سمير اليوسفي يكتب:

برداً وسلاماً.. يا عدن!

مما يثيرُ علامات الاستفهام والتعجب تلاقي تحالف الاٍرهاب والكهنوت في اختيار توقيت متقارب لعملياتهم في تفجيرات عدن الخميس الماضي، وتنسيقهما اللاحق خلال الأيام الأربعة الماضية لاستثمار تداعياتها المتسببة بترحيل مواطنين شماليين من قبل غاضبين مُحتقنين بالسُخط والانفعال، لخلق ذرائع جديدة تخدم الحوثي وتقدمه بصفة ناصر المستضعفين، وحامي حمى الوحدة.

المؤكد أنّ الاحتقان الشعبي في عدن ليس وليد اليوم، وإنما هو حصيلة سنوات طويلة من التهميش والتحريض وسوء التقدير وإساءة الفهم.. شاركت فيها مختلف القوى ضد بعضها البعض.

لعقدين من القرن الماضي، كانت عدن "قبلة" الاشتراكيين العرب، ومأوى المُهجرين الشماليين الرافضين لحكم الارياني ومصالحته مع السعودية على دعم النظام الجمهوري واستبعاد أسرة حميدالدين.. ومن بعده الحمدي، ثُم الغشمي وصالح.. وفيها عاش "كارلوس" وخطّط لقتل الحجري وربما تصفية النعمان.

ومن داخل معسكراتها انطلقت الجبهة الوطنية التي كانت تُريد فرض الوحدة مع الشمال بالألغام والكفاح المسلح على نهج الكرملين في طريق زحفها للاستيلاء على السعودية كما يحاول الحوثيون اليوم.

ولا ننسى أنّ مُعسكر العند كان مُعداً لمواجهة النفوذ الأميركي الذي أُعتبرت المملكة رأس حربته.. وجهزه السوفييت بترسانة من الصواريخ كانت كافية لتدمير المنطقة.

ولمن يروجون أنّ تلك الفترة كانت محكومة بشماليين مثل عبدالفتاح ومحسن الشرجبي، ويتجاهلون أسماء جنوبية كبيرة ولامعة مثل باذيب وسالمين وعلي ناصر.. نعود بهم إلى ما قبل جلاء المستعمر البريطاني حيث كانت عدن -مثل ما هي عليه منذ خمس سنوات- ملجأً للثوار ضد الإمامة، ومنها صدرت صحيفة "صوت اليمن" وتخرّج من كليتها "بلقيس" قادة التنمية في الشمال بعد طرد البدر ومحمد بن الحسين.

ولعلً القراء يتذكرون فتوى عبدالوهاب الديلمي التي نشرتها صحيفة "الإيمان" التابعة لعبدالمجيد الزنداني صيف عام 1994، وخلاصتها تكفير الطرف الذي يقوده "علي سالم البيض" لأنه شيوعي ملحد، وجواز قتل الجنوبيين الأبرياء وإن كانوا مُسلمين"..." في حال تترّس بهم أعداء الإسلام أثناء المعارك؛ فقتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلبهم!

وتحوّلت تلك الفتوى الغبية التي سخر منها الزعيم صالح، مع رفضه تحويل الحرب إلى ثارات وانتقام، إلى إدانة لكل ما هو شمالي، كما هو لقب "دحباش" الذي صار لصيقاً بكل قادم من الشمال.

الطريف أنّ أدوات الحوثي الحالية تضمُ بعضاً من أنصار تلك الفتوى جنباً إلى جنب مع رافضين لها من أعضاء الحزب الاشتراكي وبينهم من يقاتل في صفوفه.

ما أثار الاستغراب، أيضاً، تلاقي وسائل إعلام الحوثي مع حزب في سلطة هادي على تصعيد الخلاف والنفخ في أبواق الفتنة المناطقية، وتجاهلهما تماماً لبيانات الرفض والإدانة التي أعلنتها معظم الفعاليات الجنوبية ودانت بها ترحيل الشماليين، داعية لاحتواء تلك الممارسات؛ للحيلولة دون شق الصف المقاتل للحوثي، في ظل غياب أي دور للدولة في ضبط الأمن وإعادة السكينة داخل المدينة.

وتزول الغرابة عندما نتذكر أننا صرنا نعيش الزمن الذي صار بمقدور إيران جمع (الحوثي وداعش) في سلة واحدة.. وتُلقي بهما معاً في وجه خصومها.

لقد جاء التحالف العربي لكي يدعم كافة القوى الرافضة لعنصرية الحوثي باعتباره العدو المشترك لكافة اليمنيين شمالاً وجنوباً.. وكان قد نجح في الدفع بالمقاتلين الجنوبيين للمشاركة في عملية التحرير بعيداً عن النزعات الجهوية والمناطقية. الأمر الذي أزعج أنصار إيران وإخوان قطر. ولن يدخرا جُهداً لإفشاله بمختلف الوسائل.

ولأنّ الحوثي على يقين بأنّ بقاءه مرهون بتجزئة اليمنيين، وزواله مرتبط باحتشادهم لاستئصال نزعته السلالية، فسيعمل جاهداً بالتعاون مع صانعيه على إحياء مختلف النعرات وإذكائها.

وما يعنينا في هذه العجالة التأكيد بأنّ الوضع المُحتقن في الجنوب الذي استهدف أبرياء دون ذنب أو جريرة.. لا ينبغي إسقاطه على كل الجنوبيين، ولا ضد كل الشماليين.. وإنما الحوثي وأتباعه فقط.

كما لا يصح تهويله وتوظيفه لحرف مسار الحرب خارج نطاق تحرير اليمن من هيمنة إيران، فالأيام دوارة والزمن قلاّب.