الحبيب الأسود يكتب:

ميليشيات السراج الوجه الآخر لميليشيات الحوثي

يبدو فايز السراج معزولا في طرابلس. ضاق به العالم، حتى عدد الدول التي يمكن أن ترحّب به لو دعا نفسه إلى زيارتها رسميّا أضحى قليلا، وقد لا يتجاوز تونس والجزائر وقطر وتركيا وإيطاليا وبريطانيا. فأغلب العواصم باتت تعرف أن دخول الجيش الوطني إلى العاصمة طرابلس حتميّ، ولا مفرّ منه. وتؤاخذ السراج على أنه انحاز لميليشيات خارجة عن القانون. واستعان بإرهابيين ملاحقين في الداخل والخارج لمواجهة الجيش الوطني لبلاده.

ووضع يده على المصرف المركزي للدولة، ليموّل من أرصدته جماعات غير نظامية كانت وراء الخراب الذي حلّ بليبيا منذ العام 2011. وجعل من ثروة الليبيين مكافأة لأمراء حرب متورّطين في سفك دماء الآلاف من أبناء وطنهم على مدى ثماني سنوات، فقط من أجل تحقيق حلم ترسيخ حكم الإسلام السياسي من خلال جماعة الإخوان وحلفائها من تلك التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، وعموم التيارات السلفية الجهادية والتي حملت أسماء عدة، كمجالس شباب المجاهدين ومجالس الثوار وأنصار الشريعة وغيرها.

الإحاطة التي قدّمها المبعوث الأممي غسان سلامة لمجلس الأمن أدانت بشكل مباشر وغير مباشر حكومة السراج. الأمر هناك يتعلّق بحكومة يّفترض أنها شرعية ومعترف بها دوليا، لكنها أخلّت بتعهداتها إزاء المدنيين والمهاجرين غير الشرعيين ومؤسسات الصالح العام والخدمات، وصولا إلى محاولة التمرّد على الشرعية عبر تشكيل جسم برلماني مواز في طرابلس.

في الأثناء، لم يقرّ مجلس الأمن أيّ دعوة إلى وقف إطلاق النار، هناك فقط أمل في الاتفاق على هدنة إنسانية بمناسبة عيد الأضحى، يتم خلالها تبادل الأسرى وجثامين القتلى، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على استمرار الضوء الأخضر للجيش الوطني بمواصلة أعماله العسكرية لحسم معركة تحرير العاصمة وإعادتها إلى شعبها، وإلى موقعها كعاصمة لكل الليبيين.

حكومة السراج لن يكون لها مستقبل في طرابلس. كل الإشارات تدل على أنها في طريقها إلى الزوال، وبعض كبار مسؤوليها بدؤوا بالفعل في البحث عن إقامات بديلة خارج ليبيا، ومن الطبيعي أنهم مستعدّون للمغادرة مصحوبين بأموال ستضمن لهم حياة وادعة في البلدان التي سيتجهون إليها، كما أن هناك ضمانات يتم الترتيب لها بخصوص السراج ومساعديه، حتى لا تتم ملاحقتهم قضائيا في المرحلة القادمة.

سيطرة الميليشيات على العاصمة الليبية هو الوجه الآخر لما يحدث في اليمن من سيطرة الميليشيات على صنعاء. والدافع في الحالتين هو الانقلاب على مؤسسات الدولة باسم الثورة و”الربيع العربي” لتحقيق مشروع الإسلام السياسي بشقيه السني في الحالة الليبية والشيعي في الحالة اليمنية.

وكما يرتهن الحوثيون لإيران، ترتهن ميليشيات طرابلس اليوم لتركيا وقطر. وفي الحالتين تستهدف الميليشيات الجيش الوطني وتنظر إليه كعدوّ يمثّل “الثورة المضادة” أو كطرف جهوي أو قبلي، فقط لأنه يمثّل سيادة الدولة ويتبنّى مشروع الدولة المدنية في وجه مشروع الدولة الدينية الشمولية التي تزعم بدورها أنها مدنية في مواجهة ما تحاول الترويج له من أن الجيش يهدف إلى عسكرة الدولة.

في اليمن، خرجت الحكومة الشرعية من العاصمة دون أن تفقد شرعيتها وبقيت ميليشيات الحوثي تصارع تحت سلطة الأمر الواقع. لكن في الحالة الليبية، تورّطت الأمم المتحدة على إثر اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 في الاعتراف بحكومة غير منتخبة وغير دستورية، ألغاها القضاء ورفض البرلمان المنتخب الاعتراف بها، ولم تحظ بدعم شعبي. وفوق كل ذلك فشلت في إدارة شؤون البلاد وفي تحقيق الأهداف التي تشكّلت من أجلها. واكتفت بجني المداخيل الواردة إلى المصرف المركزي عن تصدير النفط من حقول ومنشآت يؤمّنها الجيش الوطني الذي تحاربه ميليشياتها، ومن تلك الأموال يتم الصرف على مرتزقة وإرهابيين أجانب يتم استقدامهم للدفاع عن حكومة معزولة، ويتم شراء أسلحة تُهرّب إلى الساحل الغربي وتستعمل في الحرب على مؤسسات الدولة.

ما تتميز به ميليشيات السراج على ميليشيات الحوثي أنها تمتلك المال. وتتصرّف في مداخيل الثروة النفطية. ولديها قدرة أكبر على شراء المواقف والذمم. ولها مطارات مفتوحة تساعدها على تهريب السلاح وعلى جلب المقاتلين المرتزقة. ولديها دعم معلن من قبل قوى إقليمية. بعضها دول لا تزال تلعب بورقة الإسلام السياسي أو تبحث عن موطأ قدم لها داخل البلاد. كما أن الأطماع في ليبيا الدولة الثرية بالنفط والغاز والذهب والمعادن الأخرى تبدو أكثر بكثير من الأطماع في اليمن.

إن الاعتراف الدولي بحكومة السراج لم يعُد مفعّلا، وخير دليل على ذلك موقف مجلس الأمن الذي لم يندّد منذ الرابع من أبريل الماضي بعملية الجيش ولم يصدر قرارا بالدعوة إلى وقف المعارك. والعالم اليوم ينتظر تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على إدارة الشأن العام، وتأمين الاستمرار في تدفق النفط إلى الأسواق الخارجية وقيادة مرحلة الانتقال الفعلي نحو الحل السياسي.

العالم يريد تشكيل تلك الحكومة في أقرب وقت ممكن، بينما هناك من الليبيين من يستفيدون من استمرار الحرب لذلك لا يريدون لها أن تنتهي، طالما الأموال لا تزال تتدفق، وهم موجودون في غرب البلاد وشرقها.

لا تختلف ميليشيات غرب ليبيا في شيء عن ميليشيات شمال اليمن، فقط تمتاز ميليشيات طرابلس ومصراتة والزاوية وبعض المناطق الأخرى بأنها ترتبط بحكومة معترف بها دوليّا، على الأقل حتى الآن. وقد أصبح من الضروري والأخلاقي رفع هذا الاعتراف عنها، وتيسير الانطلاق نحو تشكيل حكومة وطنية جديدة على أن يسرع الجيش الوطني بإتمام مهمته في تحرير العاصمة.

على دول الجوار أن تساعد على ذلك، وأن تقتنع بأن حكومة السراج باتت خطرا على أمنها، بعد أن تأكد للعالم أنها تستقطب إرهابيين من الخارج، وخاصة من شمال سوريا، للقتال ضد الجيش، وكذلك بعد أن تورّطت تلك الحكومة في توفير أسلحة نوعية، من بينها طائرات مسيّرة لأولئك الإرهابيين الذين أصبح مجرّد بقائهم في ليبيا خطرا على الجميع، لن يستثني أحدا.