د. علوي عمر بن فريد يكتب:
في ذكرى ضياع الجنوب 14 أكتوبر الرهان الخاسر!!
تهل علينا الذكرى السادسة والخمسين لما يسمى ب" ثورة 14 أكتوبر" وما يصاحبها عادة ً من مهرجانات وشعارات ومكاسب ثورية وتوصيفات خيالية وعناوين براقة و مخادعة كاذبة صدقناها طوال السنين الماضية !!.
قد يستهجن البعض كلامي هذا وقد يلصقوا بي بعض التهم الجاهزة والمعلبة التي طالما استعملها الثورجيون ضد معارضيهم الذين يصمونهم عادة بالعمالة والرجعية !!
وهم أنفسهم غارقون في وحل العمالة ولا زالوا يعيشون هذا الوهم وهم أنفسهم ضحايا هذه الأكذوبة 14 أكتوبر؟
والحقيقة أن ثورة 14 أكتوبر لم تقم من أجل طرد الاستعمار البريطاني من أرض الجنوب لأن بريطانيا قد اتخذت قرارها بالانسحاب من شرق السويس بعد هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م ..وقررت تصفية كافة قواعدها وأعلنت أنها ستنسحب من الجنوب ومن قاعدتها في عدن في 8/2/1968م!!ّ
ولكن الذي حدث وقلب ميزان القوى في المنطقة أن مصر بعد فشلها في الوحدة مع سوريا عام 1961م دفعت الرئيس عبد الناصر لتعويض فشله فقام بالتدخل المصري في اليمن عام 1962م والإطاحة بالملكية فيه وبدأ بسرية واحدة وانتهى ب" 70" ألف جندي لتثبيت الجمهورية ..وما صاحب ذلك من سفك للدماء اليمنية – المصرية وكلنا يعرف الثمن الباهظ في حرب السبع سنوات العجاف لفرض الجمهورية على اليمن !!
وبعد عام فقط على الثورة اليمنية قامت أجهزة المخابرات المصرية وأدواتها في صنعاء وجلبت المنظرين الماركسيين الفلسطينيين واللبنانيين ليكتبوا ما يعرف بميثاق ( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ) في تعز عام 1963م ثم في وقت لاحق جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل تمهيداً لضمه وإلحاقه.. إلى مجرد شطر يمني من خلال تغييب الوعي الجنوبي واستلاب هويته..وزرع المكونات الشمالية داخله .. في حين أن رابطة الجنوب العربي هي التنظيم السياسي الوحيد في الجنوب الذي رافعا شعار الجنوب العربي في كل أدبياته.
وفي ذلك الوقت كان إتحاد الجنوب العربي دولة كاملة له جيش وأمن وبرلمان وحكومة وصحافة حرة وأجهزة إعلامية .
وكان تأسيس الاتحاد عام 1959م قد مثل خطوة عصرية متقدمة نحو بناء دولة في الجنوب وكان لكل ولاية حكمها الذاتي الخاص بها وقد شهد الجنوب وخاصة عدن تطوراً اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً .
في حين كانت أهداف الغزاة متشابهة من حيث الأهمية الإستراتيجية لميناء عدن وموانئ الجنوب الأخرى منذ عهد الرومان والبرتغاليين والسبأيين والقاسميين وأخيرا الانجليز ولكن الفرق بينهم أن السبأيين والقاسميين قد استهدفوا محو تاريخ وهوية الجنوب العربي وما رافق ذلك من حملات إبادة لشعبه والاستيلاء على أراضيه وثرواته .
هذه هي الأهداف المبطنة التي سعت إليها أجهزة المخابرات في الجمهورية العربية اليمنية منذ قيامها وأدواتها الرخيصة من اليمن الأسفل التي زرعتها في عدن على السير بثبات لاقتلاع الهوية الجنوبية من جذورها !!
لقد كان الانجليز أثناء فترة الاحتلال للجنوب أكثر رحمة وإنسانية..!!
فمنذ وطأت أقدامهم عدن عام 1839 م وحتى خروجهم عام 1967 م لم يقتلوا ما نسبته 5 % مقارنة بما تم سفكه من دماء في عهد الرفاق حتى عام 1990م مرورا بالغزو اليمني للجنوب عام 1994 م وحرب 2015 م وحتى اليوم !!
لقد احترم الانجليز الدين الإسلامي وعادات وتقاليد شعب الجنوب طوال الفترة الاستعمارية وإذا حدث ومرت قافلة عسكرية تحمل جنودا منهم وشاهدوا جنازة يحملها مسلمون إلى المقبرة وصادفت طريقهم أوقفوا سياراتهم ونزل قادتهم ورفعوا قبعاتهم واحنوا رؤوسهم للميت المحمول احتراما لمشاعر المسلمين !!
فماذا فعل غلاة الماركسية من أبناء جلدتنا ألم يسحلوا علماء الدين ؟ ألم يضربوا رؤوسهم بالفؤوس وهم أحياء في مسيراتهم الغوغائية ؟ ألم يجعلوا من الآبار المهجورة والصحاري البعيدة قبورا للأبرياء من ضحاياهم ؟؟!!
وماذا فعلوا لاحقا بهذا الوطن الجميل ؟ الم يدمروه بسياساتهم الخرقاء ؟!ّ!ّ
إن بريطانيا لم تذل الإنسان في الجنوب كما فعل الرفاق!!
لقد وفرت التعليم والصحة والكهرباء والمياه والخدمات الأخرى والأمن .
أما اليوم وفي ظل الشرعية المزعومة فقد بلغ الإنسان أقصى درجات الذل والمهانة في كل مناحي الحياة .
وأخيراً أقول ليس ما سبق إنكار أو إغفال لمطالب شعب الجنوب وتضحياته و الإنعتاق من الاستعمار وبناء دولته المستقلة كباقي شعوب الأرض ..أو التقليل من مطالبته بالحرية والاستقلال..ولكن ..
كان في إمكاننا نيل حريتنا واستقلالنا دون نرتمي في أحضان الغير !!
ودون أن نسفك كل هذه الدماء وأن نحافظ على دولتنا ..ونحصن بلادنا ونتفاهم فيما بيننا ولكن ذلك لم يحدث مع الأسف الشديد ..!!
ولكن البعض منا أرتضى ولا زال أن يكون من أدوات هذا المشروع ألتدميري للجنوب !!
فهل نعتبر من التاريخ ودروسه أم أننا لا زلنا نستجر الماضي ودون أن نعتبر مما جرى ؟ وفي هذه الذكرى البائسة هل آن لنا أن نستوعب الدروس القاتلة ونتصالح فيما بيننا أم لا؟
والسؤال هو: لماذا نحتفل اليوم بذكرى 14 أكتوبر ونرفع راياتها وهي التي ساقتنا قسرا بسياساتها الرعناء إلى باب اليمن وتخلت عن هوية الجنوب ؟؟..وقد أعتذر بعض من شاركوا فيها لاحقا لبريطانيا بعد أن أدركوا أنها جلبت لنا الخراب والدمار الذي لا زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم .؟؟!!!
د.علوي عمر بن فريد