علي الصراف يكتب:
تحالف القِدر المثقوب
لم أكن أعلم أن الأمثال الشعبية، الساخر منها والجاد، يمكن أن تتحول إلى استراتيجيات سياسية، وأن يكون لها أبطال.
“حلاوة بجدر مزروف” واحد من تلك الأمثال، يستخدمه منتسبو تحالف مشهور في العراق، من دون أن يقولوا لك إنهم يستخدموه كفلسفة حكم. فعلى الرغم من أنه أكثر شهرة من تحالفهم، إلا أنهم يتكتمون على توظيفه وكأنه فضيحة.
والـ”حلاوة بجدر مزروف” مثل شعبي يستخدمه أهل النجف في العراق، بكسرٍ ثقيل في حرف الحاء. وترجمته: حلاوة في قِدر مثقوب. والمقصود منه هو أن يعرض البائع لجمهوره أنه يطبخ لهم حلاوة، إلا أنهم لن يحصلوا منها على طائل، طالما أن القِدر نفسه مثقوب.
وتستخدم ميليشيات “الحرس الثوري” في العراق هذه “الاستراتيجية” وكأنها تحلب الثور، فتجعل أحد أطراف “العملية السياسية” يرعد ويزبد ضد طرف آخر في “تحالف القدر المثقوب” الذي ترعاه طهران، ولكن عندما يجدّ الجد، فإن كل باعة الحلاوة يجتمعون على اتفاق في ما بينهم، بإشراف قاسم سليماني، يتقاسمون فيه الحصص وينتهون إلى الشيء نفسه. وهو أنهم يقلبون القِدر على قفاه، ليقولوا لك إن الحلاوة تم توزيعها، وأن “التحاصص” حظي بتزكية آية من آيات الولي الفقيه. وتنتهي القصة حتى يأتي وقت آخر فيبدأ اللطم من جديد، فينصب صاحب الحلاوة قدور الاحتجاج والمناكفة، ويبدأ البيع. تارة يرفع شعارا مناهضا للفساد، وتارة يبرك في الشارع على سبيل القول إنه غير مبرح مكانه حتى ينصلح الحال، وتارة ثانية يهدد بإسقاط الحكومة. وسرعان ما تنتهي الزوبعة، بحال أسوأ مما كانت، وبحكومة أفسد. وقد لا تفوته الفرصة أن يهدد الذي يتمسحون بمداسه، إذا شاء أن يقلل من حجم البركة التي يمنحها لهم. فيدوس عليهم به، ويظلون به يتبركون.
هم يقولون في هجاء القَدر الذي ساقهم إليه: “رضينا بالبين، والبين ما رضا بينا”.
والقَدر إيراني على أي حال، والقِدر أيضا. والحلاوة كلام يسمعونه من كل الذين ألبسوا السياسة عمامة، ولبسوا هم أنفسهم مسوح التقوى وهم في غمرة العهر غارقون. أما صاحب دكان الحرس الثوري فهو يعرف أنه يبيع على العراقيين بضائع سياسية رديئة، إلا أنه يجعلها تبدو وكأنها تتناحر مع بعضها البعض، فيكسب هذا ما يخسره ذاك. وهو بدوره يضعهم كلهم في قِدره الخاص ليبيع على الولي الفقيه حلاوة السيطرة على أربع عواصم عربية.
شغل عجم. والعراقيون على دراية كافية به، كسروا عظم العجمي أم لم يكسروه، فآخره معروف.
والحقيقة فإن الحيلة وإن لم تنطل على العراقيين جميعا، إلا أن ماسحي المداس منهم يجدون في ذلك مكسبا. فيكسبون من لطع الفساد لطعة. وكلهم في غيّهم سادرون.
الإيراني يلعب بهم فيظن أنه قادر عليهم. وهم يلعبون عليه. ومثلما يُعلمهم صُنع الحلاوة ويقوم بتدوير القدور بينهم، فإنهم قد يبيعونها عليه أيضا. حتى أن هناك بينهم من يتحدث معه اللغة العربية التي ولد وعاش بها، بلهجة فارسية فيمط له الكلمات مطّا، لكي يجعله يفهم أنه لم يكن ليعرف العربية لولا أنه تعلمها بلهجته الفارسية في مدارس الحوزة وسوق الدجالين.
ولكي تفهم لماذا يبطش بهم ويذلهم ويكتفي بنهب بلدهم، فلأنه يعرفهم بمقدار ما يعرفونه. أحدهم يخدع الآخر، يشتري منه ويبيع عليه الحلاوة، والقِدر واحد.
لا تستطيع أن تستهين بكفاءة قاسم سليماني في فهم جماعته. إنهم جماعته بمقدار ما يؤدون الدور المطلوب منهم كبائعي حلاوة، وكأوباش. فيكسب مرتين. إلا أنهم، بحكم التجربة التاريخية يحتقرونه، بسبب طبع من طباع الخليقة. فلا يأمنوه، ولا يأمنهم. فيكون الخراب هو ناتج المعادلة. إنه المحصلة الوحيدة التي ترضي الطرفين. الأول، لتنفيس حقد تاريخي لا ينضب. والثاني، لكي يرتع مما أعطاه الولي الفقيه من فرص الثراء الفاحش. وكلهم “يلطمون على الهريسة، لا على الحسين”، من أجل القول إنهم ينتسبون إلى ثقب القِدر الذي تتسرب منه الحلاوة، وهو أوسع من ثقب الأوزون.
فإذا ما واجهتهم بنفاق ما يلطمون، زادوا لطما. وكأنهم في سباق مع ظل الفضيحة الذي يلازمهم، لعلهم يسبقوه.