. ولم أسمع قبلها ولا بعدها أنّ "الملك" الراحل كان شاعراً نَبَطياً يُلقي قصائده لزائريه.
مع بداية الحرب، تحداني شخص كان مهووساً بـ"هادي" -وأصبح يزعُم أنّه خبير اقتصادي- مؤكداً أنَّ الرئيس سيُنهي تمرد "الحوثيين" ويرفع العلم الجمهوري أعلى جبال "مرّان" في غضون ستة أشهر على الأكثر.. ومن شدة حماسته أخبرني عن خُطة مفترضة له وكأنه أحد مستشاريه، أو هو من وضعها.
وَمِمَّا قاله: الرئيس سيصدر قراراً بتغيير "العُملة" الوطنية، وسيُلغي الحالية خلال ثلاثة أشهر مع منع المضاربة بها، ويجبر المتلاعبين -والحوثيين- على استبدالها عبر البنك المركزي شريطة تقديمهم إقرارات عن مداخيلهم مع دفع الضرائب والواجبات والزكوات المُستحقة عليها للسنوات المتأخرة.. كما سيوجه "فخامته" بمُضاعفة رواتب كل موظفي الدولة -مدنيين وعسكريين- وصرفها بـ"البصمة" بعد تحديد موقفهم من المتمردين الحوثيين وانتقالهم للمناطق المحررة.. وأيضاً سيأمر بنقل شركات "تيليمن" و"يمن نت" والهاتف النقال إلى عدن والمحافظات الشرعية، تمهيداً لقطع الاتصالات والانترنت عن المناطق الراضخة لحكم الحوثيين بعد مُهلة معلنة يتمكن فيها المواطنون من الانتقال لمحافظات أخرى.
كما سيحظر وصول النفط والغاز إليهم تدريجياً للتعجيل بسقوطهم.. وأخذ الخبير يسرد على مسامعي تفاصيل كثيرة حفظتُ منها ما سيق، وخُلاصتها أنّ "هادي" صاحب ماجستير الفكفكة العسكرية سيقضي على الحوثيين بجرّة قلم.. باتخاذه تلك القرارات الناعمة.
في التعديل الحكومي الأخير تذكرتُ الخبير الشغوف بهادي.. وتمنيت لو أنّه تمكّن من الوصول إليه ومنحه وصاياه؛ لاسيما أنّ هادي عجن السياسة وعصد الاقتصاد وقلب اليمن عاليها سافلها، فصارت في عهده، كما لو أنّ 50 عاماً من التنمية والديمقراطية قد أُلقيت في البحر، واستعيض عنها بالدمار والتخلف والتطرف والجنون المحض.
وبسبب افتقاره للثقة بالنفس همّش مُعظم القيادات المُحنكة وقدّم كثيراً من البُلداء والعاجزين.. أو الجهاديين الذين لا مطمع لهم بدولة أو سياسة.. أمّا النابهون من حوله فمن المتملقين الطامعين الذين يعزون كل تصرفاته لـ"نظرته" الثاقبة حتى لو ملأت اليمن بالثقوب.. أو من الأثرياء الخائفين على ما نهبوه ويحتاجونه غطاءً لهم. كما قولّب نفسه داخل دائرة ضيقة كوّنت حوله هالة من الغموض، مستفيداً من دعم الأحزاب المُحتمية به بعد إرهابها بتهمة الاٍرهاب.
في التسجيل المُسرّب مع بداية الحرب لمكالمة هاتفية بينه وأحمد عوض بن مبارك قال هادي "ما عليك من أصحاب تعز هَذول حق دعس.. زي ما قال ياسين سعيد نعمان"، وكذَّب الدكتور ياسين نسبة المقولة إليه.. لكنّ هادي لم ينف ولَم يثبت، وكأنَّ خمسة ملايين تعزِّي لايستحقون تنويهاً منه.. كما أنّ كلمة "زي" التي تعني "مثل" تؤكد اقتناعه بالمقولة، وإن نسبها لغيره!! وتُفسّر لنا ما يحصل لـ"تعز" من "دعس" منذ أربع سنوات برضاه، وأوامره.
وإذا صحّت معلومات كراهيته لـ"تعز".. هل يُسوِّغ له ذلك "التلذذ"بمعاناة خمسة ملايين من أبنائها كُل ذنبهم أنّهم دافعوا عن شرعيته؟ وكأنّ بينه وبينهم ثأراً لا يمحوه التركيع والتجويع وتسليم مُحافظتهم رهينة لبلاطجة ومُفصعين وإرهابيين وتحويلها إلى خرابة للأشباح.
هادي المُطنِش للشرعية.. من الواضح أنّه نذر نفسه لخدمة الحوثيين في مختلف المجالات، وآخرها في مجال "التعليم"، إذ تساهل معهم وأعفاهم مما ألزم به طلاب المحافظات المُحررة.. حيث أقرّت وزارة التربية والتعليم -التابعة لدولته- أن يكون مُعدل الثانوية العامة -الذي بموجبه يتنافس الطلاب على منح دراسية وقبول في الجامعات-: نتيجة تراكمية للصفوف الثانوية الثلاثة.. يحصل فيها الطالب على 40٪ من الدرجة في الصفين الأول والثاني والبقية للمستوى الثالث.. إلاّ أنّه لم يُطبقه على الطلاب الدارسين في المناطق الخاضعة للنفوذ الحوثي الرافض لهذا النظام. وكان المفترض إلزامهم به أو إعادة تقييم نتائجهم بموجبه إذا كان مُتميزاً وإيجابياً.
ولأنّ المواقف المُزعجة التي جعلتني أقتنع أنّ هادي يسبر باليمن إلى ضياع، لا تُعد ولا تُحصى.. سأكتفي بتهديد تعرضت له من القائم بعمل السفير الإيراني في صنعاء بعد نشر صحيفة "الجمهورية" خبراً للرئيس أشار فيه لسفينة "جيهان" التي قُبض عليها بحُمولة أسلحة إيرانية مُهربة للحوثيين وأبرزته بعنوان عريض. وطلب السفير نشر تكذيب واعتذار صريح.. وعندما قلتُ له: "إنّ ما نشرناه، قاله الرئيس حرفياً، وإن كان لديك اعتراض عليه يُفترض أن تقدمه عبر القنوات الرسمية".. رّد عليّ بكل عنجهية وبرود: "رئيسكم كذاب.. وإذا لم تنف الخبر، بمقدورنا الوصول إليك أينما كُنت في تعز"..
وأبلغتُ الرئيس عبر نجله بطلب السفير وتهديده. وظننته -على الأقل- سيوجه الخارجية بلفت نظر السفير الإيراني الوقح ولو برسالة توبيخ، كأقل إجراء سيادي يحفظ كرامة اليمن... لكنه طنّش كما هي عادته. وتيقنتُ بأنّ اليد "الأميييينة" فرَّطت باليمن وسلمتها لإيران.. ولأنّ السفير بقي بكل صلفٍ مُلحاً على نشر الاعتذار.. أفدته أننا سوف نجري معه مقابلة يجيب فيها على أسئلتنا بما يشاء.. لكنه اشترط أن تكون مكتوبة، وبعد أن أرسلها له "نائب مدير التحرير" لم يستسغها لتركيزها على دعم بلاده للحوثيين مع الشواهد.. وتملّص من الرّد والإجابة على المكالمات؛ أمٌا الصحيفة فنشرت في صفحتها الأولى افتتاحية عنوانها "النظام الإيراني الوقح".
وحتى عندما قدمتُ استقالتي للوزير؛ ورفضها ناصحاً تقديمها للرئيس.. تجاهلها فخامته رُغم نشرها في الصحف والمواقع.. وبعد ثمانية أشهر كلّف سكرتيره الصحفي "يحيي العراسي" إبلاغي بإنجاز الأعمال الهامة من منزلي!!
وفي 2014 أحرق ناشطون في الحراك الجنوبي نُسخ صحيفة الجمهورية المُخصصة للمحافظات الجنوبية على مقربة من معسكر العند بسبب اعتبارهم أنّها تابعة للرئيس هادي وأخرجوا سائق حافلة التوزيع ونهبوها محتمين بضابط كبير.. ونشرت الصحيفة الخبر، ولم يتفاعل معه أحد.. كما قدّمنا شكوى رسمية لوزيري الدفاع والداخلية ومحافظ لحج، دون جدوى.. ثم اضطررنا لنشر فقرة ظلّت ثابتة في الصفحة الأخيرة مع صورة الوزيرين لثلاثة أشهر، حتى أبلغني الرئيس مُوجهاً بإلغاء الفقرة بعد شكوى له من وزير الداخلية.. ووعد بتعويضنا بحافلة جديدة غير أنّه لم يفعل.
ومع ذلك، عندما حاصره الحوثيون ووضعوه تحت الإقامة، ومنعوا "وكالة سبأ" و"صحيفة الثورة" من نشر استقالته ليمرروا قرارات باسمه، كانت "الجمهورية" الصحيفة الرسمية الوحيدة التي نشرتها لتخفيف الضغط عليه.. وتحمّلنا بسببها سفاهات وشتائم ممن لم يعرفوا أنّها تخدمه..
أكتُبُ هذا للقراء، وأراه كلمة حق ينبغي أن تقال بعد أن صار "التطنيش" سياسة يواجه بها الرئيس العواصف والأمواج التي تُحدق بما تبقى من بلدنا من كل جانب.. ولا أفشي بذلك سراً فقد أمسى العاملون معه يتندّرون بما هو أدهى وأعظم.
ولم تنته القصة مع هادي بتدمير "الجمهورية" -المؤسسة الصحفية- على يد الإرهابيين الذين جلبهم أعوانه في تعز باسم المقاومة.. ولا تقويض"الجمهورية اليمنية" بتآمر الحوثيين الذين فتح لهم وزير دفاعه الأسبق أبواب عمران وأمانة العاصمة..
وليحفظ الله الخليج والأمة العربية!
وشفيييييييق ياراجل.