علي قاسم يكتب:
السرّ في نجاح الإمارات حيث أخفق الآخرون
انتقلت دولة الإمارات العربية المتحدة بنموذجها من حال إلى حال، ومن عصر إلى عصر، وثبّتت أقدامها على مدارج الصعود والتقدم، وفتحت لطموحاتها أوسع الآفاق، وهي أهل لذلك، فروح الاتحاد ألغت كلمة مستحيل من قاموسها.
ضمن هذا الكمّ من الأخبار السلبية التي نتابعها يوميا يصبح الخبر الإيجابي حدثا استثنائيا. قبل 38 عاما من هذا اليوم وصلت إلى مدينة دبي ومنها إلى الشارقة. كانت كلتا المدينتين في طريقهما لتصبحا استثناء في المنطقة، في الحقيقة كانت دولة الإمارات هي الحدث الاستثنائي. حدث ذلك قبل وصولي إليها بعشر سنوات أي منذ 48 عاما.
يومها تحولت الإمارات إلى ورشة بناء، ليس فقط بناء الاقتصاد، بل تحولت إلى ورشة لبناء الإنسان.
تابعت ما يحدث في جامعة العين، كانت الجامعة تحبو خطواتها الأولى، مستقطبة أفضل الكفاءات العلمية للتدريس فيها، كان من السهل أن ندرك أن إدارتها تتعامل مع كل طالب فيها بوصفه مشروعا قائما بذاته. وضمن عقلية مثل هذه كان لا بد للإمارات أن تنجح.
عرفت ذلك لأني أشرفت على تصميم وطباعة العديد من الكتب التي كانت الجامعة تصدرها. لم يكن قد مرّ على تخرّجي من جامعة دمشق في سوريا سوى عامين أو ثلاثة، وبمقارنة بسيطة بين ظروف الدراسة وقتها في دمشق، وما رأيته وخبرته عن قرب لظروف الدراسة في جامعة العين، كان يكفي لأعرف إلى أين تتجه دولة الإمارات.
يخطئ كثيرا من يظن أن الإمارات دولة صنعها البترول. والدليل بين أيدينا، دول كثيرة امتلكت ثروات بترولية تفوق ما امتلكته الإمارات. ماذا حدث لتلك الدول.. ما هو مصير الجزائر والعراق وليبيا وفنزويلا ودول أخرى؟ انتهى أغلبها ضحية للفساد والعنف.
يخطئ من يظن أن الإمارات دولة صنعها البترول. والدليل أن دولا كثيرة امتلكت ثروات نفطية لكن مصيرها كان مختلفا
الثاني من ديسمبر، يوم استثنائي في تاريخ الإمارات، وإحياؤه مناسبة لاسترجاع ذكرى المؤسّس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه الآباء المؤسسين، الذين أرسوا قواعد قوية لدولة أبهرت العالم، بما حقّقته من نهضة حضارية شاملة، وبما وفّرته لمواطنيها والمُقيمين فيها، كما أكد رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في كلمة وجّهها عبر “مجلة درع الوطن” بمناسبة اليوم الوطني الـ48 للدولة.
لا تتخذ الإمارات من مؤشرات النمو الاقتصادي، على أهميتها، معيارا وحيدا لقياس نجاح المشروعات الإنتاجية والخدمية. الإمارات تقيس النجاح بما تكسبه تلك المشروعات لجودة الحياة من قيمة مضافة ملموسة، وبما تحدثه من نموّ متوازن ومستدام، وبما تخلقه من فرص عمل وتدريب وتأهيل.
القطاعات ذات الأولوية القصوى هي الرعاية الصحية والتعليم، وبناء المجتمع المتماسك، والقضاء العادل، والبنية التحتية المستدامة، والاقتصاد المتنوع. ويظل التعليم، كما يؤكد الشيخ خليفة، من الأولويات القصوى.
وتأكيدا لهذا التوجه خصصت الميزانية الاتحادية للعام الجديد نسبةً عالية منها لتمويل مشروعات تطوير المدارس، كما اعتمد مجلس الوزراء قرارا بإنشاء صندوق دعم التعليم الذي سيفتح الباب واسعا للمجتمع ممثلاً في أفراده ومؤسساته؛ للإسهام الفاعل في تمويل برامج تطوير التعليم الذي لم يعد مجرد تلقين، وإنما هو بناء مهارات وقيم واكتشاف وتنمية قدرات ومواهب.
السرّ في نجاح الإمارات حيث أخفق الآخرون، هو الوحدة؛ السياج الذي حمى دولة الإمارات وحافظ على موارد الإماراتيين ومكتسباتهم على مدى عقود. إنها كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في كلمة بهذه المناسبة، الحصن الحصين في مواجهة كل المخاطر والتهديدات.
عندما يتأمل المرء الأحداث التي مرت على المنطقة خلال العقود الماضية والمشاكل والتوترات والصراعات والحروب التي عانتها ولا تزال دول عديدة، يدرك عظمة ما تحقق على أرض الإمارات يوم الثاني من ديسمبر 1971.
اليوم يتعزز دور الإمارات في مسيرة التقدم ويتعاظم تأثيرها في محيطها الإقليمي والدولي، وتضرب المثل في إرادة التفوق والتميز، وتدخل إلى المستقبل بثقة وتفاؤل، ويتعمق إيمانها بأنها تسير على الطريق الصحيح. لا تترك الإمارات شيئاً للمصادفة، ولا تركن إلى ردة الفعل، كما يؤكد الشيخ محمد بن زايد،
فدولة الإمارات اليوم رائدة في استشراف المستقبل والاهتمام به والاستعداد الواعي والعلمي له، من خلال رؤية استراتيجية واضحة تقوم على التخطيط والدراسة والمبادرة والإيمان بأن المستقبل يصنع الآن، وأن الذين يفتقدون إلى الاستعداد الكافي له سوف يجدون أنفسهم خارج سياق التاريخ.
وبفضل التجربة التنموية المتميزة، والمجتمع المستقر والمتسامح والمنفتح على العالم، والبنية التحتية العصرية، تمثل الإمارات بيئة جاذبة للاستثمارات والأعمال، ويتطلع الشباب من كل مكان للعمل والعيش فيها، وتتبوأ المراكز الأولى في مؤشرات التنافسية والتنمية البشرية على المستويين الإقليمي والعالمي، وتحظى رؤاها وطموحاتها التنموية بالثقة والتقدير في العالم كله، وتقيم شراكات اقتصادية وتجارية فاعلة مع دول العالم المختلفة بما يصب في خدمة التنمية وتحقيق التقدم والرفاهية.
خلال عام 2019 كانت دولة الإمارات على موعد مع إنجاز غير مسبوق، حيث تقدم مشروع الفضاء الإماراتي خطوة كبيرة إلى الأمام بصعود أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية خلال شهر سبتمبر عام 2019، في رحلة سجّلت اسم الإمارات في تاريخ استكشاف الفضاء على المستوى العالمي.
وقريبا ستشغل دولة الإمارات أول مفاعل نووي لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية، ما يؤكد سبقها في مجال العمل من أجل استشراف مستقبل الطاقة في المنطقة والعالم، وتعزيز الاهتمام بالطاقة المتجددة ضماناً لاستدامة التنمية للأجيال القادمة.
ولا تقتصر جهود الإمارات على الداخل، فقد احتلت الدولة المركز الأول عالمياً في نسبة مساعداتها الخارجية من ناتجها المحلي الإجمالي.
كما قامت بدور رائد في التصدي للفكر المتطرف والقوى التي تدعمه أو تشجعه، وهي لا تكتفي بأن تقدم للعالم نموذجاً حياً على التسامح والتعايش بين العشرات من الجنسيات التي تنتمي إلى أديان وأعراق وثقافات مختلفة على أرضها، وإنما تتحرك إقليمياً ودولياً من أجل نشر وتعزيز ثقافة التسامح والحوار بين البشر من خلال جهد مؤسسي.
وقد كانت “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي وقعت أثناء زيارة بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر إلى الدولة خلال شهر فبراير 2019، بمثابة رسالة حضارية خرجت من أرض الإمارات إلى العالم.
ما أنجزته الإمارات كبير وفق كل المقاييس، ولكن لا مكان للتراخي أو الركون إلى الراحة أو تأجيل عمل اليوم إلى الغد. كما أكد الشيخ محمد بن راشد في كلمة وجهها بهذه المناسبة، مضيفا أن الإنجازات تنطوي بطبيعتها على قوة دفع ذاتية، ومن أوجب الواجبات استثمار قوة الدفع هذه لتحقيق إنجازات نوعية جديدة تضمن مواصلة التقدم في دروب التنمية.
فنحن نعيش في عصر المتغيرات سريعة الإيقاع. وهذا يعني أن الإنجازات في قطاعات البنى التحتية والخدمات والاقتصاد والتعليم والصحة والثقافة، معرضة للتقادم إذا لم تحسن الدول مواكبة المتغيرات واستيعاب المستجدات.
سنظل في اشتباك إيجابي مع المستقبل، لقد غرس آباؤنا المؤسسون المستقبل في عقولنا وثقافتنا فحضر في كل خططنا ومشاريعنا الاستراتيجية.
هذا الحضور هو من أسرار نجاح النموذج الإماراتي، حيث مكن من تحقيق التراكم الكمي والنوعي في كل حقول التنمية، وأضاف إلى برامج عملنا رصد الاتجاهات العالمية الصاعدة في الاقتصاد والتكنولوجيا، مما كفل القدرة على مواكبة المتغيرات، وكفل للموارد البشرية وللاقتصاد وللمؤسسات القدرة على التكيف.
وهكذا، حين أطلّت تباشير الثورة الصناعية الرابعة بادرت الإمارات إلى الاشتباك الإيجابي معها، والانخراط في عالمها، والمشاركة في حراكها.
ولم يكن ذلك ممكناً لولا مواكبة ثورة المعلومات والاتصالات في بواكيرها، وتشييد بنيتها التحتية الرقمية، وتسخير تطبيقاتها للارتقاء بالأداء الحكومي، ودفع القطاع الخاص إلى توظيفها لتسريع انتقاله إلى الاقتصاد المعرفي.
لقد انتقلت الإمارات بنموذجها من حال إلى حال، ومن عصر إلى عصر، وثبتت أقدامها على مدارج الصعود والتقدم، وفتحت لطموحاتها أوسع الآفاق، ولأجيالها المقبلة أرحب الفرص. وهي أهل لذلك، فروح الاتحاد ألغت كلمة مستحيل من قاموسها.
غادرت الإمارات عام 1983، وعدت إليها في زيارة للمرة الثانية عام 2013، أي بعد غياب 30 عاما لأرى أن الإمارات ألغت كلمة المستحيل من قاموسها.
الشيخ محمد بن راشد، لم يبالغ في نقله لما حدث ويحدث في الإمارات.. المدن الصغيرة التي كانت تحبو خطواتها الأولى قبل ثلاثين عاما، تحولت إلى مدن عملاقة، ليس فقط ببنيتها التحتية بل الأهم من ذلك في بنية الإنسان فيها.