ياسر علي يكتب:

عيدروس الحقيقة والرمز (1)

• في كل ثورة لابد أن يكون لها رمزٌ يحميها ويأخذ بيدها، وتُوكَل إليه أمور زمامها، فيسوسها بما يراه صالحاً للسير بالشعب إلى بر الامان.
• الساحة الجنوبية تعج بالرموز، ليس هناك أكثر منهم، لربما لأننا شعب عاطفي بطبعه، فنهرول للتعلق برمز، نلقي على عاتقه أحلامنا وطموحاتنا، وبرغم ذلك قلّما كان هناك إجماع شعبي على رمزٍ بحد ذاته. 
• المشهد الجنوبي هذه المرة يبدوا أنه قداختار قائده بعناية شديدة، نصب فلتره، ليفرز ويختار مستفيداً من خيبات أمله فيمن سبق، ففي الحالة المتعارف عليها أن الرموز هي من تصعد شعبيتها ببريق سلطتها، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفاً شعبٌ دفع بقائده ليكون رمزاً، ووقع اختيار الجنوب على رجل يسمى عيدروس!!
• رجلٌ بسيط خرج من صلب معاناتنا، كانت الجبال مأواه، فالهمم العالية تطاول السحاب، فكان جبلاً فوق جبل، مذ كان الناس يتيهون ويتقبلون وضعهم الحالي، كان يقف وحيداً هو قد اختار الثبات على مبدأه ولو حاربته كل الدنيا، وفعلاً قد كان، حُورب ليل نهار مطارداً شريداً، كل ذلك لم يفت في عضده، تحمل المسؤولية على عاتقه، ليفتش في وجوه الناس الكالحة عن حلمه المنشود، فتلمع أعين من حوله لتكون البداية من هنا (حتم) شوكة غرسها في ظهر الاحتلال، لتنبت هذه الشوكة خنجراً في خاصرة العدو لتبتر يده، التي امتدت نحو أرض الجنوب.
• تبدل الناس من حوله، وتساقطات زعامات وظهرت غيرها، كان يراقب بصمت من بعيد، لم يكن مشغولاً بالظهور، بل كان شغله الشاغل تأهيل الشباب فرهانه كان عليهم بأنهم من سيقودون مرحلة أكثر أهمية. 
• إلى أن حانت اللحظات الحاسمة ليبدأ بالتصعيد والمواجهة لم يكن نداً لهم بقوة عتاده، لكنه يفوقهم وبمراحل بإصراره وإيمانه بقضيته، كان ومَن معه خلاصة الجنوب آنذاك، قوته الضاربة على قلتها، وكانت بشائر النصر تعقد تحت لواءه منذ ذلك الحين مُخضَباً بدماء شهداء تسابقوا للذود عن الأرض في وقت كانت آلة الموت في عزة جبروتها وعنجهيتها.
• وفي ظل وجود نظام يبيع ويشتري الولاءات كان راسخاً رسوخ تلك الجبال التي ألفها وعرفته، ولم يحد قيد أنملة عن ما يريده رافضاً كل إغراءاتهم، فالثمن الذي كان سيعطى إليه لا يساوي ذلك الشبر الذي يقف عليه، واختار المواجهة بدل عيشة القصور والمناصب.
• استمر الرجل ليقود المقاومة الجنوبية في ظهورها الأول ليسجل الانتصار الأول بأسمه في ضالع الصمود تتويجاً لكل سنوات الصبر والمقاومة، ولتنطلق على يديه نواة لجيش لا يحيد ولا يهاب إلا الله، كان عسكرياً من الطراز الرفيع ضربهم في أقوى نقاطهم وأضعفها وفرقهم شذراً مذرا لم يبقي منهم احد.

وللحديث بقية ...