الحبيب الأسود يكتب:
قمم مكة المنتظرة أو الحسم في التعامل مع أطماع إيران
الدعوة التي وجهها العاهل السعودي لعقد قمتين طارئتين خليجية وعربية في مكة المكرمة يوم الثلاثين من الشهر الجاري، تمثّل في حد ذاتها حدثا مهما، انطلاقا مما وصفه مصدر مسؤول بخارجية المملكة بـ”الحرص على التشاور والتنسيق في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
اللافت أن القمتين ستتزامنان مع قمة التعاون الإسلامي التي ستنعقد كذلك في مكة المكرمة، وبالتالي فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز أراد أن يجمع ثلاث قمم في إطار زماني ومكاني واحد، وهو ما لا يحدث عادة إلا في ظل ظروف استثنائية حاصلة أو ستحصل خلال الفترة القادمة، خصوصا وأن آخر قمة عربية انعقدت في 30 مارس الماضي بتونس، ولا يفصلها عن القمة المزمع عقدها قريبا سوى شهرين.
الدعوة السعودية تأتي في ظل مستجدات مهمة شهدتها المنطقة، أبرزها الهجوم على سفن تجارية قرب المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة في 12 مايو الجاري، ثم الهجوم على محطتي ضخ نفط بالمملكة في 14 مايو، واللذان مثلا دليلا إضافيا على جنوح نظام الملالي في إيران إلى تهديد السلم والأمن والاستقرار ليس في المنطقة وإنما في العالم أجمع، نظرا إلى أن الأمر يرتبط بأسواق النفط الدولية، وبما وراء ذلك من تهديد مباشر لاقتصادات الدول ولنمط حياة الشعوب والمجتمعات.
ومما لا شك فيه، أن النظام الإيراني لم يترك للعرب مجالا للتفاهم، أو للحلول السلمية للأزمات التي ما انفك يفتعلها، خاصة من خلال تدخله في الشؤون الداخلية لدول الخليج والمشرق العربيين، وسعيه لتصدير مشروعه الأيديولوجي الظلامي كغطاء لطموحاته التوسعية الإمبراطورية، معتمدا في ذلك على ميليشيات وجماعات إرهابية أظهرت في مناسبات عدة جهوزيتها لخوض حروب بالوكالة عنه، ولا تخفي في خطابها المعلن أنها تمثل النقيض التدميري لدول المنطقة، بل وباتت لها الإمكانيات البشرية والتسليحية القادرة على تهديد الأمن والاستقرار سواء الإقليمي أو الدولي.
وبينما تتجه دولة مثل السعودية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي ولو تدريجيا، وإلى تجاوز مخلفات عقود “الصحوة” من خلال حربها على الإرهاب والتطرف، تندفع إيران إلى الاستمرار في خطابها العدواني والإرهابي والعنصري المتستر بالطائفية المقيتة، لتثير مخاوف الجميع، حيث يبدو أن لا استمرار لنظام الملالي في ظل معاناة شعبه إلا بتصدير أزماته إلى الخارج، خاصة إلى دول الخليج وشبه الجزيرة. تلك الدول التي تبقى الهدف الأول لأطماعه التاريخية، وعلى رأسها المملكة التي يحاول محاصرتها من كل الجهات، خاصة من العراق شمالا واليمن جنوبا، وتآمره على أمن البحرين ومحاولاته النبش تحت أرض المنطقة الشرقية بحثا عن فتنة ينوي إيقاظها، كما فعل سابقا من خلال بعض الخلايا النائمة التي تم التعامل معها بحزم أمني وقضائي.
واليوم وهو يواجه العقوبات الأميركية القاسية بسبب مشروعه النووي، والتي تنذره بانفجار شعبي من الداخل بسبب ما آلت إليه أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، يحاول نظام الملالي تصعيد أزمته بالعدوان على دول الجوار كما حدث من خلال الهجوم على السفن التجارية قبالة ساحل إمارة الفجيرة بدولة الإمارات، أو الهجوم على محطتي أرامكو في العمق السعودي، والذي تبنته ميليشيات الحوثي الإرهابية، وهي الذراع الإيراني في اليمن، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير إعلامية عن الدفع بميليشيات حزب الله اللبناني، وبعض نظيراتها في العراق وسوريا إلى الاستعداد للقيام بأدوار تخريبية في المنطقة، خاصة في حالة الرد العسكري الأميركي على تصرفات إيران.
هذا التخطيط الميليشياوي المرتبط بالحرس الثوري، يحاول من خلاله نظام الملالي التغطية على ضعفه من الداخل. فإيران الحالية ليست بالقوة العسكرية التي يعتقدها البعض، والسلطات الحاكمة في طهران لا تحظى بأي دعم شعبي حقيقي، ما عدا المستفيدين من الفساد المستشري، أو المتأثرين بخطاب التوسع القومي الفارسي على حساب العرب، لذلك تتحدث التقارير الغربية عن اعتماد الملالي على إرهاب ميليشياتهم في المنطقة والتي باتت موزعة على دول عدة. بيد أن تلك الميليشيات هي ذاتها سبب أزمة إيران، وهي التي وضعتها في هذا الموقف التي تواجهه اليوم، وقد تكون وراء أي عقاب دولي تتعرض له لاحقا، لأن من خلالها تم الكشف عن الأطماع الإيرانية في المنطقة، وتأكدت مخاطر المشروع النووي الذي تهدف من ورائه إلى ابتزاز العالم.
عندما نضع إيران وحلفاءها من الميليشيات في كفة، والسعودية وحلفاءها من الدول الوازنة في كفة أخرى، بالتأكيد سترجح كفة المملكة وحلفائها، وهو ما ستؤكده القمم الثلاث المنتظر عقدها في مكة المكرمة أواخر الشهر الجاري، والتي قد لا تخلو من مفاجآت مهمة، كما أن العالم ينظر إلى السعودية على أنها عامل استقرار حقيقي سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحضارية، عكس إيران التي تبدو عنصر تهديد للسلام الدولي.
القمة العربية الاستثنائية المنتظرة مطالبة بموقف قومي حازم من الدور التخريبي الإيراني، ومن ميليشيات الملالي المنتشرة في أكثر من دولة، ومن أية تطورات قد تشهدها المنطقة في الفترة القادمة، حيث على القادة العرب أن يتجاوزوا خطاب التنصل والتملص والمواربة وأن يتخذوا قرارا شجاعا من تهديدات طهران للمملكة وحلفائها، وسيخطئ من يعتقد أنه بمنأى عن التدخل الإيراني، ولو كان في الأطراف الغربية للوطن العربي، كما سيخطئ من يعتقد أنه سيستفيد من تعاون مثمر مع إيران، لأن هذا البلد المتمرد على القانون الدولي وأخلاق الجوار، لم يعد بوسعه ما يقدم أو حتى ما يعد به.
أما القمة الخليجية فستكون مناسبة لتأكيد التحالف التكاملي القائم بين المملكة والإمارات والبحرين، وللكويت حتى تتخذ موقعا واضحا يتجاوز مجرد التحذير من التصعيد، وبالتأكيد لقطر المعزولة حتى تستعيد رشدها وهي التي اختارت أن تغرد خارج السرب الخليجي والعربي، وأن تكون تابعة لإيران كما لتركيا، وللإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي.
إن القمم الثلاث ستعلن بالتأكيد دعمها لأي خيار تختاره المملكة، والمرجح أن الرياض قد يئست فعلا من نظام الملالي، وأدركت أنه لا يزال مستمرا في ذات العقيدة التخريبية العدوانية التي بنى عليها مشروعه السياسي منذ 40 عاما، والعرب لن يكون بإمكانهم أن يقضوا عقودا أخرى وهم يواجهون تهديدات هذا النظام بما تشكله من عراقيل في طريقهم نحو التنمية والتطور والأمن والاستقرار.