د. ابراهيم ابراش يكتب:
فلسطين قضية سياسية وطنية لا تحتاج لمشروع إسلامي
الرئيس الفلسطيني أبو مازن حذر أكثر من مرة من محاولة نتنياهو تحويل الصراع من سياسي إلى ديني، وبدورنا سبق وأن حذرنا من محاولة إضفاء طابع ديني على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن خصوصية الحالة الفلسطينية لا تحتاج لحركات إسلامية أو مشروع إسلامي بل إن هذه الاخيرة تشكل وبالا على الشعب الفلسطيني.
من خلال تحويل الصراع مع إسرائيل والصهيونية لصراع ديني تستطيع إسرائيل أن تحشد معها كل يهود العالم والأصولية المسيحية والانجليكانية المتصاعدة في الولايات المتحدة والغرب عموما، كما تُظهر نفسها كدولة يهودية صغيرة يُحيط بها مئات ملايين المسلمين وآلاف الجماعات الإسلامية التي تهدد دولة اليهود بالزوال، بينما إضفاء البعد الديني الإسلامي على صراعنا مع الاحتلال لن يفيد الفلسطينيين بشيء، بل ومن خلال التجربة فإن سبع وخمسين دولة إسلامية تعداد سكانها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم لم يفيدوا القضية الفلسطينية إلا قليلا بل أغلبيتها يعترف بإسرائيل ويقيم علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية معها، ولم تفعل أنظمة هذه الدول شيئا سوى الاستنكار والتنديد فيما إسرائيل تواصل احتلالها وتتوسع بمشاريعها الاستيطانية وتدنس المقدسات وتعترف بالقدس عاصمة لها بدعم أميركي الخ، كما رأينا كيف أن الإسلامويين ذهبوا "ليجاهدوا" في كل مكان في العالم إلا في فلسطين؟
إن كنا نقدر مشاعر وعواطف المسلمين تجاه فلسطين إلا أن السياسات والعلاقات الدولية لا تقوم على العواطف والمشاعر بل على المصالح وموازين القوى والممارسات الفعلية على الأرض، وكل صلوات المسلمين ودعواتهم للفلسطينيين بالنصر لن تحرر شبرا واحدا من فلسطين أو تُزيل سيطرة إسرائيل عن القدس والمسجد الاقصى، كما أن وضع الصراع في سياق ديني شجع إسرائيل لأن تعلن عن نفسها كدولة يهودية.
وعلى المستوى الوطني وفي سياق الصراع بين الديني والوطني أو القومي، وبالرغم مما آلت إليه الحال في الدول العربية والإسلامية من دمار وخراب نتيجة هذا الصراع إلا أن حركة حماس في فلسطين ما زالت مصرة على نسخ ما يجري في العالم العربي والإسلامي من وجود مشروع وطني ومشروع إسلامي وقوى وطنية وقوى إسلامية، بينما الحالة الفلسطينية مختلفة تماما حيث كل فلسطين تخضع للاحتلال وهو ما يحتاج لوحدة الشعب في جبهة واحدة لمواجهة الاحتلال، وبعد الاستقلال يمكن أن تتصارع البرامج والأيديولوجيات على السلطة في دولة مستقلة.
إن تقسيم الشعب الفلسطيني إلى مشروعين متناقضين في ظل الاحتلال أدى إلى إضعاف الجبهة الداخلية بل وإلى ما يشبه الحرب الأهلية ثم آلت الأمور إلى ما نحن عليه من انقسام بل وفصل بين غزة والضفة وهذا ما كان يريده الاحتلال الإسرائيلي وما زال، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج لمشروع إسلامي.
وهكذا نلاحظ أنه في الوقت الذي تشعر به حركة حماس بنشوة النصر لأنها تسيطر على قطاع غزة وتجد قبولاً متدرجاً من أنصار لها في الخارج ممن ينتمون لنفس مشروعها الإسلامي بل وقبولاً أميركياً وإسرائيلياً مشروطاً بوقفها للمقاومة المسلحة، وهو ما تحقق نسبيا في اتفاقية الهدنة في مارس الماضي، في هذا الوقت ينتاب الوطنيون الألم والغضب بل ويشعرون بمرارة الهزيمة لعدم انجاز المشروع الوطني التحرري حتى في حدوده الدنيا المتوافق عليها في دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988 وهو دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وفي الوقت الذي تجاهد فيه حركة حماس لتأمين رواتب لموظفيها وترسيم دولة غزة على حساب القضية الوطنية، تناضل منظمة التحرير وقيادتها من أجل القدس وحق العودة والحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية.
ومع افتراض أن كل الأطراف الفلسطينية أخطأت، والأمر كذلك بالفعل، فإننا اليوم أمام مشروع "إسلامي" تقوده حركة حماس ومشروع وطني عنوانه منظمة التحرير الفلسطينية بكل عيوبها، فهل يُعقل، وفي ظل تراجع وفشل الإسلاموية السياسية في المنطقة، أن نجر الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير إلى مربع الإسلاموية السياسية ونتخلى عن المشروع الوطني لصالح مشروع حماس الإسلامي وقد رأينا جميعا ما آل إليه حال حماس وحال سلطتها في قطاع غزة؟ وهل يُعقل ومن المصلحة الوطنية رهن القضية الفلسطينية بالإسلاموية السياسية وقد رأينا ما فعلته وتفعله في العالم العربي والإسلامي.
بالمنطق والعقل وبما تقتضيه المصلحة الوطنية يجب أن تعترف حركة حماس بخطئها وتنضوي في السياق الوطني ويكفيها مكابرة وخصوصا أن الشعب بات يدرك الحقيقة ويلمس حقيقة حماس وسلوكياتها وخصوصا في قطاع غزة، كما أن الإسلام جزء أصيل من المشروع الوطني ومتضَمَن فيه بينما الوطن والوطنية كدولة أو انتماء ليسا جزءا من المشروع الإسلامي.
في السياسة هناك ما يُسمى "الالتقاء وسط الطريق" بمعنى أن يعترف كل طرف –وفي الحالة الفلسطينية حركة فتح وحركة حماس- بخطئه ويمارس النقد الذاتي ويعتذر للشعب، هذا يساعد على أن يتنازل كل طرف عما كان يعتقده مسلمات أو خطوط حمراء، والتنازل لا يكون للطرف الآخر بل للمصلحة الوطنية، وبهذا يلتقي الطرفان وسط الطريق وفي مربع المشروع الوطني التحرري.
إن لم يحدث ذلك فسيستمر الانقسام ويستمر الصراع بين أنصار المشروع الوطني وإتباع المشروع الإسلامي الوهمي، وستستمر إسرائيل مدعومة بإدارة ترامب في ابتزاز ومحاصرة كل من أصحاب المشروعين، والأخطر من ذلك قد تنجح واشنطن بطريقة أو أخرى في تمرير صفقة القرن كأمر واقع وليس كمشروع سلام، والورقة القوية التي ستوظفها لتبرير موقفها هو الانقسام الفلسطيني وغياب عنوان فلسطيني يمثل الكل الفلسطيني من وجهة نظرها، ووجود جماعات جهادية مرتبطة بالإسلاموية السياسية في الخارج، وهو نفس المبرر الذي ستتذرع به الدول العربية المتساوقة مع صفقة القرن.