أزراج عمر يكتب:
عقبات أمام تشكيل حكومة وفاق في الجزائر
من الناحية الشكلية تمكنت السلطات الجزائرية من إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وبالأسلوب الذي أرادته وأسفرت عن فوز عبدالمجيد تبون برئاسة البلاد، ولكن شبح عدم توفر الشرعية الكاملة لتلك الانتخابات ما يزال يطارد النظام الجزائري والدليل على ذلك هو تواصل مظاهرات الحراك الشعبي التقليدي كل يوم جمعة، ومظاهرات الطلاب الجزائريين كل يوم ثلاثاء، وكلاهما يتمسك حتى الآن بمطالب الحراك المعروفة وهي الانتقال إلى طور الدولة المدنية، وتغيير بنية النظام برمّتها، ومحاسبة الفاسدين جميعا، ورحيل ما تبقّى من رموز النظام الحاكم وأعوانه المتواجدين حتى الآن في هرم السلطة وعلى رأس مختلف مؤسسات الدولة المركزية وفي الجزائر العميقة.
في ظل هذا الوضع المتوتر يواجه النظام الجزائري مشكلة كبيرة تتمثل في صعوبة تشكيل حكومة جديدة تشارك فيها مختلف أطراف الصراع الدائر في البلاد، أو تعيين حكومة يشكّلها حزب الأغلبية في البرلمان. وأضافت الوفاة المفاجئة لنائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الجنرال أحمد قايد صالح، صعوبات أخرى إلى ركام الأزمة القائمة خاصة وأن قايد صالح كان الشخصية المحورية التي كان ينتظر أن تنفذ سيناريو تشكيل الحكومة الجديدة بعد تمكُّنه من تمرير الانتخابات الرئاسية التي واجهت معارضة شديدة من الحراك الشعبي، ومن بعض الأحزاب والشخصيات المحسوبة على المعارضة الراديكالية.
النظام الجزائري المعروف بحنكته في تسيير الأزمات بات يدرك أنَّ معطيات الوضع الراهن لا توفر شروط تشكيل حكومة وطنية تمثيلية أو توافقية تنقل الجزائر من مرحلة الأزمة المعقدة بمختلف ذيولها، إلى مرحلة الانفراج السياسي الحقيقي
لا شك أن هذه الخلافات العميقة التي يشهدها المشهد السياسي الجزائري ستقف عقبة أمام تشكيل حكومة يرضى عنها ويشارك فيها الجميع في الوقت الراهن، وفي هذا السياق يرى المحللون السياسيون أن الانفراج السياسي في الجزائر مستبعد في المدى المنظور، وذلك بسبب التناقضات التي تعترض سبل التوصل إلى تفاهمات جدية بين الحراك الشعبي، ومعه أحزاب المعارضة، وبين مؤسستي الرئاسة والجيش وذلك لانعدام قيادة منتخبة أو مختارة توافقيا تمثل فسيفساء الحراك الشعبي وأطياف المعارضة الحزبية المتشظية التي تفتقد الترخيص الشعبي لخوض الحوار الجاد مع السلطات لإيجاد حلّ توافقي بموجبه يمكن نزع فتيل الاحتقان تمهيدا لتفكيك بؤر توتّر الأزمة الجزائرية المركبة التي بلغت الذروة منذ انطلاق الحراك الشعبي ضد النظام الجزائري حتى الآن.
إلى جانب ما تقدم فإن وفاة أحمد قايد صالح ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار لأنها متغير جديد سيؤثّر لا محالة في المشهد السياسي العام، وقد يفرض هذا العامل على مؤسسة الجيش تأجيل تفعيل أيّ شكل من أشكال الحوار لفترة زمنية قصد إعادة ترتيب وضعها الداخلي، وقد تستغرق هذه الفترة وقتا يصعب تحديد مدته.
وفي هذا الشأن هناك تسريبات من مصادر موثوقة فيها تشير إلى وجود خلافات لا يستهان بها بين أوساط قيادة الجيش بخصوص تحديد الطرف الشرعي الذي يمكن التحاور معه في الوقت الذي بدأ الحراك الشعبي يترجم فسيفساءه في صورة انقسامات حادة على مستوى المبادئ والمطالب المرفوعة، وفي الموقف من شرعية نتائج الانتخابات وينتظر أن تخلق هذه الانقسامات أقطابا متناحرة متعددة قد تفضي بدورها إلى تعقيدات إضافية تفاقم الوضع السياسي الجزائري بشكل درامي، وتعطل مشروع الحوار الذي تلوّح به السلطات الجزائرية.
أما التعيينات الأخيرة القليلة التي نفذها الرئيس عبدالمجيد تبون سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى الجيش فإنها لا تمثل أيّ نزوع نحو تغيير حقيقي بل ينظر إليها على أنها حركة شكلية مؤقتة خاصة وأن صيغة منصب الوزير الأول بالنيابة أو رئيس أركان الجيش الشعبي بالنيابة، فضلا عن إسقاط منصب نائب وزير الدفاع، تدل دلالة واضحة على أن مؤسسة الرئاسة تفضل تأجيل التعيينات الشاملة والدائمة، ويفهم من هذا أيضا أن تبون وقيادة الجيش يريدان استخدام تأجيل تشكيل الحكومة كطعم يسيل اللعاب لاستقطاب عناصر من الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة الراديكالية إلى الحوار الذي يعني التهدئة وإنهاء المظاهرات.
في هذا الخصوص يلاحظ أنّ النظام الجزائري المعروف بحنكته في تسيير الأزمات بات يدرك أنّ معطيات الوضع الراهن لا توفر شروط تشكيل حكومة وطنية تمثيلية أو توافقية تنقل الجزائر من مرحلة الأزمة المعقدة بمختلف ذيولها، إلى مرحلة الانفراج السياسي الحقيقي.
لاشك أن أحزاب الموالاة وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي تريد المضيّ سريعا في تشكيل حكومة جديدة تحلّ محلّ حكومة تصريف الأعمال، وقد عرضت جميعا ومسبقا خدماتها على النظام الجزائري. كما أنّ حزب طلائع الأحرار المصنف كحزب معارض قد صرحت قيادته مؤخرا بأنها لم تتلق من النظام الجزائري حتى الآن أيّ دعوة للمشاركة في الحكومة الأمر الذي يفهم من تصريح أحد قادته خلال هذا الأسبوع، والذي قال إنّ “تشكيل الحكومة خطوة إيجابية”، بأنه على استعداد ضمني للقبول بالمشاركة.
ويفسر المراقبون السياسيون هذا التوجه لحزب طلائع الأحرار بأنه قفزة في ظلام يأس هذا الحزب من السلوك السلبي لأحزاب المعارضة التي لم تشكل تحالفا معه أثناء الانتخابات الرئاسية لدعم مرشحه علي بن فليس من جهة، ويرون أيضا أنه محاولة من قيادة حزب طلائع الحريات للتموقع على نحو يضمن استمراره في الحياة السياسية الجزائرية والتعويض النفسي والتكتيكي عن الخسارة المدوية التي مني بها بن فليس في تلك الانتخابات من جهة أخرى.
وفي الحقيقة فإن أطروحة تشكيل الرئيس تبون لحكومة جديدة ما تزال مجرد تفكير رغبي خاصة وأن حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي قد حسم موقفه برفض المشاركة في مثل هذه الحكومة قبل إجراء الانتخابات التشريعية (البرلمانية) ولكنّ أحزابا إسلامية وأخرى محسوبة على الاتجاه العلماني تراوح بين الترحيب البراغماتي المشروط بمقترحات الرئيس تبون، وبين تفضيل إعطاء الأسبقية لحلّ البرلمان ثم انتخابه من جديد، وتعديل الدستور وقوانين الانتخابات، وفتح أبواب الحوار الشامل مع أطياف المعارضة لتهيئة المناخ الذي تفترض هذه الأحزاب أنه سيوفر أرضية مشتركة يتأسّس عليها انفراج سياسيّ جدي يمكن أن يخلق المناخ الملائم لتشكيل حكومة وفاق وطني