د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل تعلمنا من التاريخ ؟؟!!

أمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها ، وعلم التاريخ هو دروس ماضية تُفيدنا للتخطيط المستقبليّ، فعند معرفة سيرة الحضارات السابقة وكيف قامت وما هيَ عوامل ازدهارها ونهضتها؟ وما هيَ أسباب دمارها وزوالها؟!
فإنّنا بلا شكّ نختصر على أنفسنا العديد من التجارب ونتحاشى الأخطاء السابقة ونمضي قُدُماً نحو ما نراه مناسب لنا !!.
علم التاريخ كباقي العلوم يستند على حقائق علميّة ثابتة من خلال الأدلّة المرويّة عن المكان والإنسان، ومن خلال الأدلّة المُشاهدة الماثلة للعيان والتي أخرجها للضوء علم الآثار بتنقيباته وحفرياته، وعلم التاريخ يقوم بتأصيل الأحداث والوقائع الهامّة التي مرّت على الأرض سواءً قبل الحياة البشريّة، وكذلك الأحداث التي جرَت بسبب الإنسان وهوَ ما يُعرف بالتاريخ البشريّ أو التاريخ الإنساني.
ولكن السؤال الأهم هو: هل تتعظ الأمم من التاريخ وتجاربه ؟ وهل تقرأ الأمم تاريخها وتاريخ الشعوب الأخرى من حولها حتى تتفادى الانزلاق في الأخطاء القاتلة التي تؤدي إلى دمارها وتحولها إلى روايات تقرأ في كتب التاريخ ؟!!

من روائع ابن خلدون رائد علم الاجتماع العربي، كتب في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشرالميلادي.. قال فيها::
عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيقهون.. وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون.. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.. عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا.. والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان.. ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب.. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات رحمك الله يا بن خلدون هل أنت تعيش بيننا اليوم ؟.
إن ما يجري اليوم في بلادنا قد وثّقته منذ سبعة قرون!!


سأل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أحد حكماء بني أمية عن سبب زوال دولتهم فقال:
أمور كبيرة أوليناها للصغار ، وأمور صغيرة أوليناها للكبار ، وأبعدنا الصديق ثقة بصداقته ، وقربنا العدو اتقاء لعداوته ، فتحول الصديق عدوا ولم يتحول العدو صديقا فضعنا ما بين الإفراط والتفريط.!
وهذا هو ما حدث لنا في الجنوب عندما تولى السفهاء والمراهقون زمام الأمور وكانت النتيجة أن أضاعوا الوطن والإنسان .

د.علوي عمر بن فريد