نهى الصراف يكتب:

هل حان الوقت لاستعادة سيطرتنا على أبنائنا

يتشارك معظم الآباء والمربين القلق المبرّر من أن يأتي اليوم الذي تخرج فيه الأمور عن الإطار المخطط له أو المتوقع، ويتعاظم هذا القلق عندما يمّر الأبناء، خاصة الفتيات، بمرحلة المراهقة المتعسرة فيزداد الأمر سوءا حيث تغلب سيطرة العالم الخارجي أيّ محاولة لسحب العلاقة بين الأهل والأبناء إلى نطاق المنزل والأسرة بما فيها من حدود وتقاليد ونظم.

هذا على الرغم من أن أغلب نتائج الأبحاث وتقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد على أن الفتيات يحققن أفضل أداء على جميع المستويات مقارنة بالفتيان، خاصة ما يتعلق منها بالصحة البدنية وطول العمر. ومع ذلك، فإن قلق الإناث يتزايد ربما بسبب الضغوط الاجتماعية، المدرسية والأسرية، إلا أنه من المرجح أن يكون فقدان الأهل لسيطرتهم على أبنائهم هو المحرك الأكبر لقلق المراهقين.

إلى ذلك، تفيد الأبحاث الأخيرة في مجال التقنية أن قرابة 95 بالمئة من الفتيات المراهقات لديهن إمكانية الوصول إلى هاتف ذكي، في حين يقضي معظم المراهقين من 6 إلى 9 ساعات يوميا في تصفح مواقع الإنترنت ومنها بالتأكيد وسائل التواصل الاجتماعي، يسيطر عليهم شعور خفي بأن شركات التقنية تتلاعب بخياراتهم باستمرار حيث تسحبهم إلى عالم الإنترنت هذا، فلا يتبقى لديهم الوقت الكافي للاستثمار في نجاحاتهم الشخصية وممارسة مهن مفيدة أو تحسين أدائهم الأكاديمي.

ويؤكد الدكتور مايكل غوريان؛ باحث أميركي واستشاري في الزواج والعلاقات الأسرية، أن هذا النوع من القلق له ما يبرره، فهو يستمع بحكم عمله إلى شكاوى آباء وأمهات بخصوص الرغبة في تقييد استخدام أبنائهم لوسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، مع ما يمثله هذا الإجراء من حساسية خاصة في مرحلة المراهقة حيث يحرص المراهق في هذه السن على تعزيز خياراته الشخصية، علاقاته الاجتماعية وتطوره الذاتي وهو يحاول تبعا لذلك بناء أسس خاصة به، حيث يصبح من العسير التعامل معه من دون المساس بها.

ويعلم الآباء والمتخصصون على حد سواء، الآثار المدمرة لهذه الوسائط التقنية على الصحة النفسية والعقلية للأبناء خاصة مع سوء استخدامها أو الإفراط في ذلك، فعلامات القلق والاكتئاب ومشاعر الوحدة التي تسيطر عليهم مردها بالتأكيد إلى كل ذلك.

ويقول غوريان “يؤكد متخصصون في الجمعية الأميركية لطب الأطفال والرابطة الطبية الأميركية، وغيرهم من العديد من الباحثين في المؤسسات البحثية والعلمية الرصينة، أن الوقت قد حان لاستعادة قوتنا وسيطرتنا على أبنائنا في كل ما يتعلق بتطورهم ونموهم النفسي والجسدي والعقلي”.

وفي الوقت الذي يتجنب فيه متخصصون استخدام اصطلاح “إدمان”، على سلوك أبنائنا التقني وطريقة تعاطيهم مع الإنترنت ووسائل التقنية الأخرى ومنها الألعاب الإلكترونية ومعاناتهم من القلق والتوتر نتيجة ذلك، يشدد غوريان على أن اصطلاح “التبعية غير الصحية” لهذه الوسائل التقنية الحديثة هو التسمية الأمثل.

الوقت حان لاستعادة قوتنا وسيطرتنا على أبنائنا في كل ما يتعلق بتطورهم ونموهم النفسي والجسدي والعقلي

هذا عندما لا تكون الأمور قد تدهورت فعلا وأصبحت “سيئة بدرجة كافية” فوصلت إلى حد الإدمان الفعلي الذي يستدعي تدخلا سريعا وعلاجا طبيا. ولهذا السبب فقط، يتوجب علينا إعادة صياغة أفكارنا الأبوية حول الطريقة التي ينبغي لنا فيها حماية أطفالنا.

وإذا كان على الآباء والمربين قياس المدى الزمني الذي يقضي فيه الأبناء وقتهم في استخدام هذه الوسائط حد الإفراط، فما عليهم سوى مراقبة سلوكهم اليومي؛ فإذا أصر المراهق على استخدام هاتفه سواء بمشاهدة مقاطع فيديو أو متابعة إنستغرام أو مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أثناء تناوله الطعام أو أدائه واجبه المدرسي، فإن الإفراط في الاستخدام الذي أشار إليه المتخصصون، بين 6 إلى 9 ساعات يوميا، ينطبق عليهم بالتأكيد.

ومن ناحية أخرى، أظهرت الدراسات الحديثة أن الفتيات المراهقات تحديدا يقضين وقتا أطول مع أجهزتهن الرقمية، على حساب حياتهن الاجتماعية سواء أكانت نزهة مع الأصدقاء في مراكز التسوق، أم مشاهدة الأفلام، أم ممارسة الرياضة والتجوال في الطبيعة، لذلك بدأت لديهن مستويات الشعور بالوحدة في الارتفاع مقارنة بالسنوات السابقة بل وأكثر من أي وقت مضى.

فهل يتوجب علينا بعد كل هذا إعادة فرض السلطة الأبوية وتعزيز قوتها؟ وهل المزيد من القلق والاكتئاب لأبنائنا في مرحلة المراهقة والمراهقة المتأخرة، هو ما نريده لهم، أم أن من واجبنا حمايتهم مهما كانت الأسباب؟

سواء عانى المراهقون من القلق أم لا، فمن المهم أن نتذكر أن انخفاض مستويات الاتصال الإنساني والعلاقات الاجتماعية الباهتة، الضعيفة أو الخاطئة، في العالم الواقعي أو عالم الإنترنت الافتراضي، ستلقي بظلالها القاتمة على نموهم النفسي والعقلي، بناء الذات، الوعي، حل المشكلات والثقة بالنفس.