د. ابراهيم ابراش يكتب:
جامعة الأزهر ضحية الانقسام والصراعات الحزبية
جامعات قطاع غزة تعيش تحديات كبيرة، واستمرارها في ظل الاحتلال والانقسام والحصار يؤكد على عظمة الشعب الفلسطيني وأنه شعب يستحق الحياة. ومع ذلك فإن إشكالات كبيرة تتعرض لها الجامعات ناتجة عن التدخل الفج في أمور الجامعة من طرف أحزاب وقيادات سياسية متناحرة ومحاولة تحقيق مكتسبات سياسية حزبية ضيقة بل وشخصية على حساب استقرار الجامعات، وما يجري في جامعة الأزهر في غزة ومن خلال تجربتي الشخصية نموذجاً على ذلك.
ما كنت أرغب بالكتابة عن جامعة الأزهر بعد أن تركت موقعي كرئيس مجلس الأمناء قبل شهرين، إلا أن استمرار الأزمة في الجامعة وعَتَب بعض الأصدقاء لأنني تركت موقعي فيما كانوا يراهنون عليَّ لحل المشاكل العالقة، ومن منطلق أن الجامعة بالنسبة لي ليست مجرد مؤسسة أكاديمية بل مؤسسة وطنية لها رمزيتها وخصوصيتها المعَبِرة عن الهوية الوطنية الشاملة، كل هذا يدفعني للكتابة لتوضيح بعض الأمور عسى أن تساعد على توضيح الصورة وأن يستفيد منها من سيتولى المسؤولية من بعدي.
- في ظل حالة سياسية معقدة ونظام سياسي منقسم بالإضافة إلى الانقسام داخل حركة فتح ووجود الجامعة في غزة غير الخاضعة للسلطة للوطنية وبسبب خصوصية نشأة الجامعة وعلاقتها بمنظمة التحرير وبحركة فتح، كل ذلك انعكس سلباً على الجامعة وحولها لساحة من ساحات الخلاف والصراع السياسي.
- بسبب ما سبق ذكره فإن مشاكل الجامعة وما يهدد وجودها ليست الأزمات الأكاديمية والإدارية والمالية فقط بل الخلافات والصراعات السياسية، فالمشاكل الأولى موجودة في الجامعة كما موجودة في كل جامعات الوطن ويمكن معالجتها والتعايش معها وحلها بالتوافق الداخلي بين أجسام الجامعة، وفي آخر اجتماع مشترك بين رئاسة مجلس الأمناء ورئاسة الجامعة ورئاسة نقابة العاملين تم الاتفاق على حل جميع المشاكل المطروحة.
- منذ صدور المرسوم الرئاسي يوم الرابع من أغسطس 2018 بتكليفي برئاسة مجلس أمناء الجامعة حذرت العاملين ونقابتهم من أيام صعبة قادمة على قطاع غزة وناشدتهم في لقاء معهم في الجمعية العمومية وفي لقاءات أخرى وعبر وسائل الإعلام أن يتفهموا الأوضاع المالية للجامعة حيث استلمناها مفلسة حتى صندوق الادخار ونهاية الخدمة كان فارغاً، إلا أنهم أصروا على أن الراتب خط أحمر لا يمكن المساس به، ولو أنهم تجاوبوا مع رأي مجلس الأمناء آنذاك بدفع 70% من الراتب وترصيد الباقي كحق لهم يتم دفعه عند توفر المال لكان متوفر الآن راتب ثلاثة أشهر على أقل تقدير ولكان العاملون يتقاضون راتبهم الآن 70% بالرغم من تعطيل الجامعة واستمرار أزمتها.
- قبل أن ينتهي العقد المبرم مع رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالخالق الفرا، وهو عقد مؤقت واستثنائي ينتهي في 31 اغسطس، اجتمع مكتب مجلس الأمناء مع اللجنة القانونية في المجلس يوم الخميس الموافق الرابع من يوليو وكان رأي جميع أعضاء اللجنة بعدم جواز التمديد لرئيس الجامعة وضرورة البحث عن رئيس جامعة جديد.
- تم وضع الأخ أبو ماهر وما تسمى اللجنة المشرفة على جامعات القطاع بالصورة وإعلامهم بقرار اللجنة، ولم يعقبوا على الموضوع بل اقترح أحدهم أن نرشح للجنة أسماء ثلاثة من حملة درجة الاستاذية لاختيار أحدهم.
- اجتمع مجلس الأمناء يوم السبت الموافق السادس من نفس الشهر واتخذ قراره بالإجماع، مع تحفظ عضو واحد، بعدم التمديد لرئيس الجامعة وتشكيل لجنة من رؤساء لجان المجلس للبحث في آلية اختيار رئيس جامعة جديد.
- باشرت اللجنة اتصالاتها وطلبنا من بعض الزملاء حاملي درجة الاستاذية إرسال السيرة الذاتية لهم كما تواصلت شخصياً مع بعض الزملاء الدكاترة وهم: أمل الكحلوت وصلاح أبو حميده وناصر أبو شهلا وعيسى النحال وأحمد التيان ليختار مجلس الأمناء من بينهم رئيس الجامعة.
- رفضت اللجنة التي يترأسها الأخ أبو ماهر قرار مجلس الأمناء وأصرت على التمديد لرئيس الجامعة وحرضت رئيس الجامعة عدم الامتثال لقرار مجلس الأمناء، بل وحرضت بعض المرشحين لرئاسة الجامعة على عدم التجاوب، كما مارست الضغط على أعضاء مجلس الأمناء حتى يتراجعوا عن موقفهم الأول بعدم التمديد لرئيس الجامعة، وبالفعل خضع كثيرون للأمر وطالبوا باجتماع جديد للمجلس للتمديد لرئيس الجامعة، وقد رفضت الأمر لأنه ليس من حق المستوى السياسي أن يتدخل في عمل المجلس ومعارضة رأي اللجنة القانونية، كما ليس من حق المجلس التصويت على ما يتعارض مع قوانين وأنظمة الجامعة وخصوصا أن هناك قضية مرفوعة أمام المحاكم بهذا الخصوص.
- التقيت بأعضاء اللجنة (أبو ماهر حلس وروحي فتوح والحاج إسماعيل جبر والدكتور على أبو زهري) أثناء وجودي في رام الله لحضور المجلس الاستشاري لحركة فتح، وقد أصروا على موقفهم بالتمديد للدكتور عبدالخالق الفرا حتى خلافاً لرأي اللجنة القانونية ولرأي أغلبية مجلس الأمناء وخلافاً لقوانين وأنظمة الجامعة، ورفضت مطلبهم وانتهى اللقاء بعلاقة متوترة معهم.
- بسبب الخلاف مع اللجنة أرسلت لسيادة الرئيس أبو مازن رسالة في الأول من شهر أغسطس وأتبعتها في السادس من نفس الشهر برسالة أخرى شكوت فيها اللجنة وتدخلها في أمور الجامعة وخصوصاً اختيار رئيس الجامعة، إلا أن الرسالة لم تصل الرئيس، ووصلت الرسالة للجنة التي اعتبرت أن رسالتي للرئيس تتضمن اتهام وإدانة لهم، فسارعوا بكتابة طلب للرئيس يطلبون فيها اقالتي بتهمة تفردي بالقرار وعدم التعاون معهم مع تلميحات بانحيازي لجماعة التيار، وقد نشرت بعض المواقع التابعة لهم خبراً يفيد بأن اللجنة حققت معي بتهمة التخابر مع دحلان! ومع أن الخبر عار عن الصحة إلا أن اللجنة سكتت ولم تحاول تكذيب الأمر.
- ما آلت إليه الأمور من توتر وإغلاق للجامعة، وصدور حكم قضائي بعدم التمديد لرئيس الجامعة وتخلي رئيس الجامعة عن منصبه وتعيين رئيس جديد للجامعة، كل ذلك يؤكد صوابية موقفي الذي يعبر عن رؤية وفهم للتوازنات الموجودة في الجامعة وفي قطاع غزة عموما وهو ما تفتقده للأسف اللجنة وقيادة حركة فتح في غزة، ولو استمعوا لرأيي وتجاوبوا مع القرار الأول لمجلس الأمناء وللجنة القانونية ما جرى كل ما جرى ولكانت الأمور في الجامعة تسير بشكل طبيعي.
- لقد تعاملت بشفافية ومصداقية دون مجاملة أحد، وحاولت أن أكون عند حسن ثقة الرئيس أبو مازن وتسيير أمور الجامعة كجامعة الكل الفلسطيني وليست جامعة هذا الشخص أو ذاك أو هذه الجماعة أو تلك.
- نشري للرسائل التي وجهتها للرئيس ليس تسريباً لوثائق بل كشفاً للحقائق بعد أن تأكدت أن رسائلي لم تصل للرئيس، أما بقية الوثائق فلم تُنشر من طرفي مع أنها وثائق عادية ومتوفرة عند جميع أعضاء مجلس الأمناء والعاملين في المجلس ومن حق أي شخص أن يطلع عليها.
- أما موضوع استقالتي أو إقالتي فإن رسالتي للرئيس تبين أنني وضعت استقالتي تحت تصرف الرئيس في الأول من أغسطس، أما موضوع إقالتي فقد سمعتها من الاخ أبو ماهر فقط ولم أستلم أي كتاب إقالة ولم أسمع من أية جهة بالموضوع، ويبدو أن هدف أبو ماهر من كل ما جرى إزاحتى من موقعي لأنني اختيار الرئيس، وللرئيس رؤية وطنية شاملة، وليس اختيار أعضاء اللجنة ورؤيتهم حزبية ضيقة بل ومناطقية فئوية وشخصية.
- مع تمنياتي للجامعة بالاستقرار إلا أن الأمر يتطلب درجة كبيرة من الوعي عند العاملين ووقف التدخل السياسي في أمور الجامعة، وأنا على يقين بأن الجامعة بكل عامليها من إداريين وأكاديميين واحتضان الشعب لها قادرة على الصمود والاستمرارية وإدارة أمورها باقتدار بالرغم من كل التحديات وبدون وصاية من أحد.
في النهاية أكرر مرة أخرى مناشدتي للرئيس أبو مازن وللدكتور محمد اشتيه رئيس الوزراء بالتحقيق فيما جرى ويجري في الجامعة، والتحقيق في الاتهامات التي وجهتها لي اللجنة المكلفة بالجامعات وخصوصاً أن مجريات الأحداث أكدت صوابية رأيي وموقفي وصحة كل القرارات التي اتخذتها، وأظهرت فشل لجنة السياسيين في تدبير أمور الجامعة والإشراف عليها، ومطالبتي بالتحقيق إنما من أجل الجامعة واحتراماً للرئيس أبو مازن حيث ما جرى فيه كذب على الرئيس وتمرد على ثقة الرئيس بشخصي وأنا لم أخن الثقة.