عمر علي البدوي يكتب:

أزمة الإعلام السعودي.. مستمرة

في مثل هذا الشهر مارس عام 1997 دخلت خدمة الإنترنت إلى السعودية، وكانت البلاد بمؤسساتها ومجتمعها على موعد مع فضاء جديد سيغير الكثير من ملامح وثوابت وطبيعة النظم الاتصالية والتواصلية الرسمية والشعبية.

واحد من أكثر القطاعات التي تأثرت بدخول الإنترنت واتساع نطاق مستخدميه والمستفيدين منه، هو الإعلام، تماما كما يحدث في العالم من تحولات عميقة وجذرية في بنية وحالة الإعلام عموما، كانت السعودية تشهد ذلك بوتيرة أكبر وتسارع مذهل في التغيرات التي لم تقو على الصمود أمامها مؤسسات وكيانات إعلامية ضخمة، كانت في الماضي هي جوهرة تاج الصناعة الإعلامية السعودية والمستحوذة على المشهد بلا منازع أو منافس.

كانت التحولات سريعة وعميقة، وقدرة بعض المؤسسات على الاستجابة لهذا التحدي كانت بطيئة وقاصرة، ترك ذلك تأثيرا على تسويق السعودية لنفسها في الصعيد الإقليمي والدولي، وزادت التحديات التي فرضها الحضور السعودي في مجالات السياسة والاقتصاد والريادة الدينية والتنافس الإقليمي من حاجة الرياض إلى ذراع إعلامية كفؤة ومواكبة لحجم التطورات التي تشهدها والمسؤوليات التي تكتنفها.

لكن الأجهزة الرسمية مثقلة بالبيروقراطية، وكرسي وزير الإعلام ساخن ولا يستقر لأحد، وإلحاح الحاجة إلى الرفع من مستوى الإعلام في خدمة الأجندة السعودية في كافة المجالات يزيد، ولكن المؤسسات التي بنيت بهدوء خلال عقود مضت تسجل خسائر في الحضور والتأثير، وتعصف بها إكراهات الواقع التقني الحادة، ومحاولات اللحاق بالركب تنتهي إلى الفشل والعجز وصرف الموظفين والأداء المتواضع وربما الإغلاق النهائي.

وشملت التعديلات الوزارية الواسعة، التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، في 25 فبراير 2020، إعفاء وزير الإعلام تركي بن عبدالله الشبانة من منصبه، وتكليف وزير التجارة بقيادة وزارة الإعلام.

الشبانة الذي تولى دفة قيادة الإعلام في المملكة لمدة عام واحد فقط، منذ 27 ديسمبر 2018 وحتى 25 فبراير 2020، وهو القادم من القطاع الخاص، والضليع بالصناعة الإعلامية من تفاصيلها المعقدة، لم يحظ بفرصة المكوث طويلا ولم يبد ما يؤشر إلى بوادر لحلحلة الواقع الإعلامي وإصلاح أعطابه.

ولعل المصارحة التي أبداها الوزير المكلف الدكتور ماجد القصبي، لقيادات وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها، بأن “الأداء غير مرض تماما، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته” تكفي للدلالة على ذلك.

وربما يسعى الوزير القصبي بخبرته الإدارية الواسعة إلى إعادة النظر في أداء الوزارة وإعادة تعريف علاقتها بالإعلام ودورها العملي في تطوير واقعه، ويرجح حسب المتداول أن تتم فكفكة أجهزة الوزارة البيروقراطية، وتحويل أذرعها الإعلامية إلى هيئات وشركات خاصة، ولعل مشروع تحويل قناة الإخبارية إلى شركة خاصة، أقرب مثال على ذلك.

وفي منتدى الإعلام السعودي الأول، مطلع ديسمبر الماضي، وقبل تكليفه بالمنصب، قال الدكتور ماجد القصبي “المفروض وضع رؤية إعلامية، أين سيكون إعلامنا السعودي في 2030.. وكيف نرتقي بصناعة الإعلام، لأن الإعلام صناعة وفن، وكيف نسوق قصتنا الإعلامية داخليا وخارجيا”، مضيفا “أعتبروني جزءا من الفريق الإعلامي”.

ورغم إيجابية هذه الإشارات، لكنها لا تكفي للتفاؤل بفك عقدة الواقع الإعلامي، لأن شروط النجاح فيه مختلفة عن التنظير، ومأهولة بالتحديات التي تستلزم طول نفس وتؤدة ومظلة عريضة من سعة الأفق وبُعد النظر والموقف الاستراتيجي حيال حركية الفضاء الذي يستوعب القطاعات الإعلامية وديناميته المتسارعة.

ويحدث هذا بالقرب من الورشة الوطنية الكبرى التي تشهدها السعودية في كافة القطاعات، ومنها الإعلام الذي سيحتفي قريبا بمشروع المدينة الإعلامية السعودية، التي انطلقت تباشيرها بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع مجموعات إعلامية سعودية كبرى، ضمن خطة لتكون المدينة حاضنة لوسائل الإعلام السعودية المهاجرة، بالإضافة إلى استقطاب مجموعات إعلامية عربية ودولية.

لا تزال حكاية الواقع الإعلامي السعودية مفتوحة للنقاش ولن تهدأ عواصفه، إذ سيبقى موضوعا مطروقا حتى يبلغ درجة من موازاة المرحلة الجديدة سواء التي تعيشها السعودية أو تلك المرتقبة في كبد المستقبل المنظور والبعيد.