فاروق يوسف يكتب:

استعمار السوق الفنية

ليس سرا القول إن هناك حربا حقيقية بين جهة تحاول استعادة الفن، لكونه قوة طليعية في العمل على تغيير طريقة النظر والارتقاء بالذائقة الجمالية لدى عامة الناس وبين من يسعون إلى تحويله وسيلة للاستثمار التجاري، كونه سلعة نادرة يمكنها أن تُدخل إلى سوق التنافس قيما استهلاكية جديدة تجلب المزيد من الأموال بطريقة مريحة.

وفي عصر صار فيه كل شيء صناعة مثل عصرنا، فإن المجتمعات تتعرّض لهجمة دعائية غير مسبوقة تُحطّ من شأن المعايير الجمالية الثابتة وتسعى إلى فرض مصالح أقلية مستفيدة تسعى إلى طي صفحة حرية الفن التي تحرّض على حرية المجتمع والبدء بصفحة جديدة يمكن أن يكون عنوانها “فن تحت السيطرة”، وهو ما يقود إلى استعباد المجتمع بطريقة أنيقة ورفيعة المظهر.

آثار تلك الحرب يمكن أن نراها شاخصة في المتاحف والصالات والمزادات الفنية؛ بحيث صار أمرا طبيعيا أن يتم على سبيل المثال استبعاد نقاد الفن وهم الشريحة المؤهلة للتعريف بالفن الحقيقي من افتتاحات المعارض ومن اللقاءات الفنية الكبرى ومن حفلات التكريس والإشهار واستبدالهم بالصحافيين الذين يتمّ تحديد مهماتهم من قبل الجهة التي تنفق عليهم.

ذلك جزء من عملية فساد كبيرة كان الفن الحقيقي ضحيتها، بحيث صار الفنانون مجرد أدوات منفذة لمشروع غامض، لا يمكن التعرّف على أسراره من غير التعرّف على الآلية المالية التي تحركه.

إن فناني اليوم وإن كانوا يتصدّرون المشهد الفني هم في حقيقة ما يقومون به واجهات دعائية هي أشبه بالمزحة الخفيفة التي يمكن استبدالها بين لحظة وأخرى.

لم يعد نموذج الفنان المناضل والكادح والمحرّض من أجل قيم إنسانية نبيلة، كما هو حال رامبرانت وفنسنت فان كوخ وغويا وسيزان وبيكاسو، مرغوبا فيه أو مقبولا. هناك اليوم فنانون هم أشبه بعارضات الأزياء، يتم الاستغناء عن خدماتهم بعد أن يخفت بريقهم الاستثماري. أما الفنان الحقيقي فقد عاد إلى وطنه الذي يقع في مناطق قصيّة ونائية وعصيّة على استعمار السوق.