د. ابراهيم ابراش يكتب:

نعم لإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، ولكن

ردا على قيام إسرائيل بهدم عشرات البنايات السكنية في وادي الحمص وصور باهر الواقعة في أراضى السلطة الفلسطينية (منطقة أ) أعلن الرئيس الفلسطيني أبو مازن في خطاب مساء أول من أمس 25 يوليو عن وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وتشكيل لجنة لتنفيذ القرار.

إلى هنا يبدو القرار منطقيا بل ووطنيا، وهو ولا شك كذلك، كما أنه ينسجم مع مطالب قطاع واسع من الشعب وخصوصاً قوى المعارضة التي طالما نددت بهذه الاتفاقات وطالبت بإلغاء اتفاقية أوسلو ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، كما أن قرار الرئيس يأتي كخطوة متقدمة للتجاوب مع مطالب سابقة بحل السلطة ومع قرارات المجلس المركزي عامي 2015 و2018 وقرارات المجلس الوطني الخ.

ولكن، وإذا ما تجاوزنا حديث الرئيس عن تشكيل لجنة حيث تشكيل لجنة قد يؤول لجعل قرار الغاء الاتفاقات وكأنه لم يكن، وفكرنا جدياً وتساءلنا بعقلانية عن الإمكانية الفعلية لقطع العلاقات مع إسرائيل وإنهاء وجود السلطة، وفكرنا بعقلانية وواقعية عما سيؤول إليه الأمر بعد تنفيذ قرار الرئيس، آنذاك فإن قلقا كبيرا ينتابنا، ليس لأننا نتمسك بالاتفاقات التي جلبت الويلات على شعبنا، بل لأننا لا نملك استراتيجية وطنية لمواجهة تداعيات الغاء الاتفاقات.

الغاء الاتفاقات مع إسرائيل وكما يفهمه المواطنون العاديون وكما يفترض أن يكون، يعني تحولاً استراتيجياً في نهج منظمة التحرير حيث يفترض العودة إلى ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو 1993 وقيام السلطة 1994، ويفترض أن أحد الأسباب الرئيسة للخلافات بين حركة فتح وبقية فصائل منظمة التحرير وبين هذه الأخيرة وحركتي حماس والجهاد قد زالت وتحديدا بالشق المتعلق باتفاقية أوسلو والاعتراف بإسرائيل، كما أن الغاء الاتفاقات يعني نهاية السلطة الوطنية لأن إسرائيل لن تقف متفرجة.

فهل تفسيرنا هذا لقرار الرئيس صحيح؟ أم أننا شططنا في التحليل بعيدا وأن الأمور لن تصل لهذا الحد؟

قرار الرئيس بإلغاء الاتفاقات الموقعة وبالرغم مما يشوبه من التباس مصدره الإحالة إلى لجنة، إلا أن تنفيذه الآن ارتجالاً قد يؤدي إلى نتائج أسوأ مما هو قائم أو من عدم تنفيذه، لأنه قبل الغاء الاتفاقات علينا أن نهيئ البديل الوطني الذي سيملأ الفراغ الذي سيترتب على غياب السلطة.

المطلوب وعاجلا، وهو ما طالب به الرئيس في خطابه، إنهاء الانقسام وإعادة تفعيل وبناء منظمة التحرير لتشمل الكل الوطني، وإلا فإن الغاء الاتفاقات الموقعة كما قال الرئيس أبو مازن بالأمس سيؤدي لحل السلطة وحلها في ظل الوضع القائم سيؤدي لإطلاق يد إسرائيل في الضفة وقد تقوم بضمها أو ضم أجزاء كبيرة منها، وقد تصنع إسرائيل بدائل للسلطة على شاكلة روابط القرى وهناك مَن هم جاهزون، و فوق كل ذلك، إذا زالت السلطة في الضفة فستبقى سلطة حماس في غزة، وفي هذه الحالة ستكون العنوان المؤسساتي الواقعي الموجود. كل ذلك سيشجع واشنطن وإسرائيل ودول غيرهما على التعامل مع حماس لغياب البدائل وخصوصاً أن حماس تقدمت خطوة كبيرة من خلال اتفاقية هدنة ترضى الأطراف الأخرى كما أن خطابها تغير كثيرا، وفي هذا السياق يجب أن لا ننسى أن واشنطن اغلقت مكتب منظمة التحرير وتعتبرها منظمة إرهابية وغير شرعية.

نؤكد مجدداً على حكمة الرئيس أبو مازن، كما نؤكد ضرورة تجاوز اتفاقية أوسلو وكل ما ترتب عليها، ولكن يجب الحذر حتى لا يؤدي الغاء الاتفاقات في ظل الانقسام إلى تسهيل تمرير صفقة القرن وخصوصاً أن ما تسرب عن الصفقة وما صرح به مهندسو الصفقة أن الضفة أراضي إسرائيلية وليس أرض محتلة، وأن لا دولة فلسطينية على حدود 1967، وأن حركة حماس ستكون طرفاً في أي مفاوضات قادمة في إطار صفقة القرن.

وأخيرا فإن الطريق إلى صفقة القرن معبدة بأقدام ذوي النوايا الحسنة.