محمد واني يكتب:
السلام بعد الهيمنة!
ظلت استراتيجية ايران والاحزاب والميليشيات الشيعية التابعة لها في طول البلاد العربية وعرضها، من حزب الله اللبناني الى الميليليشيات العراقية وميليشيا انصارالله الحوثي في اليمن واحدة موحدة لم تتغير
ولم تتبدل تحت اي ظرف من الظروف، وهي تقوم على ركيزتين اساسيتين متناسقتين؛ ركيزة تنطلق منها سياسة "التوسع" و"التمدد"، وركيزة تنطلق منها الدعوة الى ارساء السلام والمصالحة. ولكن بعد ان تتم عملية التوسع والهيمنة وتحقق اهدافها، وتصبح واقع حال، وقد دأبت ايران وتوابعها تستعمل هذه الاستراتيجية منذ نشوب الثورة السورية في عام 2011 على الاقل، وذلك من اجل الحفاظ على المكتسبات التي حصلت عليها من جانب ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي والدولي من جانب آخر. ففي الوقت الذي ترسل قواتها وميليشياتها لدعم نظام بشار الاسد ومجابهة الثوار نراها ترفع راية السلام والمحبة وتدعوهم الى الجلوس الى طاولة الحوار والتفاهم، تحت اشراف جلاوزة النظام المجرم طبعا ووفق شروطهم، ومارست نفس الاستراتيجية في العراق من خلال الاحزاب الشيعية العراقية الموالية لها التي كانت تمني العراقيين والشركاء السياسيين بالمستقبل المشرق والحياة الديمقراطية الحقيقية وتطبيق الدستور. ولكن بعد ان هيمنت على مفاصل الدولة وتوسعت فيها وتفردت بالحكم، راحت تطرح على العراقيين مشاريع وخطط لاقرار السلام الزائف والمبادرات السياسية غير المجدية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة!
ولم يشذ اليمن عن هذه القاعدة، فقد سار على نفس الخطة المرسومة، حاله كحال بقية البلدان العربية التي ابتلاها الله بميليشيات عميلة لايران، ظلت جماعة انصار الله الحوثي تحارب الدولة اليمنية لسنوات وترفض التفاوض معها والدخول في مصالحة وطنية وترفض اي مبادرة لاحلال السلام والاستقرار في البلاد، وآخر مبادرة رفضها الحوثيون بشدة هي اقامة حكم ذاتي في منطقتهم صعدة بحجة ان ذلك يحجمهم ويحد من نفوذهم بحسب رئيس المكتب السياسي لجماعة الحوثي صالح الهبرة الذي صرح لاحدى وسائل الاعلام اليمنية ان "قضية صعدة لا تنحصر جغرافيا بمحافظة صعدة، وجماعة أنصار الله لا يقتصر وجودهم على تلك المحافظة، فهم موجودون في أغلب المحافظات، وبالتالي فلا مصلحة لهم في إقامة حكم ذاتي في صعدة، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تحجيمهم..." فهم لا يريدون صعدة فقط، بل اليمن كله، وهذا ما اثبتته الاحداث عندما احتلوا العاصمة صنعاء واستولوا على الحكم، ثم بدأوا ومعهم حلفائهم في المنطقة باطلاق مبادرات سلام ودعوات لليمنيين ودول تحالف عاصفة الحزم الى الجلوس الى المفاوضات وحل المشاكل بالطرق السلمية وفق الحالة "الاحتلالية" الجديدة!
وكما رفض الحوثيون القبول بالحكم الذاتي في منطقتهم وارادوا الكعكة اليمنية كلها عن طريق القوة، كذلك فعل حزب الله اللبناني الذي تجاوزت سلطته حدود منطقته في الجنوب لتشمل لبنان كله، فهو الآمر الناهي الفعلي في البلاد.
وسارت الاحزاب والحركات الشيعية في العراق على نفس النهج التوسعي الطائفي العام ورفضت كل المشاريع السياسية التي تدعو الى انشاء الاقاليم في البلاد، رغم ان زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية وزعيم الائتلاف العراقي الموحد عبدالعزيز الحكيم وابنه عمار الحكيم تبنيا مشروع انشاء اقليم جنوب ووسط العراق على غرار اقليم كردستان عام 2006 وفق ما جاء بالدستور العراقي (المادة 119 التي تجيز انشاء اقاليم) مناشدين "العمل على تشكيل الاقاليم والسير باتجاه النظام الفدرالي بدءا من اقليم جنوب بغداد الى الاقاليم الاخرى". ولكن بعد ان خلف عمار الحكيم والده في زعامة الحزب، غير اتجاهه 180 درجة وتحول الى اشد المعارضين لفكرة انشاء الفدرالية لانها "تؤدي الى اضعاف الوطنية وسيادة العراق!"
ولم يكن حرص الاحزاب الشيعية على الوطن وسيادته هو الدافع الحقيقي لرفض الفدرالية التي هي حق دستوري ملزم، بل لانها تعني انسلاخ مناطق واسعة ومحافظات عن دائرة نفوذ الشيعة وحكمهم الطائفي، لهذا السبب رفضوا مشروع الحكيم ورفضوا دعوة المعتصمين عام 2013 بانشاء اقليم خاص بالمناطق السنية، وكذلك وقفوا ضد اقليم كردستان وناصبوه العداء وقطعوا عنه الميزانية ودخلوا معهم في خلافات لا اول لها ولا آخر من اجل سلب هذا الحق منه واعادته الى حضن بغداد "الشيعية".