فاروق يوسف يكتب:

التخلي عن الأسطورة

فجأة قرّرت أن تضع النجمة في خزانتها الشخصية لتكون امرأة أخرى، امرأة لا تزال فتنتها تتسرّب من خلال الكلمات التي تنتقيها لتنسج شبكة علاقات بين لغتين.

لم أصدق عينيّ حين رأيت اسمها على أغلفة كتب عديدة مترجمة من السويدية إلى العربية، المُترجمة هي.. أين اختفت الممثلة؟ كانت لغة المسرح وطنها.

الآن يتوزع وطنها بين قارتين، هجرت مكانها القديم كما لو أنها لم تعد تتذكر عيون المشاهدين التي تخترق بنظراتها العتمة لتصل إليها بدهشتها، حاصدة الجوائز أزاحت عن صدرها الأوسمة واكتفت بأن تكون أماً لابنتين مسافرتين وزوجة لشاعر وحارسة للمعاني. الساحرة التي وقفت أمامي مثل سؤال غامض، لم يعد شغفها يصل إلى علامة استفهامه، هي سؤالي الذي يضحك بأسنان بيضاء.

“سيكون الموت غريبا”، تقول وهي التي شبعت من الشهرة وتعلمت أن تتخلى من أجل أن تبني أسرة منضبطة.

“لا معنى لأن يضع المرء قناعا على وجهه في انتظار الموت، التمثيل نوع من الكذب”، ولكن ما معنى أن تكون الممثلة مترجمة؟ أليست الترجمة نوعا من التمثيل كما أن التمثيل بدوره هو نوع من الترجمة؟ لديها ما يمكن أن تقوله من أجل أن تفسّر انتقال سر اللمعان إلى يديها “أكتب بالاثنتين”، تقول وهي تعرف أن الجمال الذي يبعث حبره من أصابع يديها هو خلاصة تجربتها في الحياة التي قضتها على المسرح.

كان المسرح ملعبا لجسدها كله، اليوم تلعب العراقية أثمار عباس بطريقة مختلفة حين تضع على طاولة التشريح مفردات خيال شخصي يمارس التمثيل بين لغتين.

أثمار التي كانت في ماضي سحرها على المسرح مولعة باستخراج معاني الكلمة من جسد الممثلة صارت اليوم تبحث في المعاجم عن إيقاع المفردات قبل أن تلتفت إلى معانيها، كما لو أنها لم تعد تتذكر، صار موت الممثل هو الأقرب لما تفعله في الحياة.

رأيت في عينيها العميقتين وداعا للأسطورة التي غلفتها بالمخمل ووضعتها تحت وسادة أحلامها.